"إذا كانت قمة الخرطوم 1967م كانت هي قمة اللاءات الثلاث، فإن هذه القمة ستكون هي قمة (نعم) للمصالح العربية"!!..هذا كذا قال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية في معرض ردَّه على أسئلة الصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام اجتماعات مجلس وزارء الخارجية العرب. و هو تشخيص يستحق التأمل حقاً.. و يدعوا إلى التفكر في حقيقة هذه الكلمة البلاستيكية العجيبة (المصالح العربية)!.. قمة الخرطوم التي انعقدت في الستينات و عرفت بقمة اللاءات الثالثة جاءت كمحاولة لمداواة جرح الهزيمة التي سماها العرب تخفيفاً ب(النكسة)، و الآن و قد انقضت قمة الخرطوم و ختمت أعمالها بالبيان الختامي الذي سمي (إعلان الخرطوم)، تصح القراءة وفقاً للوصف الكلي الذي أطلقه أمين عام الجامعة على القمة الأخيرة . من المفارقات العجيبة أن يجيئ تأسيس الجامعة العربية سابقاً في الزمان لتأسيس الأممالمتحدة..و منذ ذلك التاريخ الذي تجاوز الستين عاماً، و هذه الكلمة(المصلحة العربية) تائهة بين أفعال القادة العرب..و كلما ارتكب قائد فعلاً خيانياً، و أو جبن تكتل الزعماء عن الوقوف موقفاً شجاعاً -حتى و لو على مستوى الكلام- اعتذرو ب(المصلحة العربية).. لقد سأل صحفي سؤالاً في عمق المحك حين قال: (هل تستطيع هذه القمة أن تخرج بقرار إدانة للاحتلال الأمريكي في العراق)؟!..و لكن السيد الأمين العام لم يجد ما يجيب به سوى أن يقول (القمة لم تنعقد بعد)!!.. إن النقاط موضوعة على أحرفها منذ أمد طويل..منذ أن انكسر العرب أمام إسرائيل في أول غزوها عام 1947م، و منذ أن انكسروا ثانية في 1967م..و تركوها بعد ذلك مغروسة في قلبهم كأهنأ ما تكون النبتة!!..إن معيار (المصلحة) عند القادة العرب هو في الحقيقة تحقيق الموازنة بين مصالح عروشهم و بين المصالح الأمريكية في المنطقة، و المصالح الأمريكية هي الأصل دائماً..و إلا كيف يمكنك أن تفهم استمرار إسرائيل في سحل و سحق الشعب الفلسطيني و تهديم بيوته و تدمير مقدراته..و رغم ذلك لا يصدر قرار واحد من الجامعة العربية يقضي بإيقاف موجة التطبيع التي بدأت تجتاح الدول العربية..بل مازال القرار العربي متشبثاً بخارطة الطريق التي يرفضها جمهور الفلسطينين، و عبروا عن هذا الرفض بانتخابهم (حماس) كرمز للمقاومة و الصمود.. و لكن سر التشبث هو أن خارطة الطريق هي تعبير عن التقاء المصالح بين أمريكيا و العروش العربية!!.. السودان نفسه استضاف القمة العربية ليحقق مصلحة، و قد حصل عليها بالفعل في التعهد العربي بتقديم الدعم المادي لقوات الاتحاد الإفريقي في دارفور، يريد السودان بذلك أن يدفع عن أرضه تهديد تدخل القوات الأجنبية التي تتذرع بفشل القوة الإفريقية في حفظ السلم نتيجة لنقص الدعم المالي، و و على الرغم من أن هذه المصلحة تبدو وطنية و عامة.. إلا أنها تلتقي بالمصلحة الأمريكية و الأوربية- شعر بذلك السودان أم لم يشعر- حيث إن مصادقة العرب على دعم للقوة الإفريقية حتماً سيوفر على الدول الغربية جزءاً كبير من الإلتزاماتها المالية - التي كانت تتملص منها- تجاه قوة حفظ السلام في دارفور، تلك القوة التي ستكون- في الغالب- إفريقية مدعمة بقوات أممية وفقاً للقرارين (قرار مجلس السلم و الأمن الإفريقي، و قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة)!!.. و الخلاصة أن المال العربي سيتدفق طيلة الأشهر الستة القادمة، و هو تحصيل حاصل: فالقوة الإفريقية باقية أصلاً و لن ترحل قبل انقضاء الأشهر الستة، و بعد ذلك ستعمل القوى الغربية على الدفع بقوات أممية رغم ذلك إلى دارفور في إطار تسوية سياسية مع أطراف في الحكومة السودانية، و لضمان استمرار تدفق المال العربي فإن مشروع التسوية سيكون في صيغة ناعمة إلى حد كبير، و الصيغة المناسبة حسب هذا المنطق، هي قوة أممية مكونة من دول إفريقية و آسيوية- قد تكون مسلمة!، بيد أن التوجيه و الإسناد اللوجستي سيكون بأيد أمريكية و أطلسية.. أما قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، فقد قصد به إزعاج السودان حتى يسارع في اقناع العرب ببذل المال من أجل الإبقاء على قوة الاتحاد الإفريقي ليس أكثر. و أخيراً فإن القمة العربية فقدت الكثير من وزنها في الآونة الأخيرة، ليس لدى شعوب المنطقة فحسب، بل حتى في حس الزعماء العرب أنفسهم، فقد صارت محلاً للمهاترات و التراشق الكلامي، و أصبح التغيب سمة أساسية في كل دورة من دوراتها، و هذه المرة كان حظ قمة ا لخرطوم من الهوان هو غياب عدد كبير من زعماء الدول ذات الوزن) مثل مصر و السعودية الإمارات و البحرين المغرب ..إلخ!!..و بل الأعجب من ذلك أنه على الرغم من أن الملق العراقي كان واحداً من أهم ملفات المطروحة على القمة، إلا أن الزعامة العراقية تغيبت عن الحضور!!..فإذا كانت هذه نظرة (أهل القمة) إلى القمة، فأية مصالح تلك التي تريد ياسعادة الأمين العام من هذه القمة العرجاء؟!. [email protected]