كشفت جريدة النيويورك تايمز وهي كبرى الجرائد الأمريكية، عن وثيقة بريطانية لاجتماع بين الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وكبار مساعديهما، تم في البيت الأبيض بتاريخ 31 يناير 2003، أي قبل غزو العراق بأربعين يوما، أبلغ خلاله الرئيس بوش ضيفه البريطاني بوضوح أنه مصمم على غزو العراق بدون صدور قرار دولي، وحتى لو أن المفتشين الدوليين فشلوا في العثور على أي أسلحة غير تقليدية أي أسلحة دمار شامل، وذلك يعني أن المسرحية الكبرى التي قدمها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كولن باول في مجلس الأمن عن مواقع أسلحة الدمار الشامل في الأراضي العراقية، وتأكيدات الرئيس ونائبه ووزير دفاعه وكبار مساعديهم العلنية والمتكررة، عن امتلاك صدام لأسلحة نووية وكيماوية، لم تكن أكثر من تلفيقات وأكاذيب. تلك أمور لم تعد سراً على أحد، لأن اعتماد الإدارة الأمريكية على الكذب والتضليل والمعلومات الملفقة لم يعد خافيا داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وخارجها، وكل ذلك فيما يبدو مغفور طالما كان يستخدم لأذى العرب والمسلمين. غير أن ما يستحق الانتباه حقاً، ما جاء في وثيقة محضر الاجتماع، من أن الرئيس بوش قبل التخطيط للغزو وعقب اعترافه لتوني بلير بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، قد تحدث لضيفه ومساعديه عن عدة طرق لإحداث مواجهة مع النظام العراقي تكون مبرراً مقبولاً للغزو، بما فيها اقتراح بتلوين طائرة تجسس أمريكية بعلم الأممالمتحدة على أمل أن يتم إطلاق النار عليها من قبل قوات صدام حسين، أو القيام باغتيال صدام حسين نفسه، وتقول النيويورك تايمز إن المذكرة البريطانية لم تشر بشكل واضح فيما إذا كانت تلك الاقتراحات تعكس آراء بوش المرتجلة، أم أنها عناصر من خطة أمريكية حكومية موضوعة مسبقا. ( الشرق الأوسط 28/2/1427). * * * ان بعض الزملاء من الصحفيين والكتاب الذين لا يرون في العرب إلا تخلفاً وعجزاً، يؤكدون دائما أن العقل العربي مسكون بنظرية المؤامرة، مفتون بخلق الأعداء، لكن الحقائق التي تتكشف يوماً بعد يوم عبر كبريات الصحف ووسائل الإعلام الغربية، والأسرار التي تكشف عنها عشرات المؤلفات التوثيقية التي تصدر في أمريكا وأوروبا، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن ما يحدث في أروقة الحكم وعلى أعلى مستويات المسؤولية خاصة في أمريكا، تشيب لهوله الولدان، وتبدو نظرية المؤامرة كلها بالمقارنة إليه، عاجزة فقيرة، كما تبدو بعض القيادات المسؤولة، أشد قسوة وأبشع بطشاً من عصابات المافيا وقادتها. كان من المنتظر أن ما يحدث في جوانتانامو وأبو غريب وغيرهما من السجون والمعتقلات الأمريكية السرية والعلنية، من تعذيب مروع وإعدامات بشعة وامتهان للكرامة والحقوق الإنسانية، وعشرات الألوف من الضحايا المدنيين العزل الأبرياء الذين يتساقطون في أفغانستان والعراق، ليس بفعل عصابات الإرهاب الإجرامية، بل بغارات الطائرات ومدافع القوات الأمريكية، والدمار الشامل الذي اجتاح كل مقومات الاقتصاد والبنية التحتية في البلدين الشقيقين، كان من المنتظر أن يهز كل ذلك – وهو واقع أليم وليس من نظريات المؤامرة – ضمائر الشعوب الغربية، لكنها مشغولة في الأغلب بكم خسرت هي في الغزو من ضحايا وأموال، وليس ما أصاب العراق وأفغانستان من دمار إنساني واقتصادي شامل، قد لا يتخلص البلدان من عواقبه حتى بعد خمسين عاما. [email protected]