لقد أصبح تغيير جهاز مباحث أمن الدولة المصري سواء بالإلغاء أو التعديل مطلبا جماهيريا عاما ومحل إجماع بين جميع طوائف الشعب المصري، لا سيما بعد انكشاف قدر كبير من المعلومات من خلال الوثائق التي تؤكد هذه المخالفات الجسيمة الذي ارتكبها هذا الجهاز، رغم المهام الوطنية الجسيمة والخطيرة التي كان من المفترض أن يقوم بها وفقا للقانون المصري. وحرصا على المصلحة الوطنية العامة لمصر في هذه المرحلة، فإني أتقدم بهذا المقترح بشأن كيفية التعامل مع جهاز أمن الدولة بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن في العهد الجديد الذي تعيشه الدولة المصرية. بداية فإن مشكلة جهاز أمن الدولة والتي ساهمت بصورة كبيرة في تأزم الدولة المصرية في المرحلة السابقة تتمثل في تغول سلطة هذا الجهاز، وخروجه عن الغرض الدستوري الذي أنشئ من أجله، وهو مكافحة الجرائم ذات النوعية الخاصة التي تهدد أمن الدولة المصرية، مثل جرائم الإرهاب، فتحول إلى جهاز خاص بأمن النظام، ثم أمن الرئيس، حتى اعتبر أن مجرد ممارسة السياسة هو خطر محدق بأمن الدولة، ومن ثم يجب التعامل القمعي مع كل المنافسين السياسيين للنظام وحزبه ورئيسه. وعلى الجانب الآخر فإن الدعوة إلى الإلغاء الكامل لهذا الجهاز قد تؤدي إلى قصور في التعامل مع نوعية من الجرائم التي تحتاج إلى خبرات خاصة ومتعددة في التعامل معها. لذلك فإني أقترح الصورة التالية والتي قد تساهم في تحقيق هذه المعادلة الصعبة، وتتمثل في: 1- أن يتحول جهاز أمن الدولة إلى جهاز مستقل، غير خاضع لوزارة الداخلية، بل يتبع مجلس الأمن القومي مباشرة، وذلك لمحو الصورة الذهنية السلبية التي تكونت لدى المجتمع تجاه وزارة الداخلية عموما، وتجاه جهاز أمن الدولة بصفة خاصة، وأيضا لأن قضايا أمن الدولة تحتاج إلى حنكة شديدة في التعامل معها، نظرا لتعدد أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي الخبرة التي تتوفر في مجلس الأمن القومي وليس للداخلية التي اعتادت العمل وفق الصلاحيات الأمنية الواسعة في ظل قانون الطوارئ. 2- أن لا يقصر العمل بهذا الجهاز على عناصر الشرطة، وإنما يتضمن خليطا من العناصر الصالحة من الجهاز السابق مع عناصر من المخابرات العامة، والمخابرات العسكرية، ويكون تحت رئاسة شخصية عسكرية، وليس شخصية شرطية. 3- تكون الأداة التنفيذية لهذا الجهاز هي وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب الدولي، من العناصر المدربة على ذلك، وليس لها علاقة بالأمن المركزي. 4- أن تكون كل الإجراءات والصلاحيات المخولة لهذا الجهاز خاضعة لأحكام القضاء العادي، وليس لها أي علاقة بالصلاحيات الأمنية التي يخولها قانون الطوارئ.