محاولة الانقلاب التي تمت على حزب الغد خلال هذا الأسبوع ، وكانت آخر فصولها أمس إعلان المجموعة المنشقة على أيمن نور عزل رئيس الحزب واختيار رئيس آخر ، هي من العلامات الفارقة في السياسة المصرية التي تجعلها متميزة عن الحياة السياسية في الدنيا كلها ، وفي أزهى عصور الديمقراطية فقط يمكنك أن تجد مثل هذا الصراع العجيب على رئاسة حزب سياسي بين مجموعتين ، لا توجد هذه الظاهرة على الإطلاق في أي مجتمع آخر ، حتى بلاد الواق واق ، إنما في مصر فقط يمكنك أن تشاهد هذه المناظر الفولكلورية ، في تركيا على سبيل المثال وقع خلاف شهير بين نجم الدين أربكان وبين مجموعة من تلاميذه ، لم تقع أي معارك ولا مشاحنات ، على الفور اجتمعت المجموعة الجديدة وشكلت مكتبها السياسي ومؤسساتها وتقدمت بإعلان حزب جديد ، ومضى الأمر بشكل ديمقراطي ، وكانت صناديق الانتخاب هي الفيصل في مدى القبول الشعبي لهذه القوة أو ذاك ، أما في مصر فالأمر مختلف ، لماذا ؟ ، لأن هناك قانونا همايونيا حديثا لا مثيل له في الدنيا ، يتيح لحزب الحكومة أن يحدد الحزب الذي يتم التصريح بوجوده والحزب الذي لا يمنح أي شرعية ، يعني يختار بنفسه اللاعب الذي ينازله ، وشكل لجنة خاصة من ثلاثة وزراء ورئيس مجلس الشورى ، وكلهم من الحزب الوطني ، وأمامهم ستة مستشارين لا يهشوا ولا ينشوا ، وأقول ذلك عن تجربة شخصية مباشرة ، ينتهي اجتماعهم مع وكيل المؤسسين برفض إعلان الحزب ، ومن هنا كان الحصول على ترخيص بالعمل السياسي الحزبي هو من سابع المستحيلات في مصر ، وبالتالي عندما تتشكل قوة جديدة في أي حزب أو يقع خلاف ، تسمع وتقرأ عن هذه المعارك الغريبة ، والتي لو رآها وعايشها مراقب أجنبي لضرب كفا بكف وهو يتساءل : ولماذا لا يشكل كل فريق حزبه الخاص به؟ ، وسيكون هذا المراقب الغريب معذورا بالطبع لأنه لم يعش معنا أزهى عصور الديمقراطية ، أو عالم ما بعد الديمقراطية ، وبدلا من أن يحاول الحزب الوطني أن يمسح هذا العار عن وجه مصر ولا يجعلها أضحوكة بين البشر ، ويصحح الخلل الفاضح الذي ارتكبه في قانون الأحزاب السياسية مما أصاب الحياة السياسية بالشلل ، نراه يتآمر ويزيد الحياة السياسية إفسادا بمحاولة تدمير أي حزب يحقق جماهيرية كما يفعل الآن مع حزب الغد ، ويكون مما يفقع مرارة أي مصري أن يتمطع مسؤول مصري كبير أو صغير وهو يقول لك بالفم الملآن : إن الأحزاب السياسية لا تنشط بالقدر الكافي ، مطلوب منها التواصل مع الجماهير ونزول الميدان ، رغم أنه هو الذي يضعف الأحزاب وهو الذي يتآمر عليها ، كما أنه هو الذي اختار أحزاب الموز وقراءة الكف وتجاهل التيارات الجماهيرية القوية ، كما أنه هو الذي يخيف ويروع الأحزاب القائمة بلعبة الانقلابات والتي فعلها مع ستة أحزاب كاملة انتهت بتجميد الحزب ، وهي أكثر من عدد الانقلابات التي شهدها العالم العربي كله في نصف قرن ، وقد وصل الحال بمعظم الأحزاب الآن إلى حد أنها هي ذاتها التي تحرص على عدم التوسع في العضوية ، وجعلها في أضيق نطاق ممكن ، تحسبا للعبة الانقلابات ، وكل هذه من الظواهر المرضية التي تفضح فساد الحياة السياسية القائمة والفساد السياسي الرسمي الذي أفرز كل هذه الفضائح وهو المسؤول الأول والأخير عنها . [email protected]