لماذا حدث ما حدث في مصر طيلة العقود الثلاث الماضية؟ لماذا أصبح الفساد هو القاعدة وهو المنظومة التي تحتوي الجميع؟ لماذا لم يكن ممكنا للشعب أن يقول كلمة أو يعبر عن رفضه للأوضاع التي كانت قائمة؟ لماذا تحولنا من دولة رائدة إلي دولة تابعة؟ ولماذا أصبح سعر الإنسان المصري رخيصًا..وأحيانًا بلا قيمة سواء في الداخل أو في الخارج..؟ ولأن كل هذه التساؤلات تحمل في مضمونها إدانة كاملة لنظام ابتعد عن شعبه فابتعد شعبه عنه، فإن شباب هذه الأمة هو الذي انتفض ليخرج معلنًا أنه لن يقبل باستمرار الظلم، ولأن النظام كان هشًا وهرمًا وأصابته أمراض الترهل وانعكاسات الخوف والضعف فإنه سقط بدون مقاومة مؤكدًا أنه كان صنمًا مخيفًا بلا روح أو أزرع أو عقل.. أما لماذا حدث ما حدث..فذلك لأن رأس النظام اعتمد على بطانة السوء التي تحولت إلي مراكز قوى أبعدت الشرفاء وأصحاب الخبرات والاحترام وأظهرت المنافقين والمزيفين وأهل الثقة من الذين يقومون بتقبيل الأيادي والدعاء للرئيس بطول العمر..! ولم تكن مراكز القوى وحدها في الميدان وإنما كان هناك الحزب الوطني الذي ضم في صفوفه العديد من المستقلين والانتهازيين الذين أشاعوا جوًا من الإرهاب بين صفوف المواطنين وفرضوا عليهم قوانينهم الخاصة التي تتلخص في الخضوع وقبول الابتزاز وإبداء الولاء حتى وأن كان زائفًا. وكان الرئيس مبارك سببًا أساسيًا في أن تتوحش مراكز القوى وتفرض أساليب القمع والإرهاب في كل مكان لأنه كان دائمًا ما يقف معارضًا للتغيير، ويصر على إبقاء الوزراء والقيادات التي يتم انتقادها شعبيًا وإعلاميًا في تحدٍ واضح وصريح لكل المشاعر، وفي تأكيد على أنه يتمسك برجاله حتى وإن كانوا مخطئين. ولم يستمع الرئيس في ذلك لكل النصائح ولكل نداءات الرأي العام ولكل الضغوط الدولية التي كانت تطالبه بالتغيير وبالإسراع في خطوات الإصلاح وفي محاربة الفساد.. وكنا في هذا نعتقد أن النظام لديه أدواته وأجهزته المعلوماتية والمخابراتية التي تطلعه على حقيقة اتجاهات الرأي العام، وما يقوله الناس وما يشعرون به، ولكن يريد أن يسمع إلا ما يريده فقط، وما يحلو له بعيدًا عن تقارير الواقع والآراء المخالفة. ولذلك اندفعت مراكز القوى والمحيطين بها إلى السطو على ما يمكن السطو عليه، واقتسام الكعكة في غيبة الرقابة والقانون وبمساندة أهل الحظوة واختلطت السلطة بالمال ليشكلا فريقا من مصاصي الدماء الذين لم يشبعوا أبدًا، والذين وصلت ثرواتهم وتضخمت إلى أرقام بالمليارات لا نستطيع حتى هذه اللحظة أن نحصي عدد الأصفار فيها.. وأتى الشعب ليسقط هذا النظام وليبدأ مرحلة جديدة من التغيير والدفع بوجوه جديدة تؤمن بفكر الثورة، وهي مرحلة لن تكون سهلة لأن للنظام القديم أذياله وأتباعه، وسوف يحارب هؤلاء معركتهم الأخيرة بكل ضراوة أملاً في أن تظل لهم السيادة الإدارية والوظيفية وأن يكون تلاميذهم هم الذين يرثون مواقعهم أن اضطروا إلى الرحيل. إن جيل الثورة الذي أنطلق 25 يناير يملك أفكارًا وردية جميلة لمجتمع عصري ومثالي، ولكنهم ليسوا في مواقع السلطة لتنفيذ وترجمته هذه الأفكار، وسيكون عليهم لتعويض ذلك أن يظلوا في حالة دائمة من النشاط والتفاعل والمراقبة لفضح كل من يحاول الخروج عن فكر الثورة وكل من يتأخر في تنفيذ مبادئها، فلا يكفي أن تحمل الثورة وتنشر الآمال والأحلام، وإنما عليها ترجمة ذلك لواقع وأفعال، وعليهم أن يستمروا في القيادة حتى وإن كانوا في المواقع الخلفية..فهم سيظلوا الأقوى دائمًا..لأنهم صوت وضمير الأمة. ** أين رضا هلال: بعد سقوط رموز النظام السابق، وبعد ما قيل عن تورط حبيب العادلي وزير الداخلية السابق في الكثير من القضايا الأمنية والسياسية فإن الفرصة أصبحت قائمة لنتساءل عن القصة الحقيقية لاختفاء زميلنا رضا هلال الصحفي بالأهرام الذي اختفى من منزله في ظروف غامضة قبل عدة سنوات..ولم يسمع عنه أحد..! إن من حقنا أن نعرف الحقيقة الآن..إن كان هناك من يعرفها ويمكنه أن يتكلم..! [email protected]