أقتضت السنة الكونية أنه كلما أشتد الفساد في الأرض أن يبعث الله رسولا لتقويم البشرية مرة أخري نحو الطريق الصحيح , هكذا كان موكب التوحيد يمر عبر التاريخ كلما امتلأت الأرض ظلماً يرسل الله رسولا جديداً ليعيد الأرض إلي هدايه الله مرة أخري , و لم يخرج نبي من أنبياء الله عن هذه القاعدة و بالمثل كانت الثورات في حياة الأمم , فعندما تبلغ الأمة درجه الظلم و النهب و السرقة إلي درجة لم تبلغها في تاريخها و يصل الغضب داخل الصدور لدرجة الثورة الملتهبة فلابد من إشعالها و يبدأ التحرك من الفرد إلي الأسرة إلي الشارع إلي المدينة إلي الأمة بأسرها و يكاد لا يتخلف إلا المنتفعون من استمرار الأوضاع الظالمة .هكذا كانت بعثة النبي محمد صلي الله عليه و سلم في وقت كان المجتمع العربي في أسوأ أحواله توزيعاً للثروة والعدالة . قلة قليلة تملك المال والتجارة ، تتعامل بالرِّبا فتتضاعف تجارتها ومالها . وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع . والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة ، وجماهير كثيرة ضائعة من المال والمجد جميعاً ! إضافة إلي ضياع التوحيد في أرض العرب و فقدان البشرية لقيادة إلهية تتجه نحوها أفئدة البشر , فكان ميلاد النبي محمد و بعثته لكي تعيد البوصله مرة ثانية نحو السماء تستمد منه العقيدة و الأحكام بعدما طافحت البشرية بأهواء البشر , و لم يكن عبثاً ان تأتي ذكري ميلاد النبي محمد و هو يوم بعثته (علي أرجح الروايات ) بعد نجاح الثورة المصرية , التي قامت لنفس أسباب الظلم و تفشي الجريمة و الدعارة و الإستخدام الفاسد للسلطة و هي ذات الأجواء التي كانت سائدة أول بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إضافة إلي إنتشار عبادة الأصنام , و هي نفس العبادة التي أنتشرت في مصر و لكن بدلاً من الحجارة كانت هناك أشخاص أعتبرهم النظام أصناما تعبد من دون الله و لا يجب المساس بها علي رأسها رئيس الجمهورية و عائلته و رئيسا مجلس الشعب و الشوري و صعد معهم وزير الداخلية و غير ذلك الكثير من رجال الأعمال و كان الإقتراب من هؤلاء يساوي عند العرب الإقتراب من أصنامهم التي يعبدونها , كانت بعثة النبي سبباً رئيسياً لهدم هذه الألهة و محوها من الوجود , و بالمثل كانت الثورة المصرية هي السبب الرئيس في محو أسماء و شخصيات فاسدة من علي شاشة صنع القرار في مصر , و ماكان لهذه الوجوه أن تتخلي عن سلطانها لولا طوفان الثورة الذي محا كل هذه الأسماء من الوجود بعد أن ظننا أننا في أنتظار معجزة تبيد كل هذه الوجوه من علي الأرض , و كانت معجزة السماء أن تثور معنا كل هذه الأعداد من البشر , التي لولاها لكان الفشل من نصيبنا و لإنتهت الثورة كما إنتهت كل التحركات السابقة . لقد كنا نتحرك ضد ها النظام البائد من مطلع عام 2000 و لكن كلماتنا و صرختنا كانت تذهب هباء أمام نظام يستأسد في كل شيء و تعلو نبراته و طغيانه أمام كل الشرفاء و المستبسلين بقوة أمامه , و لن نستطيع أن نذكر كل القائمة التي تحركت منذ زمان بعيد ضد هذا النظام و لكننا لا يجب أن ننسي من وافتهم المنية و هم في طريق العمل نحو رفض و خلع هذا النظام . و مثلما قدم الصحابة أروع التضحيات في سبيل إنتشار الإسلام , تعلم الشعب المصري منهم أن الحرية لها مهر يجب أن يقدم و هو دماء الشهداء الذي سقطوا في طريق الثورة لكي تنال مصر حريتها . أعلم يقيناً أن الفرق كبير بين بعثة النبي و بين الثورة المصرية , و بين ما قدمه الصحابه و بين ما قدمه الشعب المصري و لكن التشابه الذي أقصده أن الله لا يرضي الظلم لعباده و كل ما زاد الظلم و الطغيان يرسل الله سنة كونية جديدة تمثلت قديماً في بعثة الأنبياء , و حديثاً في ثورات قامت في كل العالم كله تبيد الظالم , و تعيد الحقوق إلي أصحابها . إننا نحتفل بمبلاد النبي صلى الله عليه وسلم و نحن نعيش أجواء الحرية التي لطالما أفتقدناها كثيراً في هذا البلد و هو صاحب أكبر ثورة في تاريخ العالم و هي الثورة العقائدية الكبري في تاريخ العالم و هي الثورة التي حررت العالم من عبودية غير الله إلي عبادة الله وحده , و من ظلم الأديان إلي عدل الإسلام و من ضيق الدين إلي سعة الدنيا و الأخرة , و هو النبي القائل ( لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي ) و هي المساواة بين كل بني البشر و هذه كانت إحدي مطالب الثورة الكبيرة بعد الظلم الذي تعرض له أفراد الشعب المصري خلال الحقبة الزمنية السابقة . نجحث الثورة و استردت مصر حريتها التي سلبت منها طويلاً , و ما زل أمامنا الكثير من العمل نحو تأكيد حريتنا و إستقلال دولتنا و يأتي علي رأسها نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة التي وقف النظام السابق ضدها بكل الوسائل و الأساليب من المنع و السجن و الإعتقال , ثم نتجه إلي تصحيح ممارسات خاطئة منها تغيير عمل ما يسمي بجهاز أمن الدولة و الذي كان مهمته الحقيقية أمن النظام و وقف إنتشار الإسلام داخل البلاد , و لابد من العمل الجاد علي إلغاء كل المؤسسات الفاسدة التي كانت قائمة في النظام السابق وعلي رأسها الحزب الوطني و المجلس القومي للمرأة و مجلس حقوق الإنسان القومي المزيف و لكن الكلام في هذا الأمر يحتاج إلي موضوع أخر . اللهم أحفظ مصر و اجعله بلادأ أمناً مطمئناً .