عندما قامت الثورة المصرية وأحاطت برؤوس النظام الفاسد ورموزه طالب الناس بمحاكمة تلك العصابة الفاسدة المفسدة في أرض مصر، التي كانت تأكل السحت وتأمر بالفسق ؛ تسرق وتنهب وتختلس وتزور ، وتزعم بعد كل ذلك أنها تتفانى في حب الشعب والوطن!!! وإذا كانت محاكمة أولئك ومحاسبتهم عما اقترفوه من جرائم في حق الشعب والوطن حتم أخلاقي ديني وواجب وطني قانوني، فهناك طائفة أخرى تستحق أن تحاسب هي الأخرى وتحاكم ، ويُتخَذ ضدها ما لائق بها من إجراءات ترتدع بها أخلاقيا إن لم نملك أدلة إدانة تنهض لمحاكمتها قضائيا . إن هذه الطائفة هي طائفة المنافقين التي تروج دائما للفساد والمفسدين والخونة والسارقين . طائفة الأتباع والخدم والحشم التي لولاها ما كان هناك دكتاتور ولا ظالم ولا مختلس ولا نهّاب ولا سارق. إنها نوع هذه الطائفة موجود في كل عصر يصنع الطغاة ويبوأهم أمكانهم فوق أعناق الشعوب ويهلل لهم، ويهتف بحياتهم، ويروج لباطلهم وظلمهم وبغيهم وإفسادهم. وإذا كان هذا النوع من البشر موجود- كما أسلفنا- في كل العصور ومع الطغاة والجبابرة والظلمة أينما وجدوا ، فدور هذه الفئة صار في عصرنا الحاضر أكثر ضررا وأعظم خطرا. فعصرنا عصر التكنولوجيا والأعلام المرئي والمسموع ولا غنى لشعب ما أو أمة ما عن ذلك الآن، ومن ثَمّ يزداد دور أولئك المنافقين خطرا وأهمية ، فبإمكانهم قلب الحقائق لا في محيط محدود كما كان من قبل، ولكن في محيط أوسع ودائرة أكبر. وهذا عين ما قام به المنافقون في النظام المصري الفاسد المتوحش؛ حيث كان الديكتاتور يبطش بالمعارضين وتفتك بهم أجهزة الامن التي تحولت إلى أجهزة قمع ورعب لعموم الناس ، ثم تنطلق وسائل الأعلام مقروءة ومسموعة ومرئية تمجد ديمقراطية الديكتاتور وتتغنى بعدالته. أجل! أما كان بعض المنافقين من هذه الطائفة يؤلف الأغاني الطوال في تمجيد الديكتاتور وحكمه ؟ ألم يكن رؤساء تحرير الصحف وكبار رجال الصحافة يكتبون- بصورة شبه يومية- عن عظمة النظام ومنجزاته في كل شبر من أرض مصر- بزعمهم- في نفس الوقت الذي كان المصريون يقتل بعضهم بعضا في طوابير الخبز واسطوانات لشح هذه الأساسيات، إضافة إلى طوابير البطالة التي اتصلت من أقصى مصر إلى أقصاها حتى بين الجامعيين وذوي المؤهلات العليا؟؟!! ألم يكن يأتي الرئيس ليلقي خطابا أو كلمة فيقوم المنافقون يطلقون الهتافات ويلقون القصائد الطوال في مدحه والثناء على حكمه البائس حتى لا يكاد أن يتم كلمته من كثرة المقاطعات؟! إن الفساد لم يحدث في عشية أو ضحاها ، بل أخذ سنوات طوال حتى وصل إلى هذه الدرجة البشعة التي كانت سببا رئيسا في اندلاع الثورة ضده وإسقاطه ، ومع هذا ظل هؤلاء المنافقون يخدعون الجمهور ويقلبون الحقائق ،وينعتون عصابة رجال الأعمال، المستحوذة على خيرات البلاد، بأنها ثلة من الوطنيين تبذل الغالي والنفيس في سبيل رفعة أمتها وخدمة وطنها !!!!! وفي المقابل كانوا يشوهون صورة كل وطني حر يحارب الفساد والظلم والاستبداد ، وينعتونه بالعمالة للخارج، والخيانة لأمته، أو بالانتماء إلى التطرف. وليس ببعيد عنا من وصفوا رموز المعارضة، الذين خسروا في الانتخابات المزورة تزويرا فجاً ، المستعان فيها بالبلطجية الذين كانوا الذراع الأيمن للحزب (الحرامي) ، بأنهم فاشلون سياسيا . وليس ببعيد عنا أيضا من قاموا بحملة ضد بعض رجال دين مصلحين ووسموهم بأنهم أخطر رجال ضد أمن مصر، وليس ببعيد عنا كذلك من وصفوا المعتصمين في ميدان التحرير بأنهم قلة مندسة تحمل أجندات أجنبية !!!!! إن نظرة فاحصة وعودة سريعة إلى أرشيف الصحافة والتلفزيون وا|لإذاعة، قبل أشهر بل أيامٍ من حدوث الثورة، لتظهر لك صورة عجيبة عما كان يفعله أولئك المنافقون الذين كانوا يصورون حالة مصر، وكأنها ترفل في الرخاء والنعيم والحرية والعدالة والمساواة، وأن شعبها مغرم برجال نظامه الذين يحكمونه ويعاملونه بأرقى ما وصلت إليه معاملة حاكم لمحكومه في العصر الحديث. ولولا أن احتكار الفضاء الإعلامي صار عزيزا في عصر النهضة التكنولوجية التي يشهدها العالم ، وتَعَذَرت الوصاية الثقافية التي كانت سائدة في الماضي- لما أمكن وقوف الرأي العام على بلايا النظام وطاماته إلا من طريق الملامسة والمعاناة الشخصية التي يذوق الفرد نوعا منها ويغيب عنه الكثير مما لا يتعلق بشخصه. أزعم أن هؤلاء المنافقين المخادعين هم السبب المباشر وراء الفساد العميم الذي أصاب مصر في العصر البائد، والذي انتقلت عدواه من القمة إلى مَن دونها ، فصارت الرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام ديدن لقطاع عريض من المسئولين في المصالح الحكومية. إن جرم هؤلاء المنافقين لم يكن في السكوت عن الفساد والظلم وإغضاء الطرف عنه فحسب ، بل كان في قلب الحقائق وإظهار الظلم في صورة العدل، والفساد في صورة المصلحة ، وأمن رجال النظام وحمايتهم في صورة أمن الوطن وحمايته، وإظهار المعارض بصورة الخائن ، والمدافع عن الحرية في صورة المخرب. إن ملاحقة هؤلاء المنافقين الذين خربوا الحياة الإعلامية والثقافية، وتنظيف الساحة منهم لهو واجب مهم إذا أردنا أن نعيش غدا أفضل ، وإلا فإنهم سرعان ما سيصنعون ديكتاتورا جديدا وعصابة لصوص جديدة وحزبا بلطجيا جديدا وجهاز أمن قمعي جديد ؛ فهم مغرمون بذلك غرام المؤمن بدينه والوطني بوطنه والحر بحريته. الاسم/ علي حسن فراج باحث شرعي وكاتب بشبكة الألوكة