جمال سلطان ما حدث أمس في حزب الوفد يليق تماما بالنظام السياسي الذي أفرزه ، وكنت أقول سابقا أن الصراعات الدموية التي تشهدها الأحزاب المصرية هي حالة لا مثيل لها في أي ديمقراطية في العالم ، هي خصوصية مصرية ، لأن الذين صمموا المنظومة السياسية أرادوا أن تكون مجرد ديكور سياسي يتلاعبون بها كيفما شاءوا وبالطريقة التي يشاؤون ، وبالتالي لم يكن هناك حق تكوين أحزاب ، وإنما "بونات" أحزاب ، مثل "بونات" التموين تمنحها لجنة من الحزب الحاكم نفسه ، شوف النكتة ! ، الحزب الحاكم يمنح البون لشخص ليمثل دور المعارضة وفق شروط متفق عليها ، مما يتيح له فتح صحف وتأجيرها ومقرات ووجاهة محلية محدودة ، فإذا خرج عن الخط الذي حددته له السلطة سحبوا منه "البون" ، ولو رأى حلمة أذنه لن يحصل على "بون" آخر ، لأنه يعرف أنه لا يعيش في ديمقراطية فعلا ، وإنما مسرحية وهو مجرد ممثل صغير فيها ، وعملية سحب "البون" لها آليات سهلة للغاية ، لأن قرار اعتماد الحزب أو "البون" من عدمه في يد الحزب الحاكم ، فأمينه العام هو نفسه الذي يرأس اللجنة التي تمنح "البونات" أو تمنعها أو تسحبها ، ولذلك تجد الحالة مضحكة عندما يتخاصم طرفان في حزب معارض على البون فيذهب كل منهم إلى أمين عام الحزب الحاكم يوسطه لكي يمنحه هو البون ويحرم خصمه منه ، وهكذا تكون المعارضة في مصر ، وأحيانا كانت السلطة تحرك بعض البلطجية أو تجمع بعض الأشخاص من على المقاهي بعشرة أو عشرين جنيها وتحشدهم في أحد الأحياء خلف ممثل جديد يختاروه زعيما جديدا للحزب المعارض بدلا من الرئيس السابق ، ثم يتفرقوا فيعودوا إلى المقاهي ويعود هو إلى لجنة الأحزاب ليقدم أوراق اختياره زعيما من قبل قواعده الشعبية الضخمة ، فتقرر اللجنة وقف صرف البون للرئيس السابق باعتبار أن الحزب متنازع عليه ، فإما أن يحل التنازع بينهما رضاءا أو قضاءا ، ولما أنه لا يحدث أبدا لا رضاءا ولا قضاءا ، يكون الحزب عمليا قد انتهى وتم سحب البون ، وأما في الأحزاب الأخرى التي لها بعض الحساسية مثل حالة حزب الوفد ، حيث يكون النزاع بين طرفين يطمح كل منهما في البون وأجهزة الدولة تتردد في التدخل المباشر ، فيتم حسم الصراع على طريقة وضع اليد ، وهي الطريقة المعروفة في السيطرة على قطع الأراضي بين المتنازعين عليها ، حيث يحشد كل طرف مجموعة من مناصريه بالرشاشات أو المسدسات والسنج والمطاوي والسيوف ثم يقتحم المكان ويرفع أعلامه فيه ، وتأتي جهات القانون لكي تسبغ المشروعية على الوضع القائم ، والذي ليس له أي مستند إلا وضع اليد ، وهكذا في الأحزاب المصرية ، وهو ما حدث في حزب الوفد ، وقد أوصل حال الفساد السياسي هذا أوضاع بلادنا إلى عار حقيقي ومؤلم ، انتهى بأن يقوم عميد كلية الحقوق العريقة السابق وأستاذ القانون ، الذي تخرج على يديه أجيال من القضاة والمستشارين وحماة القانون والمحامين يفترض أنه علمهم كيف يحمون العدالة وكيف يقيمون القانون ، يقوم باقتحام مقر الحزب بالقوة ويطلق الرصاص ويحرك أنصاره بالأسلحة من أجل وضع اليد على مقر الحزب ، في أي بلد في العالم إذا انشقت أي مجموعة سياسية داخل حزب ، تخرج بهدوء وتعلن حزبها في اليوم التالي ، هذا في العالم الديمقراطي ، أما في أزهى عصور الديمقراطية المصرية فأنت لا ترى ولن ترى إلا ما حدث في حزب الوفد أمس . [email protected]