من بين مزاعم محترفي الشوشرة، أن الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية، تم على أساس "طائفي" : مسلمون ومسيحيون بشكل أساسي، وبمنطق الاستقطاب الأيديولوجي بدرجة أقل! على نحو أحال البلد إلى اصطفاف الأقباط والليبراليين واليساريين إلى جانب التصويت ب"لا".. والإسلاميون وحدهم إلى جانب التصويت ب"نعم"! هذه الشوشرة.. مقدمة لنتائج تعزز من إحياء نظرية مبارك ونظيف وعمر سليمان، والتي كانت ترى أن الديمقراطية ستأتي ب"المتطرفين الإسلاميين" من جهة وأن المصريين ليسوا مؤهلين بعد لكي يعيشوا مثل البني آدمين في بيئة سياسية ديمقراطية من جهة أخرى! كان نائب الرئيس السابق، وحتى عشية خلعهما يردد هذا الكلام علانية سواء للداخل أو في حواراته مع الغرب.. رغم أنه كان لتوه مناطا به ملف الاصلاح والمصالحة! الكلام على هذا الشكل، يعني أن فلول مبارك، ليسوا فقط في الحزب الوطني، وإنما في النخبة التي تتبنى هذه الدعاية الرخيصة، والتي لا تتورع في إهانة الشعب المصري واحتقاره علانية ووضعه في ذات المنزلة التي أنزله إليها الرئيس المخلوع.. باعتبار الأخير هو "الحكيم" الذي يعلم ما ينفع وما يضر هذا الشعب "القاصر" والذي ينساق وراء "الدعاية الدينية" ولا يستحق الديمقراطية، ولا ينفع معه إلا القمع والترويع والتجويع والتزوير وحرمانه من حقوقه السياسية "حماية" لمصر في الداخل ودرءا ل"الإرهاب" الذي قد تصدره الديمقراطية حال استظل بها المصريون إلى الخارج! مثقفون مصريون ما انفكوا يخاطبون الغرب بذات المنطق: أياكم والجري وراء إطلاق الحريات في مصر.. المتطرفون الإسلاميون قادمون.. لا تساندوا قوى التطرف .. أوروبا ستكون الهدف الأول وإسرائيل تاليا.. نخبة تتنسم روح ونفس الديكتاتور الدموي معمر القذافي.. جميعهم في مصر "قذاذفة".. يتبعون سنة الفقيد الليبي شبرا بشبر وذراعا بذراع! والحقيقة التي لا يريدون الاعتراف بها، أن نتيجة الاستفتاء، عكست رأي الطيف الوطني المصري على اتساعه، وعلى نحو يصعب معه القطع بأن كتلة سياسية معينة ودون غيرها صوتت مؤيدة للتعديلات.. وكتلة أخرى دون غيرها صوتت معارضة لها.. هذه سذاجة تصل إلى حد "العبط".. لأنها لا تستند إلى اية أسانيد علمية أو عقلية أو استقرائية.. لأن هناك ليبراليين ويساريين صوتوا لصالح التعديلات، ولهم أسبابهم وكذلك صوت إسلاميون ب"لا" وكان لهم أسبابهم التي اقتربت إلى مخاوف وقلق كل مصري رأي في التعديلات "ترقيعا" كما تردد لدستور مبارك.. بل إن بيوتا كثيرة أنا اعرفها تنتمي عائلاتها للتيار الإسلامي السلفي انقسمت بشأن التعديلات بين معارض ومؤيد.. وشهدت جدلا ونقاشات واسعة.. وتمسك كل طرف برأيه.. ويوم الاستفتاء قال بعضهم "نعم".. وصوت الآخرون ب"لا".. فضلا عن كتل كبيرة صوتت للاستقرار والأمن لتصورها بأن الفراغ السياسي الحالى وتركه لشهور طويلة، يعتبر ضارا بمصالحها. فالنتائج إذن لم تكن محصلة الاستقطاب الطائفي والأيديولوجي وحده.. وعلى هذا النحو البسيط والساذج.. وإنما نقلت أشواق وأحلام الطيف الوطني المصري بكل تكويناته المؤدلجة والمسيسة والصامتة والعفوية وما شابه.. بمعنى ان التجربة كانت مدنية وديمقراطية بامتياز.. وعلينا ان نتقبلها كما هي.. ولا داعي للشوشرة عليها بشكل عدواني يعكس احساسا بأن فلول مبارك لم تكن في الوطني.. وإنما في عقول وضمائر نخبة اعتادت على "الهدم" ولم تعد تصلح للبناء. [email protected]