يا من كنت رئيسا لجمهورية مصر العربية، وتمتعت بما لم يتمتع به من سبقوك، جثمت على الشعب سنوات فاق عددها عدد سنوات من سبقوك، جعلت نفسك ملكا قاسيا على شعب هادئ طيب، رضى بالقليل، ورغم ذلك افتعلت لنا الأزمات، اختصرت أمانينا في الحصول على رغيف خبز أو كيس سكر أو زجاجة زيت أو اسطوانة غاز. ولطالما مننت علينا بالدعم وكأنك تنفق علينا من جيبك ومن إرثك. أغريت بنا جهازا جهنميا ليسوم الناس سوء العذاب بلا جريرة، أنفقت الملايين والمليارات من مال الشعب على بناء المعتقلات وتجهيزها بأخبث وسائل التعذيب، فرضت الطوارئ، نزعت الطمأنينة من نفوسنا حتى في هدأة الليل. قترت علينا، وضيقت علينا الأرض بما رحبت، وأسكنتنا المقابر والأحواش. ضننت علينا بخيرات مصر واستأثرت بها لنفسك ولحاشيتك. قتلت في الناس روح الإبداع، وأزهقت الفكر، وطاردت الشرفاء، ومكنت اللئام الذين باعوا مصر بما عليها من زرع وضرع. جعلت من مصر الأمان جحيما هرب منه خيرة شبابها. جمعت- ويا لبئس ما جمعت- كل شئ في يدك... الجيش، الشرطة، القضاء، الجامعات، حتى مكتبة الأسكندرية لم تنج من عبثك. نشرت المفسدين على علم وأقصيت الشرفاء على علم. لماذا فعلت هذا بشعب أحبك ووثق فيك، شعب احتضنك بعد محاولة اغتيالك، وشاركك الأحزان لفقد حفيدك. ولكنك قابلت الحب بالكراهية، والطيبة بالتكبر والاستعلاء، والثقة بالخيانة، والمودة بالبغض. لقد قطعت شرايين مصر، وتركتها ثلاثين عاما تنزف مرضا وجوعا وجهلا وفقرا وجدبا. مسخت شخصية مصر أمام العالم، جعلتها منقادة بعد أن كانت قائدة. حقرت قاهرتها وأزهرها واتخذت من مدينة العراة عاصمة لك ولحكمك، جردتها من خيراتها ومن أخلاقها، اجتثثت الأمل وغرست اليأس، وخلقت طبقة من عتاة المنافقين الذبن استطاعوا أن يسخروك أنت لخدمة أغراضهم الدنيئة، ضحكوا عليك باطلاق اسمك الزائل حتما على كل بناية ليعبثوا فيها تحت مظلتك عبث الجرذان. وحين هب الشباب ثائرا محتجا تماديت في غيك واستكبارك وأعلنت إصرارك على البقاء، وأطلقت زبانيتك للترويع والقتل وإشاعة الفوضى، تريدها إرثا لابنك ومرتعا لحوارييك، وظننت أن أسلوبك البغيض في العناد سينتصر على إرادة شعبية استمرأت تزويرها والاستهزاء بها ولم تعرها اهتماما ولو مرة واحدة في حياتك المديدة. ماذا دهاك أيها الرجل! هل نسيت خالقك، ألم بؤنبك ضميرك يوما، ألم يأت عليك يوم شعرت فيه بالامتلاء لتكف عن الازدراد، ألم تعلم أن لكل شئ نهاية، ألم تدرك أن من أولادك وزوجك عدوا لك لتحذره، وألم تع أن العزة والذل بيد الله. لا سامحك الله. الآن فقط عرفنا يقينا أن مصر غنية جدا بثرواتها بعد ما أحصينا ما نهبتموه ونهبته حاشيتك ووزراؤك ومحافظوك وأعضاء حزبك. لقد كنتم كالجراد الذي يطبق على كساء الأرض ويتركها عارية. * * * يا من بيدكم الأمر من بعد الله النظام لا يزال ينبض، وفلوله لازالت تعربد في ربوع البلاد، تحرق وتدمر وتفرق... إلى متى؟ أسبغوا عليهم قانون الطوارئ الذي شرعوه، فهم أولى وأحق به. لا شئ أثمن من الوطن.