«شيمي» يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع وزير الاستثمار المغربي (تفاصيل)    إزالة حالتي تعدٍ لمزارع سمكية شمال سهل الحسينية على مساحة 42 فدانا جنوب بورسعيد    بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد الأقصى    إسرائيل اليوم: نتنياهو اتفق مع ترامب على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين    الحرس الثوري الإيراني: أمريكا تدخلت في الحرب لإنقاذ الجنود الإسرائيلي «المساكين»    رئيس المصري يضع خارطة الطريق للنهوض والارتقاء المستقبلي    مشاهدة مباراة مصر والبرتغال بث مباشر في كأس العالم للشباب لكرة اليد    أسلاك الكهرباء تتسبب بإشعال النيران في سيارة تحمل كتان بالغربية    محمد رمضان يحيي حفلا بالساحل الشمالي يوليو المقبل    «التأمين الشامل» تستعرض تجربة مصر في تحقيق الاستدامة المالية ضمن «صحة أفريقيا 2025»    تسليم 16 عقد عمل لذوي الهمم بالقاهرة    وزير الخارجية ونظيره البولندي يعربان عن تطلعهما لترفيع مستوى العلاقات بين البلدين    الكرملين: لا يمكن تطبيق أطروحة السلام على روسيا بالقوة    فيفبرو يطالب فيفا بإعادة النظر فى مواعيد مباريات كأس العالم الأندية    بعد 16 عامًا من الانتظار..توجيهات عاجلة من محافظ الأقصر بتسليم مشروع الإسكان الاجتماعي بالطود    محافظ الجيزة: مشروعات حيوية لرفع كفاءة البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات    رونالدو عن تجديد عقده مع النصر: نبدأ فصلا جديدا    انطلاق اختبارات المقاولون العرب الخارجية من نجريج مسقط رأس محمد صلاح    اعتماد الحدود الإدارية النهائية للمنيا مع المحافظات المجاورة    الباركود كشفها.. التحقيق مع طالبة ثانوية عامة بالأقصر بعد تسريبها امتحان الفيزياء    ارتفاع شديد في درجات الحرارة.. طقس المنيا ومحافظات شمال الصعيد غدًا الجمعة 27 يونيو    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا تجارة الدولار» خلال 24 ساعة    10 فئات محرومة من إجازة رأس السنة الهجرية (تعرف عليها)    «الحكاية مصر».. المركز القومي للمسرح ينظم احتفالية حكي غنائي في ذكرى 30 يونيو    ب «حلق» ونظارة شمسية.. عمرو دياب يثير الجدل ببوستر «ابتدينا» ولوك جريء    «الحظ يحالفك».. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من يونيو 2025    «الأعلى للثقافة» يوصي بإنشاء «مجلس قومي للوعي بالقانون»    خلال مؤتمر «صحة أفريقيا».. إطلاق أول تطبيق ذكي إقليميًا ودوليًا لتحديد أولويات التجهيزات الطبية بالمستشفيات    فحص 829 مترددا خلال قافلة طبية مجانية بقرية التحرير في المنيا    وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط يعزي بشهداء كنيسة مار الياس في الدويلعة    السبت المقبل .. المنيا تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم 2025    الخارجية الفلسطينية: عجز المجتمع الدولي عن وقف "حرب الإبادة" في قطاع غزة غير مبرر    ميرتس: الاتحاد الأوروبي يواجه أسابيع وأشهر حاسمة مع اقتراب الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية    بلاغة الكتابة السوداء المخيلة .. الرغبة .. المصادرة.. السلطة    شاهد.. أرتفاع إيرادات فيلم "ريستارت" أمس    أمانة العمال المركزية ب"مستقبل وطن" تختتم البرنامج التدريبي الأول حول "إدارة الحملات الانتخابية"    جولة مفاجئة إلى جمعية منشأة القصاصين للإصلاح الزراعي بالإسماعيلية    تكثيف جهود مكافحة الإدمان بحملات توعوية ميدانية في الأقصر    محافظ الجيزة يتفقد مستشفى الحوامدية للوقوف على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    أفضل وصفات العصائر الطبيعية المنعشة لفصل الصيف    نساء الهجرة.. بطولات في الظل دعمت مشروعًا غيّر وجه التاريخ    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد النصر    وزير الري يتابع إجراءات رقمنة أعمال قطاع المياه الجوفية وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص    جهات التحقيق تأمر بتفريغ الكاميرات فى اتهام مها الصغير أحمد السقا بالتعدى عليها    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    عصمت يبحث إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة والأنظمة الكهربائية في مصر    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    انتصار السيسي تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد    سحب 897 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    إخلاء محيط لجان الثانوية العامة بالطالبية من أولياء الأمور قبل بدء امتحاني الفيزياء والتاريخ    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوعبدالله الصغير.. وزمن الصغار !!!
نشر في المصريون يوم 24 - 01 - 2014

أعتقد أنه بالرغم من ثراء اللغة العربية وتعدد مترادفاتها أنها ستقف عاجزة أن تجد التعبير المناسب لوصف الحالة التى نعيشها الآن من غرائب وعجائب،وسوف تعترى الباحثين الدهشة فى المستقبل وهم يؤرخون لتلك الفترة من تاريخنا فتعبيرات من نوعية البلاهة والسخافة والعبث واللامعقول واللامنطق وأهبلة الدولة
وغيرها من التعبيرات المتداولة قاصرة عن إعطاء الوصف الدقيق لما نعيشه الآن من غرائب إبتداء من حكاية "الأبلة فاهيتا" مرورا بالبرادعى الذى ترأس التنظيم الدولى للإخوان فى الخارج،وحتى الأخ أوباما الذى اكتشف إعلامنا اللى بيجيب التايهة إنه من الإخوان !!!!
والواقع أننى كلما أمسكت بالقلم للرد على بعض ما تثيره وسائل الإعلام المختلفة أجد صعوبة شديدة لأن مايطرحه الإعلام يبقى خارج سياق العقل والمنطق وأجد من العبث الرد عليه أوتناوله لأنه لايستحق عناء الرد عليه
ولكن الشىء المؤسف أن تجد من يردد هذه التفاهات التى تفرد لها وسائل الإعلام الساعات الطوال فى ظل السيطرة الإعلامية الطاغية الآن على عقلية المصريين الذين أصبح أغلبيتهم يستمدون معلوماتهم وثقافتهم منه،ويخطىء من يظن أن هذا التأثير يقف عند البسطاء من الناس فى العلم والثقافة بل إن كثيرا منهم قد يكون أكثر قدرة بذكائه الفطرى على فهم الواقع أكثر من مدّعى العلم والثقافة والذين تجد منهم من يحمل أعلى الشهادات،ويتصدر شاشات الفضائيات،ويأتى بآراء مضحكة،ومعلومات خاطئة
تداعت هذه الخواطرالى ذهنى بعد بيان المستشار نبيل صليب فى مؤتمرإعلان نتائج الاستفتاء غير الشرعى،وماتبعه من انتقادات فى بعض وسائل الإعلام،وفى مواقع التواصل الاجتماعى حول الأخطاء اللغوية والنحوية وغيرها من الأخطاء التى بلغت سبعين خطأ فى بيان استغرق ثلث الساعة بمعدل ثلاثة أخطاء فى الدقيقة الواحدة
والحقيقة لم يتسن لى - ولله الحمد - الاستماع هذا البيان،ولم أحاول بعد كل موجات السخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعى التى تناولت البيان الى أن استوقفتنى بعض الكتابات التى تتحدث عما ذكره نبيل صليب عن الأندلس وماتحمله من تلميحات تظهر الشماته بسقوطها
وقد اضطرنى ذلك لمراجعة هذا الجزء من البيان فهالنى ما ذكره الرجل فالأمر لم يتوقف عند الأخطاء اللغوية والنحوية بل تعدى الى أخطاء تاريخية فادحة
وبعيدا عما ذكره البعض من تلميحات طائفية قد يحتملها أولايحتملها حديث الرجل،وحتى لاندخل فى دائرة التفتيش والتنقيب فى الصدور والقلوب أتوقف عند ما ذكره عن الأندلس فقد دعا الى العمل والاجتهاد للخروج من الأزمة التى نعيشها وحتى لايتدهور علينا الحال وتسائل" هل ينطبق علينا قول والدة آخر ملوك الأندلس عندما فر هاربا ممزق الثياب وحافي القدمين عاري الرأس باكيا على دولته، حين قالت "لا تبكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"
والحقيقة فقد أصابتنى حالة من الذهول مما ذكره الرجل،ولا أدرى من أين استقى معلومة أن آخر ملوك الأندلس فر هاربا ممزق الثياب عارى الرأس حافى القدمين،وهى معلومة لم يأت بها أحد من العالمين من قبله منذ سقوط الأندلس حتى الآن
قد أتفهم أن يتبنى إنسان رواية تاريخية ولوضعيفة المصدرأو شاذة،ومن الممكن أن يُوضَح له ضعف هذه الرواية أو تهافتها،أما أن يأتى بمعلومة لا وجود لها من الأساس،ولم يقل بها أحد قط ثم تُلقى فى مؤتمر يوصف بالعالمى فهذه هى الكارثة بعينها،ولكن يبدو فى هذه الأجواء التى نعيشها هذه الأيام أن الأمر يأتى على ما يبدو فى سياقه الطبيعى فقد خرج علينا أحد الإعلاميين باكتشاف جديد فى مجال التاريخ،وهو أن الإخوان هم سبب سقوط الأندلس!!!وخرج ثان منذ أيام بكشف آخر وهو أن الإخوان هم سبب رئيسى فى تفكك الاتحاد السوفيتى (يبدو أن الإخوان تخصص إسقاط دول وامبراطوريات!!!)
وإذا عدنا الى ما ذكره نبيل صليب فإنه يحتوى على معلوماتين :.
- أن آخر ملوك الأندلس فر هاربا ممزق الثياب حافى القدمين عارى الرأس(ومسألة عارى الرأس مصيبة كبيرة حيث إنها كانت تعتبرفى الماضى من الأمور التى تقدح فى مروءة الإنسان)
- أن أمه قالت له "لا تبكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"
وقبل تفنيد هاتين المعلوماتين أشير الى الوضع فى غرناطة قبل سقوطها فقد كانت مملكة غرناطة آخر ما تبقى للمسلمين على أرض الأندلس بعد أن تمكنت الإمارات المسيحية من الاستيلاء على جميع الممالك الإسلامية وقد كان يحكمها بنو الأحمر،وكانت تعانى من الانقسام والصراع والحروب الداخلية،واستعانة المتنازعين على عرشها بالمسيحيين - وهى أحد الأسباب الرئيسية فى انهيار دولة الاسلام فى الاندلس - فى الوقت الذى اتحدت فيه المملكتان الأسبانيتان المتنازعتان قشتالة،وإمارة الأرجون عام 1479بعد زواج فرديناند أمير الأرجون من إيزابيلا أميرة قشتالة عام 1469،ثم ارتقاء إيزابيلا عرش قشتالة بعد وفاة أخيها هنرى الرابع عام 1474،و ارتقاء فرديناند عرش الأرجون بعد وفاة والده خوان الثانى عام 1479 وبذلك أدى هذا الزواج السياسى الى اتحاد المملكتين فى عرش واحد على رأسه الملكان فرديناند وإيزابيلا،والذى كان يجمعهما التعصب للكاثوليكية والذى أُطلق عليهم بعد ذلك الملكان الكاثوليكيان،والذى كان يدفعهما هدف مشترك هو القضاء على ماتبقى للمسلمين من وجود
فى الاندلس
وهكذا فى الوقت الذى اتحدت فيه أسبانيا كانت غرناطة تعانى من التفكك والمشكلات الداخلية فى عهد آخر ملوكها وآخر ملوك المسلمين فى الأندلس أبوعبدالله الصغير(أطلق عليه الصغير تمييزا له عن عمه أبوعبدالله محمد ) الذى تولى عرش غرناطة عام 1482 ولم يتجاوز أوائل العشرين من عمره(يوجد خلاف فى تاريخ ميلاده) بعد الإطاحة بوالده الملك أبو الحسن بن سعد الذى فر الى مالقة حيث أخوه أبوعبدالله محمد المشهور بالزغل (تعنى
الشجاع) وبعد أن أطاح أبوعبدالله الصغير بأبيه اعتزم تقليد عمه الزغل المشهور بشجاعته وجهاده ضد الأسبان فخرج على رأس حملة عام 1482 لمحاربة الأسبان إلا أنه وقع فى الأسر،وظل أسيرا لدى الأسبان لمدة عامين
وفى أثناء تلك الفترة تم استدعاء والده ابوالحسن ليعود لحكم غرناطة من جديد،والذى لم يستمر فيه طويلا نظرا لظروفه الصحية،وتنازل عن الحكم لأخيه الزغل
أما أبوعبدالله الصغير فقد أُطلق سراحه بعد توقيع اتفاق سرى مع الأسبان مقابل الاعتراف بالطاعة للعرش الأسبانى،ودفع جزية سنوية والإفراج عن أسرى الأسبان فى مدد محدده،وأن يقدم أبوعبدالله ولده الأكبر وعدد من أبناء الأمراء رهائن ضمانا لتنفيذ الاتفاق، وقد تعهد الأسبان بمساعدته فى استعادة المدن التابعة لمملكة غرناطة،والتى ثارت عليه مقابل دخولها فى طاعة الأسبان عقب استعادتها،وقد تم تنفيذ الاتفاق،وأطلق سراح أبى عبدالله الصغير على الأرجح عام 1485
كان هذا الاتفاق يخدم مخطط الأسبان فى إشعال الحرب الأهلية بين أبى عبدالله وعمه الزغل الذى كان على عرش غرناطه فضلا عن ترويج أبى عبدالله الصغير لسياسة الصلح مع الأسبان،وقد نجحت سياسة الأسبان واشتعلت الحرب بين أبى عبدالله الصغير وعمه واستغل الأسبان الفرصة للانقضاض على العديد من المدن والحصون واقتطاعها من يد المسلمين،ونجح مخطط الأسبان واستطاع أبو عبدالله الصغير دخول غرناطة عام 1487بعد أن تقلصت مساحتها وفقدت الكثير من المدن والقلاع لصالح الأسبان،وبعد أن انقسمت غرناطة الى قسمين الشمالى الغربى ويحكمه أبوعبدالله الصغير والشرقى الجنوبى ويحكمه الزغل
ولم يكن الأسبان ليتركوا الفرصة السانحة تضيع من أيديهم وكان من الطبيعى أن يبدأو بالزغل الذى بالرغم مما أبداه من شجاعة فى التصدى لهم لم يجد بدا من الدخول فى طاعة الاسبان بعد أن أحاطوا به من كل جانب،وعقد معهم معاهدة نهاية عام 1489 يحصل بمقتضاها على بعض الامتيازات والحقوق،ولكنه سرعان ماتنازل عن ممتلكاته وحقوقه مقابل مبلغ من المال،وانتقل الى المغرب واستقر فى تلمسان الذى قضى بها بقية حياته
بعد القضاء على الزغل جاء الدور على أبى عبدالله الصغير لوضع النهاية لما تبقى من دولة المسلمين فى الأندلس فقد أرسل الأسبان الى أبى عبدالله الصغير يطالبونه بتسليم غرناطة والذى رفض الاستجابة الى طلبهم استنادا الى رفض شعب غرناطة التسليم،وتصميمهم على المقاومة واشتعلت الحرب بين الجانبين،والتى كانت سجالا فى البداية الى أن فرض فرديناند حصارا محكما على غرناطة وخرب الحقول التى تمد المدينة بالمؤن وبالرغم من هذا الحصار الخانق فقد صمدت المدينة،وأبدى فرسان المسلمين ضروبا من الشجاعة والإقدام وكان على رأسهم موسى بن أبى الغسان الذى كان معارضا لأى محاولة للتسليم قائلا "لم يبق لنا سوى الأرض التى نقف عليها فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن"
ولكن رغم كل صنوف الشجاعة التى أبداها المسلمون فقد دب اليأس فى قلب الناس نتيجة ما سببه الحصار الخانق من مشكلات،واتفق أبوعبدالله وقادته على التسليم ولم يعارض فى ذلك سوى موسى بن أبى الغسان،وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة التسليم فى 25 نوفمبر 1491بعد عدة أسابيع من المفاوضات السرية وفى نفس يوم توقيع معاهدة التسليم تم توقيع معاهدة سرية تضمن العديد من الامتيازات والحقوق لأبى عبدالله الصغير وأسرته وحاشيته،وقد ضمنت معاهدة التسليم الكثيرمن الحقوق والضمانات للمسلمين خاصة فيما يتعلق بحرية الشعائر الدينية،وقد أقسما الملكان فرديناند وإيزابيلا بدينهما وشرفهما على المحافظة على كل بنود المعاهدة وبالرغم من هذا القسم الذى تكررأكثر من مرة فلم تمض سوى سنوات قليلة حتى تعرض مسلمو الأندلس للغدر والخيانة،وأُجبروا على التنصر،وذاقوا الويلات فيما يُعرف بمحاكم التفتيش
أما المعاهدة الخاصة بأبى عبدالله فقد ضمنت له الكثير من الحقوق فقد أبقت له ولأولاده وأحفاده وورثتهم الى الأبد من بعده حق الملكية الأبدية فيما يملكونه من محلات وضياع فى عدة مدن،وأن يتولى حق القضاء فى هذه المدن باعتباره تابعا للملكين كما احتفظ بعدة قلاع بالإضافة للحصول على هبة تقدر بنحو ثلاثين ألف جنية قشتالى من الذهب بالإضافة الى بعض الحقوق الأخرى له ولأسرته وحاشيته
وفى 2 ينايرعام 1492 تم تسليم المدينة،ورفعت على البرج الأعلى لقصر الحمراء مقر الملك صليبا فضيا كبيرا،والى جانبه علم قشتاله،وعلم القديس ياقب،وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكا للملكيين الكاثوليكيين
أما أبوعبدالله الصغير فقد غادر القصر ومعه أسرته وبعض أصحابه وحاشيته فى موكب يحمل أمواله وأمتعته،وحوله عدد من الفرسان صباح يوم التسليم،واتجه الموكب فى طريقه الى منطقة "البشرات"،وقد انفصل أبوعبدالله الصغيرعن الموكب،وتوجه للقاء فرديناند ثم الملكة إيزابيلا،ثم توجه الى طريق البشرات حيث لحق بأسرته،وفى الطريق توقف عند إحدى التلال وألقى نظرة أخيرة على غرناطة حيث أجهش بالبكاء فقالت له أمه عائشة "ابك كالنساء ملكا لم تصنه كالرجال" ويطلق على هذا المكان " زفرة العربى الأخيرة"
تلك هى الرواية الاسبانية لمغادرة الملك غرناطة،وهى الأكثر شيوعا،وهناك رواية ثانية تخالف ماجاء فى هذه الرواية فتذكرأن أباعبدالله خرج بمفرده لمقابلة فرديناند وإيزابيلا،وأن أسرته خرجت بعد ذلك لتلتقى به بعد انتهاء مهمته،وأنه قضى أياما فى المعسكر الملكى الأسبانى قبل أن يتوجه الى البشرات
وهناك من المؤرخين من ينفى واقعة زفرة العربى الأخيرة تماما وبالتالى العبارة التى قالتها عائشة لابنها(تلقب بعائشة الحرة وهناك خلاف حول اسمها حيث يذكر بعض المؤرخين أن اسمها فاطمة )
عاش عبدالله فى "أندرش" فى منطقة البشرات التى حصل عليها طبقا للاتفاقية الخاصة به وقد صحبه عدد من الفرسان وعدد من حاشيته،وقد عاش فى هذه المملكة الصغيرة تحت رقابة فرديناند وإيزابيلا الذين كانا بالرغم من سيطرتهما التامة على الأندلس يشعران بالقلق من بقاء أبى عبدالله على أرضها،ولذلك سعيا لإبعادة عن الأندلس،ويبدوا أنه هو الآخر رأى أنه ليس من اللائق به البقاء فى هذا الوضع
وقد انتهت مفاوضات بين الجانبين الى توقيع اتفاق كان أهم بنوده يقضى برحيل أبى عبدالله الى المغرب فى موعد لايتجاوز شهر أكتوبر 1493،وأن يبيع كافة أملاكة الى الملكيين الكاثولكيين نظير واحد وعشرين ألف جنية قشتالى من الذهب الحر،وأن يقدم الملكان عربتان لحمل متاعه،وكذلك السفن التى ينتقل بها مع أسرته وحاشيته الى المغرب،ويتراوح عدد من صحبوا أباعبدالله مابين 700 الى 1130 شخصا،وقد استقرأبوعبدالله فى فاس تحت رعاية وحماية سلاطين دولة بنى وطاس
وهناك خلاف حول تاريخ وظروف وفاته فيذكر "المقرى" مؤرخ الأندلس أنه توفى بفاس عام 1518 ثم يذكر فى كتاب آخر له أنه توفى عام 153ؤأما المصادر الاسبانية فتذكر أنه سقط قتيلا عام 1536 فى موقعه دارت بين بنى وطاس الذى كان يعيش فى حمايتهم وبين السعديين،وقد انتهت المعركة بهزيمة بنى وطاس الذى كان يقاتل الى جانبهم، ويرجح محمد عبدالله عنان أنه مات بفاس عام 1534،وقد تعاقبت ذرية أبى عبدالله فى فاس،وإن أصابهم البؤس حيث يذكر المقرى أنه رآهم وتتبع أخبارهم حتى 1628 حيث كانوا يعيشون على الصدقات
بعد هذا العرض العام الذى حاولت البعد فيه عن التفاصيل والروايات المختلفة قدر الإمكان والذى لايحتملها مثل هذا المقال يتضح أن ماذكره نبيل صليب - بصرف النظر عن تقييم أبى عبدالله الذى قد يراه البعض خائنا،وقد يراه البعض جبانا ضعيفا،وأنه فى كل الاحوال فإن غرناطة كانت تسير الى نهايتها - لا أصل له فيما ذكره من خروج الرجل هاربا
أما كلمة الملكة عائشة - بصرف النظر عن صحة هذه الرواية أوعدم صحتها - فقد كانت عكس ماذكره نبيل صليب حيث كانت تقرع وتوبخ ابنها على تخاذله وضعفه فتقول له ابك كالنساء،وليس كما ذكر أنها قالت له لا تبك كالنساء،ولا أعرف من أين جاء بلا النافية... هذا والله أعلم

* كاتب ومحلل سياسى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
twitter:@DHousin


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.