تكلمنا فى المقال السابق عن المجتمع الإسلامى القائم على ضفاف الوحى المعصوم (قرآناً وسنة)، وكيف أن المجتمع يستطيع كلما اشتد به العطش أن يعود إلى هذا المنهل العذب ليرتوى منه وينهل من معينه. نتحدث إذن الآن عن الفتن التى قد تصيب المجتمع الإسلامى وما النجاة منها، فبعد أن اتفقنا على المنهج فهذا أوان محاولة تطبيقه. قلنا إن تصحيح عيوب المجتمع يكون بالعودة إلى القرآن والسنَّة، فما الخطوات الواجب اتباعها فى مثل هذا الحال الذى نحن فيه؟ نجد جواب ذلك أولاً فى قول الله تعالى فى سورة الحجرات وهى سورة مهمة جداً فى مسألة بناء المجتمع الإسلامى، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». هذا هو الواجب الأول فى تجنب الفتن فى المجتمع{لا يسخر قوم من قوم} العنصرية إذن مرفوضة تماماً. وببساطة نحن لا ندرى من الأفضل فربما تكون سخريتك ممن هو أفضل منك {عسى أن يكونوا خيرا منهم}. ثم الواجب الثانى فى تجنب الفتن هو {ولا تنابزوا بالألقاب}، ونجد ذلك أيضاً فى قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا بِاللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِىءِ} رواه الإمام أحمد من حديث عبدالله بن مسعود. أياً ما كانت الأسباب لا تلعن ولا تفحش وإياك والبذاءة فإنها والله شر، وإذا خطر ببال أحد أنه يستطيع الدفاع عن الحق بالبذاءة والقبح فليتذكر هذا القول الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا بِاللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِىءِ» وليتذكر قول الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضى الله عنه إذ يقول:«إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب فاعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا». أيها الناس، يا من تظنون أنكم تدافعون عن الحق بالسباب والفحش وقبيح القول تذكروا «الحق لا يحتاج إلى هذا». إذن فالواجب الأول للنجاة من الفتن هو عدم السخرية، والواجب الثانى هو ترك الإثارة اللفظية بالسباب وغيره والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما يقول الحبيب. بعد ذلك يأتى التعقيب القرآنى لمن يأبى امتثال هذا الأمر فيقول الله تعالى: «وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، ويظن السامع أن التعقيب سيكون: «فأولئك هم الفاسقون»، إذ السخرية والتنابذ بالألقاب فسوق وعصيان، ولكن القرآن يرشد الناس من طرف خفى إلى أن هذه الأمور هى من عين الظلم الذى يجب اجتنابه لما فيه من إهلاك للمجتمعات. ثم تأتى الآية التى بعدها لبيان بقية الأمور الواجب اتباعها للنجاة من الفتن فيقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ». وهذه الآية المهمة جداً فى إطار بناء المجتمع الإسلامى هى محل حديثنا يوم الأحد المقبل، إن شاء الله تعالى.