أول وزير اجتمع به المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزارة الجديدة بعد أن تم تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة هو اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ، وأول تصريح قاله محلب بعد تكليفه بالحكومة : سندعم قوات الأمن بكل ما نستطيع والداخلية على رأس أولياتي ، المقابلة والتصريح يكشف عن العقلية والنفسية والدور الذي أتى به إبراهيم محلب ، إنه لم يبدأ بأي حديث ولو على سبيل المجاملة عن العدالة الاجتماعية أو عن دعمه لحقوق الإنسان أو حماية الحريات التي احتفل بها الدستور نفسه ، أو العمل على احترام سيادة القانون وتحقيق العدالة ، فضلا عن تجاهله بشكل كامل الحديث عن أهداف ثورة يناير ، وواضح أنه حديث قد انتهى تماما ، حتى أنه لم يجهد نفسه بأن يشير إليه ولو عرضا ، بعد أن كان أيقونة أي حديث لأي مسؤول منذ الثورة وحتى حكومة الببلاوي ، وهذا مؤشر لا تخطئه العين والعقل للتحولات التي شهدتها مصر وبوصلة السياسة التي ترسخ "ثورة مضادة" تتحرك ببطئ وبشكل تدريجي ولكن سريع ، محلب لم يتكلم من بنات أفكاره بطبيعة الحال ، وإنما من الرؤية التي أوضحها له صانعوا القرار وأصحاب القرار الفعلي في الدولة ، هو فهم دوره وفهم رسالته وفهم المطلوب منه وفهم وضع الشعب أو المجتمع أو الثورة في عقلية ونفسية من كلفوه بالوزارة ، وبالتالي عبر عن ذلك بصورة تلقائية ، بأنه مهتم بشكل أساس بالقمع والهراوة والخرطوش وقنابل الغاز والرصاص الحي في صدور المتظاهرين والمحتجين وفض الاحتجاجات بالقوة وسحق أي معارضة والزج بأي قوى شعبية مقاومة خلف السجون والمعتقلات ، محلب أوضح بصورة كافية أنه مهتم بدعم رسالة السجون والمعتقلات ودعم رجال الشرطة في رسالتهم السامية التي تفخر بها مصر حاليا بين الأمم ، وصدرت بخصوصها تقارير وشهادات دولية نعتز بها ونباهي بها في سجلات الدول المحترمة . إبراهيم محلب هو ابن النظام الذي قامت عليه ثورة يناير ، وسجنت رموزه ، ولو أن العدالة أخذت مداها الحقيقي والكامل لكان مكانه الآن أمام القضاء وخلف القفص الزجاجي ، محلب ابن النظام الذي ترسخ في وعيه وخبرته وممارساته أن هذا الشعب يسام بالعصا والاعتقال ، وهذه العقلية والنوعية من المسؤولين لا ترى الشعب المصري أصلا ولا تعبأ به ، هم يعتبرونه غير موجود عمليا في الحساب السياسي ، والمسؤول من هذه النوعية يكون نظره ومشاعره وحواسه كلها منجذبة إلى القوة القاهرة التي تهيمن على القرار والتي وضعته في منصبه ، فالشعب لم يختاره ، فلماذا يحترمه أو يضعه في حسبانه ، والشعب لن يقيله ، وإنما الذي يعينه ويقيله هو الذي يستحق أن يحترمه ويهابه ويعمل طوع أمره وهواه ورهن إشارته ووفق حساباته ومصالحه ، ووفق الأجندة التي يحددها له ، ولذلك أعتقد أن إبراهيم محلب سوف يفشل ويسقط بأسرع من سلفه حازم الببلاوي ، لأنه ومن نصبوه لا يستوعب أن الشعب الذي كان عرفه قبل ثورة يناير هو غير الشعب الذي عاش الثورة وتنفس عبيرها وملأ صدره من رياح الحرية التي أتت بها ، رغم بعض الانفلات الطبيعي الذي صاحبها بعد كبت ستين عاما ، وهذا الشعب لم يعد مستعدا أن يعود تحت أحذية الطغاة والمستبدين ، أيا كان نوعهم وموردهم ، وأن في مصر الآن ملايين المواطنين من تيارات وقوى سياسية وشبابية ونقابية ودينية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، تستطيع أن تجعل الأرض تميد من تحت أقدام أي سلطة ، وإذا لم يكن لديك القدرة والثقافة التي تساعد على التعامل مع مجتمع في حالة حراك ثوري ممتدة ، فسوف تسقط بِأسرع مما تتخيل أو يتوقع من نصبوك في هذا المكان .