كما هو المعتاد تنهال علينا المصطلحات المتجددة الخاطئة، وتنتشر بيننا المسميات المغلوطة لتملأ حياتنا تناقضًا، ويتبادل الناس تلك المصطلحات فخورين بها من غير وعي أوتمييز. وكما سبق وفُرض علينا بمصر وعلى الأمة العربية كلها مصطلح "كامب ديفيد" في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وقد غَفل عن مَغزى هذا المسمى المستهدف كثيرٌ من أبناء شعب مصر بجميع كياناته وطوائفه. وكامب ديفيد يعني باللغة العربية "مُعسكر داوود" ، وداوود عليه السلام هو رسول بني إسرائيل المميز وملكهم العادل، وينتهي نسبه إلى يهوذا بن بعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو ناصر طالوت ومبارز جالوت الجبار وقاتله، وقد انتصر جيش طالوت نصرًا ساحقًا على جيش جالوت، وكانت تلك المعارك في مناطق بين الأردن وفلسطين. والملك داوود هو أيضًا راعي شريعة التوراة ومطبقها بالعدل. وكان طالوت عليه السلام قد وعد داود إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره، فوفى له وعده. ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله تعالى من النبوة والحكمة والعلم الوافر، ومنذ ذلك الحين لمع اسم داود بين شعب بني إسرائيل وتتابعت الانتصارات على يديه، وأعز الله تعالى به بني إسرائيل بعد أن كانوا في ذلٍ وهوان، وكان بنو إسرائيل قد اجتمعوا بعد وفاة ملكهم طالوت على مبايعة داود عليه السلام على المُلك، فأصبح ملكهم وكان عمره لا يزيد على ثلاثين عامًا، وقد حكم شعبه بالعدل والحكمة، وطبّق عليهم أحكام شريعة التوراة.
وهذا يعني أن المصدر الرئيسي لتلك الاتفاقية، وبنودها وشروطها هي شرائع النبي داوود ملك اليهود المنتصر، وما جاء في كتاب العهد القديم (البايبل) وهو الكتاب الجامع لكل الكتب كما أعلن ذلك المفاوض المجرم الصهيوني "مناحم بيجين" على مسمعٍ من جميع الحاضرين والمشاهدين. ولا يجوز مطلقًا، وفي جميع الأحوال تجاوز تلك الحدود والقيود التي تفرضها شريعة النبي داوود دون غيرها من الشرائع السماوية. وللأسف الشديد رضخ أنور السادات ومن معه من المكلفين بالمشاركة في تلك المفاوضات المشبوهة لقبول بنود تلك الاتفاقية الانهزامية المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والتي مازالت سرية حتى يومنا هذا، ولم تجمع عليها الأمة بالموافقة أو التعديل أو الإلغاء.
والمصطلح المبتكر هذه الأيام "خارطة المستقبل" لإحياء نظامٍ سياسي مستهجن على أنقاض نظامٍ سياسي شرعي-بما له وما عليه- نسجه شعب مصر بإرادة حره، وذلك بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، والموافقة على دستورٍ ثوري مكتمل الأركان الشرعية، ومستوفي الإجراءات القانونية، دون تقصير أو تقييد. وفي حقيقة الأمر مصطلح خارطة المستقبل مصطلح خاطئ، فليس للمستقبل خارطة وإنما للمستقبل رؤية يمكن من خلالها استشراف ذلك المستقبل، ووضع خطط مستقبلية مرحلية: سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية...إلخ. أما الخريطة والخرائط فهو مصطلح جغرافي، والذي يعتبر وسيلة من وسائل وصف الأماكن والمواقع. أما المصطلح المقصود -إن صح التعبير واستقام الموقف- فهو خطة المستقبل أو خارطة الطريق ، وخارطة الطريق سبقت إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية لطرح حلٍ من حلولها المزعومة للعبث والمراوغة بالقضية الفلسطينية مع حليفتها المدللة إسرائيل.
وهناك كثيرٌ من المصطلحات المغلوطةِ-بعمدٍ أو بغير عَمَد-تنتشر في جميع مجالاتنا السياسية والإعلامية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والعلمية... وغيرها من المجالات، بغير علمٍ أومن غير دراية، وللأسف الشديد تنتشر هذه المصطلحات بين أطياف الشعب وأفراده وتتوارثها الأجيال جيل بعد جيل من غير وعي أو تمييز.
نسأل الله أن يولي علينا من يصدق ويعدل ويصلح من أهل الدراية والمعرفة من الراسخين في العلم، والقدوة الحسنة، وأن يمنحنا القدرة على التعرف عليهم وتمييزهم دون غيرهم، والإصرار على بيعتهم وتأييدهم والتمسك بهم في جميع الأحوال. إنه سميعٍ مجيب الدعاء..