كان يا ما كان ، يا سعد يا إكرام ، وما يحلى الكلام إلا بذكر النبى – عليه الصلاة والسلام – كان فيه زمان مهنة حقيرة ، ودنيئة ، وكانت من تمتهن هذه المهنة ، تسمى الشردوحة ، كان دور هذه الشردوحة ، هو أنها تُستأجر من قبل شخص ما ، أو جهة ما لتقوم بالشردحة ، ضد شخص ما آخر ، أو جهة ما أخرى ، وبالطبع لم تكن هذه الشردحة لوجه الله ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، و الله ورسوله ينهون عن الخوض فى أعراض الخلق ، أو التعرض للناس مُسلِمِهم وكافِرِهم بأى إيذاء ، خاصة لو كان الذين سيتعرضون للشردحة مثلاً لهم مكانة إجتماعية، أو دينية ، أو وجاهة ما ، فهنا تكون الشردحة أقبح ، وأشنع ، ويكون فعل الشردوحة فوق المستبشع ، المهم تقوم جهة ما أو شخص ما، باستئجار الشردوحة ، لتقوم بعمل فضيحة بجلاجل ، لشخص ما أو جهة ما . ونظراً لدناءة هذه المهنة ، وحقارتها ، كان لابد أن تتوفر فى صاحبتها صفات معينة ، منها مثلاً : أن الشردوحة تكون تبعاً لمن يدفع ، بغض النظر عن أى قيم أو مبادىء ، وبغض النظر هل الذى إستأجرها ، صاحب حق أم لا ، كل هذا لا يعنى الشردوحة ، إنما الذى يعنيها ويُحركها ، شىء واحد ألا وهو ( معبودها ) ، المال ، والخميصة ، والمنصب ، والأضواء ، ألا ما أتعسها من شردوحة . من صفات الشردوحة أيضاً ، أنه ليس لديها عزيز ، فاليوم تُشردح لفلان ، وتجعله مثلاً : أحقر رجل ، أو أجهل رجل ، أو ربما صورت لعشيرته أو جيرانه أنه أخطر رجل ، فإذا دفع لها أكثر جعلته فريد زمانه ، وواحد دهره ، وانقلبت على سيدها السابق ، دون أن يصيب وجهها الحقير ، ذرة من حمرة الخجل ، ألا ما أحقرها من شردوحة . ومن غرائب أخلاق الشردوحة أنها حين يصيب نشاطها حالة من الركود ، فإنها تفتش فى دفاترها الحقيرة ، فإذا بها تذهب إلى واحد من الذين نهشت عرضهم بالأجر ، فتعتذر له ، وتعترف أنها فعلت ما فعلت بإيعاز من فلان ، ثم وبخسة ودناءة تأنفها الحيوانات ، تعرض عليه أن تذهب إلى هذا الفلان ، فتعطيه وصلة شردحة ، مقابل أن يعطيها شيئاً من المال . من أخلاق الشردوحة أنه ليس لديها ما تبكى عليه ، ليس عندها حياء ، ولا حشمة لها ولا مروءة ، لذا فهى تقول كل ما تراه يلوث أعراض الشرفاء ، ويطعن فيهم ، دون أن تهتم بأن كلامها ، لا ينطلى ولا على البلهاء ، هذا لا يعنى الشردوحة فى شىء ، الشردوحة - أعزكم الله ووقاكم شر الشراديح الجُدد - لا يعنيها نظرة الناس لها ، ولا احتقار الجميع لأفعالها ، إنما كل ما يعنيها الدرهم ، والخميصة . لا شك أن الذى يُبتلى بالشردوحة ، قد ابتلى بأمر جلل ، تصور نفسك طبيبا محترما ، أو أستاذا وقورا ، أغلى ما تملك حشمتك ، ومروءتك ، وبينما أنت فى بيتك ، إذا طلعت عليك شردوحة حقيرة ، فاتهمتك بأنك وقعت بها ، أو هتكت عرضها ، وأقسمت الأيمان الغلاظ على ذلك ، والناس عندهم إستعداد غريب للتصديق ، خاصة وأن شراديح عصرنا - وما أوفرهم ، وأشهرهم - شراديح عصرنا كاللصوص ، يسبق أسماء بعضهم ألقاب كبيرة ، ومواقع مؤثرة وبالتالى يستطيعون تسخير هذه الإمكانيات فى نشر أكاذيبهم ، ويزداد الكمد ، وتعظم البلية حين يكون من يتعرض للشردحة ، إمكانياته متواضعه !! تصور نفسك ، شخصا مسالما ، محترما ، فى حالك ، إذ طلعت عليك هذه الشرشوحة التى لا ترقب فيك إلا ولا ذمة !! فما أعظمه من ابتلاء . بمرور الزمن تطورت هذه المهنة كثيراً ، وأصبحت هناك الشردوحة ، والشردوح من بنى البشر ، وتطورت أكثر حتى انتقلت من بنى البشر ، فظهرت فى صورة قناة فضائية تشردح للناس ، وظهرت صحيفة شردوحة ، ومجلة شردوحة ، فالله المستعان . من أجل هذا فإن التعامل مع الشردوحة يكون بطريقتين لا ثالث لهما : إما أن تأتى لها بشردوحة مثلها ، وهذا قد لا يحسنه أصحاب المروءات ، وأهل العلم والفضل . والسبيل : أن تستمر فى طريقك ، وتترك الشرشوحة لله ، الذى يدافع عن الذين آمنوا ، والذى يُمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، والذى يغضب لأولياءه ، لكن قد يؤخر إنتقامه لحكمة ، تذكر أنك لست أفضل ، من أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم ، وأطهرهم ، وأشرفهم ، وأوفرهم حشمة ، ومروءة ومع ذلك ، إتُهِمت أحب خلق الله إلى قلبه ، بالفاحشة ، فأى ابتلاء أعظم ؟؟ ومع ذلك تأخرت البراءة شهراً كاملاً . الشرفاء الذين يخشون أن تتلوث ذيولهم من الشردوحة ، يعتصمون بالله ، ومنهجهم : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ً ، خاصة أن هؤلاء الشرفاء ، مر عليهم عشرات الشراديح ، الذين استعملهم أسيادهم لنهش عرض الشرفاء ، وفى النهاية ؟؟ ذهب الشراديح ، وبقيت قوافل الخير ، تعلم الناس الهدى . إذا كنت ممن تعرضت لك شردوحة ، فسأعطيك سلاحاً فتاكاً - أقسم بالله أنه لا يخيب أبداً – أقول لكل من شردحته شردوحة قم فى الثلث الأخير من الليل ، فأحسن الوضوء ، ثم صُف قدميك لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فأطل القيام والركوع ، حتى إذا سجدت ، فأطل السجود جداً جداً ، ثم قل من جوفك : إنى مغلوب فانتصر . سَبَ رجلٌ ، يحى بن معين ، فلم يرد عليه يحى ، فقالوا له : لماذا لم ترد عليه ؟ قال : ولماذا تعلمت العلم إذن !! وسب رجل الأحنف بن قيس ، فلم يرد عليه ولكن أصابته حمى من الغيظ ثلاثة أيام ، فقالوا له ، لماذا لم ترد عليه ؟ قال : خشيت أن أسمع ما هو أسوأ . و قال رجلُ لعمرو بن عبيد : إن الأسواري مازال يذكُرك في قصصه بشرٍ ،فقال له عمرو : يا هذا ، أعلمه أن الموت يعُمُنا، والقبر يضْمُنا، والقيامة تجْمَعُنا ، والله – تعالى – يحكم بيننا وهو خير الحاكمين . [email protected]