نبتت في بيئتنا الثقافية حشائش ضارة ، ينبغي على المثقفين مواجهتها . ومن تلك الحشائش الضارة المثل القائل " الجواب يتقرا من عنوانه " نموذج للكسل العقلي ، والسطحية في الحكم ، وعدم الرغبة في الدقة والبحث والتحري . صفات قادت المجتمع للانخداع بالعناوين البراقة ، وقادتنا لحكم السريع على الأشياء دون فكر أو روية أو تثبت . جعلتنا بيئة خصبة لانتشار الشائعات ، وتصديق ما لا يصدق عقل . جعلتنا نهباً لثلة من المفسدين المتلاعبين بالعقول ، ومن عجب أن المجتمع في عمومه بعلم كذب هؤلاء المفسدين ، وبرغم هذا يتلقى الناس عنهم ، ويروجون ما يسمعونه من كذب منقول عن كاذب . عجيب أن يتم هذا في أمة بنت حضارتها على قواعد عقلية سبقت بها أوربا بقرون ، فنحن أمة التثبت والتحري والتدقيق في الخبر : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " الحجرات (6) . أمة تعلمت أن الحكم السطحي المبني على الظن جريمة في حق الفرد والمجتمع :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ " الحجرات (12) للأسف الطريقة المحسوبة على المثقفين في عمومهم مشغولون بالظهور الإعلامي ، وكتابة القصة والروايات وتحويلها لأفلام ومسلسلات . وحتى من سبقهم من طبقة المثقفين الذين أثروا في بيئتنا الثقافية في القرن الماضي لم يلتفت منهم إلا القليل إلى الاهتمام بالتفمير المنطقي السليم ونشر أسسه وقواعده في المجتمع ، ولكن كان من ضمن هذا القليل الدكتور " علي مصطفة مشرفة " عالم الذرة المعروف ، وننقل بتصرف بعض ما ورد في كتابه : " التفكير العلمي " : " العقول الراجحة تزن الأمور بميزان الحقيقة ، فلا تجزم إلا بعد التثبت ، ولا تقطع بأمر إلا بعد الاستقصاء ، فإذا لم تكن الأدلة كافية ، فالحكم معلق ، والأمر مازال قيد البحث ، أما العقول الطفيفة ، فتتسرع في الحكم أو تعتمد على أوهى الأدلة ، وتبني النتائج على غير مقدمات ، ولذلك يبدون استعداداً مدهشاً لتصديق ما لا يجوز تصديقه ، فهم آلوا على انفسهم ألا يبذلوا جهداً في البحث والتحري وهم راضون عن أنفسهم بل أصبحت جهالتهم وأوهامهم جزء من شخصيتهم ، يدافعون عنها كأنهم يدافعون عن حياتهم ." وأتركك عزيزي القارئ لتقارن بين مثلنا العربي القائل : " الجواب يتقرا من عنوانه " وبين المثل الإنجليزي القائل : “ you can't judge a book by its cover ” الأول : سطحية ، وكسل ، وعدم تحري للدقة ، تؤدي إلى سهولة السيطرة على العقول وخداعها . والثاني : بحث وتقصي ، ودقة وتحري ، تعصم من الخديعة .