في خضم التحديات التي تواجه القارة السوادء، وآخرها الاستفتاء على فصل جنوب السوادان عن شماله، بتكوين دولة مسيحية مدعومة من الغرب في هذه المنطفة، في إشارة ضمنية إلى إمكانية تكرار هذا السيناريو في بؤر ومناطق أخرى من العالم الإسلامي ومن قارة إفريقيا، في ظل ذلك تصبح الحاجة ماسة إلى بلورة أفكار وتصورات منطقية يمكن تنفيذها لتكوين تكتلات إفريقية، لمواجهة ما يرمي إليه الأعداء... ومن بينها مقترحنا بإنشاء تكتل المربع الذهبي بين مصر وليبيا والسودان وتشاد. حيث ترتبط أقطار المثلث الذهبي (ليبيا ومصر والسودان وتشاد) بروابط عدة، فهي مركز الارتباط الجغرافي والتاريخي والديني، ولذلك تتأثر هذه الأقطار وتؤثر في بعضها البعض. ولقد تعرضت أقطار المثلث الذهبي لأحداث سواء في العصور الإسلامية، أو في عصور الزحف الاستعماري والتسابق نحو اقتسام القارة الأفريقية منذ عهد الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر الميلادي ثم عهود الازدهار الاستعماري الأوروبي في القرن التاسع عشر. فتشاد مثلا تعرضت لاستعمار فرنسي، وليبيا احتلتها إيطاليا ومصر والسودان خضعتا لاحتلال بريطاني.. والأحداث التاريخية ربطت بين أقطار المثلث الذهبي، حيث حدث غزو فرنسي لمصر بقيادة الجنرال بونابرت فيما عرف بالحملة الفرنسية أو جيش الشرق (1798-1801م)، وحاولت فرنسا وضع اليد Status Quo على منطقة بحر الغزال في السودان بين عامي 1896-1898م، فإن فرنسا حاولت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين السيطرة على الإمارات الإسلامية حول بحيرة تشاد (واداي – كانم – برنو – باجيرمي) وتصدى لها رابح بن فضل الله السوداني، ورجال الزوايا السنوسية الليبيين، حتى تمكنت فرنسا آخر الأمر من بسط سيطرتها على كل تلك السلطنات الإسلامية الأفريقية وعاشت تشاد – شأن ليبيا التى خضعت لاستعمار إيطالي من 1911-1943م ومصر التى خضعت لاحتلال بريطاني من 1882 – 1922م والسودان الذي خضع للحكم البريطاني من 1885 – 1953م، في مراحل كفاح من أجل الاستقلال حتى أعلن استقلال مصر عام 1922، وليبيا عام 1951م والسودان عام 1956م، وتشاد عام 1960م، ومن ثم انطلقت العلاقات بين هذه الأقطار المستقلة على أسس جديدة في ظل الأخوة الإسلامية والأخوة الأفريقية. كانت العلاقات بين أقطار المربع الذهبي (مصر – ليبيا – والسودان- وتشاد) متأرجحة بين التوتر لبعض الوقت، والتعاون لمعظم الوقت نظراً لما يربط تلك الأقطار الأربعة من وشائج الأخوة الإسلامية والعربية والأفريقية، رغم حدوث توتر لبعض الوقت بين تشاد والسودان وما لبث أن زال وتبودلت الزيارات بين الرئيسين السوداني والتشادي حتى تم لقضاء على هذا التوتر. ويمكن لأقطار المربع الذهبي، التكامل في النواحي الاقتصادية والسياسية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية بما يحقق مصلحة مشتركة لهذه الأقطار في زمن تتجه فيه دول العالم إلى التكامل والاتحاد في تجمعات إقليمية ذات قوة اقتصادية وسياسية. ويمكن التأسيس للعلاقات بين أقطار المربع الذهبي (مصر والسودان وليبيا وتشاد) بما يحقق تكاملاً في المستقبل، ويصبح المربع الذهبي أنموذجاً للتكامل بين الأقطار المتجانسة جغرافياً وبشرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، حتى يصبح هذا المقترح حقيقة ووجوداً. وفي هذا الإطار نشير إلى مقومات نجاح هذا التكتل أو بمعنى آخر أوجه التشابه بين كل من (مصر وليبيا والسودان وتشاد) وأثرها في نجاح المربع الذهبي: أولا: المقومات الطبيعية والجغرافية: ويمكن الإشارة إليها هنا موجزة، فنهاك الخزان الجوفي النوبي الذي حيث يربط بين كل من مصر وليبيا والسودان وتشاد، وهو عبارة عن تكوينات من الحجر الرملي النوبي التى تنتمي إلى الزمن الثاني، والذي تغذى بمياهها الواحات المصرية، كما أن معظم أراضي هذه الدول مساحات شاسعة من صخور منتظمة لم يعتريها الاضطراب، وتتكون في معظمها من صخور رملية، مثالية للرواسب القارية، تكونت على سطح القارة وليس في البحر. وتمتد مساحات واسعة من بحار الرمال الشاسعة، غربي النيل في الصحراء الغربية التى تمتد من السودان إلى مصر وليبيا، وإلى الشمال ينتهي نطاق الكثبان الرملية الثابتة إلى الصحراء، التى تتباين في مظاهر سطحها، فقد تكون هضاب صخرية أو حصوية أو تبدي في هيئة كتل، أو تكتفها التلال المنعزلة من صنف القور، أو تتحول إلى مساحات شاسعة من الكثبان الرملية الحية المتحركة. وهناك سلسلة مرتفعات البحر الأحمر والتى تمتد ما بين مصر والسودان، وعلى امتداد الهامش الشرقي للصحراء النوبية تمتد مرتفعات البحر الأحمر الممزقة التى تعلو إلى ما فوق 1500 متر، وفيها تنكشف صخور الركيزة النارية القديمة مرة أخرى. وهي تشرف على البحر الأحمر بحافة انكسارية مقطعة يتراوح ارتفاعها بين (600-1200متر) وهي تصنع الهامش الغربي لأخدود البحر الأحمر. وبالإضافة إلى ما سبق هناك مجموعة من الجنادل تعترض مجرى نهر النيل في مصر والسودان، تتمثل في الجنادل الستة الجندل الأول يقع جنوبأسوان بنحو سبعة كيلومترات، أما بقية الجنادل الستة توجد في السودان والذي عندها يسرع النهر إذ يشتد انحداره وفيما عداها يصبح النيل قليل الانحدار، ووجود الجنادل والخوانق راجع إلى النهر استطاع أن يزيل بالنحت صخور الخرسان النوبي، وهي قليلة الصلابة نوعاً ما، ويصل إلى صخور الأساس الشديدة الصلابة التى تبرز من القاع مكونة الجنادل والمسارع. كما يوجد في كل من مصر وليبيا مساحات شاسعة من الصحاري الصخرية والحصوية والرملية، تمتد خصائصها من الداخل حتى تصل إلى الساحل، ولا يقطع مظهرها القاحل سوى ظهور واحات متفرقة شديدة التباعد. كما تقع ليبيا ومصر في معظمها جزء من هضبة جندوانا ويظهر مركب التكوينات القديمة التى أصابها التحول مكوناً لمعظم جبال تبستي، وما يصاحبها من جبال في أقصى الجنوب. ويحف بالصحراء الليبية من جهة الجنوب الشرقي والجنوب الغربي إطار جبلي يبدأ في الجنوب الشرقي بجبل العوينات الذي عنده تتقابل بين مصر والسودان وليبيا ويتألف الجبل من صخور الجرانيت ويغطي مساحة مقدارها 800 كيلومتر مربع تقريباً ويبلغ محيطه 160 كيلو متر وارتفاعه 1934 متر فوق سطح البحر. كما تحد الصحراء الليبية من جهة الجنوب جبال تبستي وهي جبال تتركب من صخور بركانية في الأغلب الأعم، وتغطي مساحة شاسعة تبلغ 300000 كيلو متر مربع، ويقع معظم الجبال في جمهورية تشاد. وأخيرا يوجد بحر الرمال العظيم الذي يدعى أحيانا (العرق الكبير) ويتألف من مساحة شاسعة من الرمال المتحركة والكثبان الرملية الضخمة بين كل من مصر وليبيا... ولأا شك أن التداخل والتوائم في الطبيعة الجغرافية يعد من أهم مقومات التكتل المشار إليه.. ثانيا: المقومات الديمجرافية (السكانية): هناك تداخل عرقي بين شعوب المربع الذهبي حيث أن الليبيين على سبيل المثال وصلوا إلى تشاد في فترات متقطعة حسب الظروف التى كانت تدفعهم إلى الهجرة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وأخذوا يختلطون بهم في كل المجالات. كما أن أسرة سيف النصر تتولى إدارة ولاية فزان، في حين يعيش عدد كبير من أفرادها في كانم وكذلك يعيش بعض أفراد العائلة السنوسية في آتية ومنهم السيد عبد الله العابد السنوسي وأسرته. ويمكن أن يقال ذلك على السودانيين حيث إنهم متداخلين مع الشعب التشادي منذ زمن مملكتي واداي ودارفور منذ القرن الثامن عشر الميلادي، وأقام السودان في واداي مجتمعاً تجارياً، وقد منحهم السلطان يوسف بن محمد الشريف (1874-1898م) قرية نمرو التى عرفوا بها فيما بعد باسم جلابة نمرو وكما أنه في نهاية القرن التاسع عشر وصل عدد من السودانيين إلى تشاد كجنود وأعيان مع حملة رابح بن فضل الله على مملكتي باقرمي (أوباجرمي)، وكانم برنو، وكان عددهم قليل في ذلك الوقت، إلا أنه أخذ يتزايد شيئاً فشيئاً في البلاد حتى أصبح لهم تأثير كبير في التجارة وعمليات النقل البري كما قال د. عبد الرحمن الماحي. والجدير بالذكر أن الليبيين والسودانيين لم يتخل كثير منهم عن جنسيته الأصلية رغم المدة الطويلة التى عاشوها في تشاد، فهناك بعض العائلات السودانية تقوم بالتصويت في الانتخابات في تشاد، وترسل كذلك ممثلين في المجلس النيابي (البرلمان) بالخرطوم. ومن مقومات نجاح فكرة المربع الذهبي: وجود قبائل عربية تعيش في تلك البلاد ترتبط بأصولها في تشاد مصر والسودان وليبيا، وجميع هذه القبائل تنتسب إلى البطون القحطانية والعدنانية، وقد أدى التهجين إلى ظهور قبائل أخرى في المجتمع التشادي منها التنجر والبلوة.وأهمها: 1- السلامات 2- أولاد كراي 3- أولاد حميد 4- أولاد سليمان 5- أولاد موسى 6- المحاميد 7- أولاد أبو عيسى 8- الدقنة 9- أولاد أبو خدير 10- الدقاقرة 11- أولاد علي 12- الحمادية 13- أولاد محارب 14- الحساونة 15- أولاد رميم 16- الجبابرة 17- الأصالعي 18- العسلة 19- أولاد سرار 20- السليمية 21- أولاد سالم 22- أم داود 23- أولاد غانم 24- أم بطيخ 25- أولاد راشد 26- الحيماد 27- أولاد عمر 28- البكرية 29- أولاد مالك 30- الكلبية 31- أولاد جازي 32- حميدة 33- الواحية 34- حبانية 35- الهوارة 36- خزام 37- السعادنة 38- زبدة 39- الزبالات 40- زيوت 41 بني وائل 42- سعادنة 43- بني حلبة 44- علوان 45- بني سليم 46- قمر 47- بني هلال 48- مسيرية الحمر 49- مسيرية زرق 50- بني سعد 51- مليكات 52- بني حسن 53- مقابتي 54- ترجم 55- حقاتني 56- قبائل أخرى ثالثا: المقومات الثقافية: ولقد أسهم الجامع الأزهر الشريف في مصر عبر تاريخه في التمكين للحضارة العربية الإسلامية في هذه البلاد، فظهر الكثير من العلماء في ليبيا والسودان وتشاد ومنهم على سبيل المثال: الشيخ "محمد عليش" ابن الشيخ عووضه طه أحمد الذي حصل على درجة العالمية وعاد من مصر إلى تشاد فأسس في مدينة "أبشة" المعهد العلمي عام 1946م وأدخل إدارته ومناهجه الدراسية تحت إشراف الجامع الأزهر. كما أن طلاب تلك الدول الذين كانوا يدرسون بالقاهرة – فيما بعد – كان لهم الدور البارز في حركاتالتنوير والثقافة والقضاء على التخلف، كما كان لهم الدور الكبير في حركات التحرر الوطني عبر التاريخ.. كما أن الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا يقدم الكثير من الخبراء المصرين إلى تلك البلاد في مشاريع التنمية، وتخصيص منح دراسية لأبناهم في المعاهد والجامعات المصرية، وإن كانت لم ترقى إلى المستوى المطلوب من حيث الأعداد التي نأمل أن تتضاعف لمواجهة مختطات الأعداء الرامية إلى السيطرة على تلك الدول، كما أن هذه المنح تحتاج إلى دراسة نوعية، لتتواكب مع متطلبات تلك الدول، بحيث لا تكون منحا في الجال الديني فقط. وبعد فلقد تحقق المثلث الذهبي بقيام ميثاق طرابلس – ديسمبر عام 1969م، بين مصر وليبيا والسودان، فهل يمكن تحقيق المربع الذهبي بانضمام تشاد إلى أقطار المثلث الذهبي؟ الأمر يستلزم عملاً جاداً ومخلصاً ومستمراً، وبهذا تضرب أقطار المربع الذهبي المثل في التجمع الاجتماعي الاقتصادي في إطار تنسيق سياسي بين دول المربع الذهبي.. أمام بقية دول القارة الأفريقية. • أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والعميد الأسبق لكلية الآداب السابق جامعة الزقازيق