في سنة 1220ه / 1805م بلغت مظالم الجند العثماني وفوضاهم بمصر الذروة.. وأمام ضعف الوالي العثماني "خورشيد باشا" ومظالمه هو الآخر، تصاعدت الثورة "الشعبية الدستورية" التي قادها العلماء.. فأضرب علماء الأزهر وطلابه عن حلقات الدرس.. وراجت القاهرة بالمظاهرات التي قصدت منازل العلماء. وكان "مجلس الشرع" هو القيادة الشعبية للأمة منذ الحملة الفرنسية على مصر سنة 1213ه /1798م ومن أبرز علمائه السيد عمر مكرم ( 1168 - 1237 ه / 1755 - 1822م) والشيخ محمد السادات (1228ه 1812م) والشيخ عبد الله الشرقاوي (1150 1227ه / 1733 1812م) والشيخ محمد المهدي (1155 1230ه / 1743 1815م) والشيخ محمد الأمير (1154 1232ه / 1741 1817م) والشيخ مصطفى الصاوي (1216ه 1802) والشيخ سليمان الغيوسي (1224ه 1809م). وفي صبيحة يوم الأحد 12 صفر سنة 1220ه 12 مايو سنة 1805م، انعقد "مجلس الشرع"، في "بيت القاضي" دار الحكمة الكبرى وسط جماهير الشعب الثائرة، والتي بلغ عددها أربعين ألفًا، يمثلون طبقات الأمة وأجيالها.. وكان هتاف الجماهير وصراخها : "شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم".. "يا رب يا متجلي، أهلك العثمنلي"!.. يا لطيف يا لطيف".. "حسبنا الله ونعم الوكيل".. ولقد طلب "مجلس الشرع" من "القاضي" استدعاء وكلاء الوالي العثماني، فحضر "سعد أغا الوكيل" و"بشير أغا" و"عثمان أغا كتخدا" و"الدفتار" و"الشمعدانجي".. وأصدر "مجلس الشرع" الوثيقة التي سماها المؤرخون "وثيقة الحقوق".. والتي التزم بها أركان الدولة ووكلاء الوالي خورشيد باشا.. وهي الوثيقة التي تعتبر أولى وثائق حقوق الإنسان بالشرق في العصر الحديث.. ويجدد الجبرتي (1167 1237ه / 1754 1822م) المظالم التي ثار ضدها الشعب، والتي اجتمع لأجل رفعها "مجلس الشرع"، فيقول إنها: تعدي طوائف العسكر وإيذاؤهم الناس، وإخراجهم من مساكنهم، والمظالم والإتاوات التي فرضوها على الناس، وتحصيل المال الميري قبل مواعيده، ومصادرة أموال الناس بالدعاوى الكاذبة. أما المؤرخ الفرنسي "فولابل" صاحب كتاب (مصر الحديثة) وواضع الجزء التاسع والجزء العاشر من كتاب (وصف مصر) والذي سمى هذه الوثيقة التي أصدرها مجلس الشرع : "وثيقة الحقوق"، فإنه يجدد مطالبها، فإذا هي : 1 ألا تفرض من اليوم ضريبة إلا إذا أقرها العلماء وكبار الأعيان. 2 وأن تجلو الجنود عن القاهرة، وتنقل حامية المدينة إلى الجيزة. 3 وألا يسمح بدخول أي جندي إلى القاهرة حاملاً سلاحه. 4 وأن تعاد المواصلات في الحال بين القاهرة والوجه القبلي. هكذا تحركت الجماهير ضد المظالم السياسية والاقتصادية وضد أجهزة القمع.. وهكذا كان "مجلس الشرع" السلطة القائدة للأمة، منذ الثورة على الحملة الفرنسية وحتى الثورة على مظالم الولاة العثمانيين.