السيسي: مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تعنت أثيوبيا بتشغيل سد النهضة    «التضامن» تقر قيد 4 جمعيات في 3 محافظات    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس «أيزو» لمدة 3 أعوام    أحمد حسن: نسعى لحل مشاكل المنتخب الثاني قبل كأس العرب.. ومجموعتنا تضم ثنائي في المونديال    سيناريوهات تأهل عرب آسيا إلى كأس العالم 2026.. والملحق العالمي    اللواء طيار سمير عزيز: حملنا حلم النصر لمصر وتفوقنا على أوهام قوة إسرائيل الجوية    السيسي: سنتخذ كافة التدابير لحماية أمن مصر المائي أمام نهج إثيوبيا غير المسئول    محمد معيط: مؤشرات الاقتصاد المصرى تسير فى اتجاه إيجابى رغم الصعوبات    السيسى يوجه الدعوة لترامب للمشاركة فى احتفالية اتفاق وقف الحرب فى غزة    الخطوة الأولى انتخابات البرلمان    من يراقب أموال الأحزاب؟    الفراعنة يرفعون علم مصر فى مونديال 2026    آخر موعد لزيارة قاعات المتحف المصري الكبير قبل إغلاقه استعدادا للافتتاح    مصر تنتصر فى معركة اليونسكو    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    التضامن: غلق 7 دور رعاية وتحرير 8 محاضر ضبط قضائي    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-10- 2025 والقنوات الناقلة لها    الأرصاد الجوية : انخفاض بدرجات الحرارة اليوم وفرص أمطار ببعض المناطق والعظمى بالقاهرة 28 درجة    اليوم .. بدء التقديم لحج القرعة لعام 2026 أون لاين وعبر أقسام الشرطة    وزارة التعليم تحدد 3 امتحانات بالفصل الدراسى الواحد .. اعرف المواعيد    انفراجة كبيرة .. 400 شاحنة مساعدات من مصر تعيد الحياة إلى قطاع غزة    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزا عسكريا عند مدخل النبي صالح شمال رام الله    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    مستشفى قنا الجامعي ينقذ شاب بعد إصابته بطلق ناري نافذ بالصدر.. اعرف التفاصيل    وزير العمل يلتقي نظيره السوداني لتفعيل التعاون في الملفات المُشتركة    أبرز لقطات العرض الخاص فيلم "أوسكار - عودة الماموث "    بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة إرهابية.. محاكمة 56 متهمًا اليوم    انخفاض درجات الحرارة بشمال سيناء.. والعريش 28 درجة    مصرع 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين إثر اصطدام أتوبيس بسيارة نقل على طريق الجلالة    أسعار الفراخ اليوم في العالي.. وتحذير من قفزات جديدة قادمة    إعلام القاهرة تحصل على تجديد الأيزو في جودة الجهاز الإداري والصحة والسلامة المهنية وإدارة استمرارية الأعمال    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 أكتوبر    تفاصيل ظهور «رونالدينيو» في كليب عالمي لمحمد رمضان    مسلسل «لينك» الحلقة 1.. سيد رجب يتعرض لسرقة أمواله عبر رابط مجهول    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    اشتباكات عنيفة على الحدود الأفغانية الباكستانية    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    الاعتراض وحده لا يكفي.. نبيل فهمي: على الدول العربية أن تبادر وتقدّم البدائل العملية لحماية أمنها القومي    عضو المكتب السياسي ل حماس: استقرار المنطقة لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة    سفارة قطر بالقاهرة تعرب عن بالغ حزنها لوفاة ثلاثة من منتسبي الديوان الأميري في حادث    موعد عرض مسلسل المؤسس أورهان الحلقة الأولى على قناة atv التركية.. والقنوات العربية الناقلة وترددها    نتيجة اختلال عجلة القيادة.. حادث مؤسف لوفد دبلوماسي قطري قبل شرم الشيخ ووفاة 3 وإصابة 3    بهدف زيدان.. العراق يفوز على إندونيسيا ويخوض مواجهة نارية أمام السعودية    نهاية عصابة «مخدرات الوراق».. المشدد 6 سنوات لأربعة عاطلين    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    رسميًا.. مواعيد صرف مرتبات أكتوبر 2025 للمعلمين والأشهر المتبقية من العام وجدول الحد الأدني للأجور    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    مثقل بمشاكل العائلة.. حظ برج الدلو اليوم 12 أكتوبر    18 معلومة عن مي فاروق: الرئيس السيسي كرمها و«تأخير» حرمها من المشاركة بمسلسل شهير وخضعت ل«عملية تكميم»    4 خطوات ل تخزين الأنسولين بأمان بعد أزمة والدة مصطفى كامل: الصلاحية تختلف من منتج لآخر وتخلص منه حال ظهور «عكارة»    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوعبدالله الصغير.. وزمن الصغار !!!
نشر في المصريون يوم 24 - 01 - 2014

أعتقد أنه بالرغم من ثراء اللغة العربية وتعدد مترادفاتها أنها ستقف عاجزة أن تجد التعبير المناسب لوصف الحالة التى نعيشها الآن من غرائب وعجائب،وسوف تعترى الباحثين الدهشة فى المستقبل وهم يؤرخون لتلك الفترة من تاريخنا فتعبيرات من نوعية البلاهة والسخافة والعبث واللامعقول واللامنطق وأهبلة الدولة
وغيرها من التعبيرات المتداولة قاصرة عن إعطاء الوصف الدقيق لما نعيشه الآن من غرائب إبتداء من حكاية "الأبلة فاهيتا" مرورا بالبرادعى الذى ترأس التنظيم الدولى للإخوان فى الخارج،وحتى الأخ أوباما الذى اكتشف إعلامنا اللى بيجيب التايهة إنه من الإخوان !!!!
والواقع أننى كلما أمسكت بالقلم للرد على بعض ما تثيره وسائل الإعلام المختلفة أجد صعوبة شديدة لأن مايطرحه الإعلام يبقى خارج سياق العقل والمنطق وأجد من العبث الرد عليه أوتناوله لأنه لايستحق عناء الرد عليه
ولكن الشىء المؤسف أن تجد من يردد هذه التفاهات التى تفرد لها وسائل الإعلام الساعات الطوال فى ظل السيطرة الإعلامية الطاغية الآن على عقلية المصريين الذين أصبح أغلبيتهم يستمدون معلوماتهم وثقافتهم منه،ويخطىء من يظن أن هذا التأثير يقف عند البسطاء من الناس فى العلم والثقافة بل إن كثيرا منهم قد يكون أكثر قدرة بذكائه الفطرى على فهم الواقع أكثر من مدّعى العلم والثقافة والذين تجد منهم من يحمل أعلى الشهادات،ويتصدر شاشات الفضائيات،ويأتى بآراء مضحكة،ومعلومات خاطئة
تداعت هذه الخواطرالى ذهنى بعد بيان المستشار نبيل صليب فى مؤتمرإعلان نتائج الاستفتاء غير الشرعى،وماتبعه من انتقادات فى بعض وسائل الإعلام،وفى مواقع التواصل الاجتماعى حول الأخطاء اللغوية والنحوية وغيرها من الأخطاء التى بلغت سبعين خطأ فى بيان استغرق ثلث الساعة بمعدل ثلاثة أخطاء فى الدقيقة الواحدة
والحقيقة لم يتسن لى - ولله الحمد - الاستماع هذا البيان،ولم أحاول بعد كل موجات السخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعى التى تناولت البيان الى أن استوقفتنى بعض الكتابات التى تتحدث عما ذكره نبيل صليب عن الأندلس وماتحمله من تلميحات تظهر الشماته بسقوطها
وقد اضطرنى ذلك لمراجعة هذا الجزء من البيان فهالنى ما ذكره الرجل فالأمر لم يتوقف عند الأخطاء اللغوية والنحوية بل تعدى الى أخطاء تاريخية فادحة
وبعيدا عما ذكره البعض من تلميحات طائفية قد يحتملها أولايحتملها حديث الرجل،وحتى لاندخل فى دائرة التفتيش والتنقيب فى الصدور والقلوب أتوقف عند ما ذكره عن الأندلس فقد دعا الى العمل والاجتهاد للخروج من الأزمة التى نعيشها وحتى لايتدهور علينا الحال وتسائل" هل ينطبق علينا قول والدة آخر ملوك الأندلس عندما فر هاربا ممزق الثياب وحافي القدمين عاري الرأس باكيا على دولته، حين قالت "لا تبكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"
والحقيقة فقد أصابتنى حالة من الذهول مما ذكره الرجل،ولا أدرى من أين استقى معلومة أن آخر ملوك الأندلس فر هاربا ممزق الثياب عارى الرأس حافى القدمين،وهى معلومة لم يأت بها أحد من العالمين من قبله منذ سقوط الأندلس حتى الآن
قد أتفهم أن يتبنى إنسان رواية تاريخية ولوضعيفة المصدرأو شاذة،ومن الممكن أن يُوضَح له ضعف هذه الرواية أو تهافتها،أما أن يأتى بمعلومة لا وجود لها من الأساس،ولم يقل بها أحد قط ثم تُلقى فى مؤتمر يوصف بالعالمى فهذه هى الكارثة بعينها،ولكن يبدو فى هذه الأجواء التى نعيشها هذه الأيام أن الأمر يأتى على ما يبدو فى سياقه الطبيعى فقد خرج علينا أحد الإعلاميين باكتشاف جديد فى مجال التاريخ،وهو أن الإخوان هم سبب سقوط الأندلس!!!وخرج ثان منذ أيام بكشف آخر وهو أن الإخوان هم سبب رئيسى فى تفكك الاتحاد السوفيتى (يبدو أن الإخوان تخصص إسقاط دول وامبراطوريات!!!)
وإذا عدنا الى ما ذكره نبيل صليب فإنه يحتوى على معلوماتين :.
- أن آخر ملوك الأندلس فر هاربا ممزق الثياب حافى القدمين عارى الرأس(ومسألة عارى الرأس مصيبة كبيرة حيث إنها كانت تعتبرفى الماضى من الأمور التى تقدح فى مروءة الإنسان)
- أن أمه قالت له "لا تبكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"
وقبل تفنيد هاتين المعلوماتين أشير الى الوضع فى غرناطة قبل سقوطها فقد كانت مملكة غرناطة آخر ما تبقى للمسلمين على أرض الأندلس بعد أن تمكنت الإمارات المسيحية من الاستيلاء على جميع الممالك الإسلامية وقد كان يحكمها بنو الأحمر،وكانت تعانى من الانقسام والصراع والحروب الداخلية،واستعانة المتنازعين على عرشها بالمسيحيين - وهى أحد الأسباب الرئيسية فى انهيار دولة الاسلام فى الاندلس - فى الوقت الذى اتحدت فيه المملكتان الأسبانيتان المتنازعتان قشتالة،وإمارة الأرجون عام 1479بعد زواج فرديناند أمير الأرجون من إيزابيلا أميرة قشتالة عام 1469،ثم ارتقاء إيزابيلا عرش قشتالة بعد وفاة أخيها هنرى الرابع عام 1474،و ارتقاء فرديناند عرش الأرجون بعد وفاة والده خوان الثانى عام 1479 وبذلك أدى هذا الزواج السياسى الى اتحاد المملكتين فى عرش واحد على رأسه الملكان فرديناند وإيزابيلا،والذى كان يجمعهما التعصب للكاثوليكية والذى أُطلق عليهم بعد ذلك الملكان الكاثوليكيان،والذى كان يدفعهما هدف مشترك هو القضاء على ماتبقى للمسلمين من وجود
فى الاندلس
وهكذا فى الوقت الذى اتحدت فيه أسبانيا كانت غرناطة تعانى من التفكك والمشكلات الداخلية فى عهد آخر ملوكها وآخر ملوك المسلمين فى الأندلس أبوعبدالله الصغير(أطلق عليه الصغير تمييزا له عن عمه أبوعبدالله محمد ) الذى تولى عرش غرناطة عام 1482 ولم يتجاوز أوائل العشرين من عمره(يوجد خلاف فى تاريخ ميلاده) بعد الإطاحة بوالده الملك أبو الحسن بن سعد الذى فر الى مالقة حيث أخوه أبوعبدالله محمد المشهور بالزغل (تعنى
الشجاع) وبعد أن أطاح أبوعبدالله الصغير بأبيه اعتزم تقليد عمه الزغل المشهور بشجاعته وجهاده ضد الأسبان فخرج على رأس حملة عام 1482 لمحاربة الأسبان إلا أنه وقع فى الأسر،وظل أسيرا لدى الأسبان لمدة عامين
وفى أثناء تلك الفترة تم استدعاء والده ابوالحسن ليعود لحكم غرناطة من جديد،والذى لم يستمر فيه طويلا نظرا لظروفه الصحية،وتنازل عن الحكم لأخيه الزغل
أما أبوعبدالله الصغير فقد أُطلق سراحه بعد توقيع اتفاق سرى مع الأسبان مقابل الاعتراف بالطاعة للعرش الأسبانى،ودفع جزية سنوية والإفراج عن أسرى الأسبان فى مدد محدده،وأن يقدم أبوعبدالله ولده الأكبر وعدد من أبناء الأمراء رهائن ضمانا لتنفيذ الاتفاق، وقد تعهد الأسبان بمساعدته فى استعادة المدن التابعة لمملكة غرناطة،والتى ثارت عليه مقابل دخولها فى طاعة الأسبان عقب استعادتها،وقد تم تنفيذ الاتفاق،وأطلق سراح أبى عبدالله الصغير على الأرجح عام 1485
كان هذا الاتفاق يخدم مخطط الأسبان فى إشعال الحرب الأهلية بين أبى عبدالله وعمه الزغل الذى كان على عرش غرناطه فضلا عن ترويج أبى عبدالله الصغير لسياسة الصلح مع الأسبان،وقد نجحت سياسة الأسبان واشتعلت الحرب بين أبى عبدالله الصغير وعمه واستغل الأسبان الفرصة للانقضاض على العديد من المدن والحصون واقتطاعها من يد المسلمين،ونجح مخطط الأسبان واستطاع أبو عبدالله الصغير دخول غرناطة عام 1487بعد أن تقلصت مساحتها وفقدت الكثير من المدن والقلاع لصالح الأسبان،وبعد أن انقسمت غرناطة الى قسمين الشمالى الغربى ويحكمه أبوعبدالله الصغير والشرقى الجنوبى ويحكمه الزغل
ولم يكن الأسبان ليتركوا الفرصة السانحة تضيع من أيديهم وكان من الطبيعى أن يبدأو بالزغل الذى بالرغم مما أبداه من شجاعة فى التصدى لهم لم يجد بدا من الدخول فى طاعة الاسبان بعد أن أحاطوا به من كل جانب،وعقد معهم معاهدة نهاية عام 1489 يحصل بمقتضاها على بعض الامتيازات والحقوق،ولكنه سرعان ماتنازل عن ممتلكاته وحقوقه مقابل مبلغ من المال،وانتقل الى المغرب واستقر فى تلمسان الذى قضى بها بقية حياته
بعد القضاء على الزغل جاء الدور على أبى عبدالله الصغير لوضع النهاية لما تبقى من دولة المسلمين فى الأندلس فقد أرسل الأسبان الى أبى عبدالله الصغير يطالبونه بتسليم غرناطة والذى رفض الاستجابة الى طلبهم استنادا الى رفض شعب غرناطة التسليم،وتصميمهم على المقاومة واشتعلت الحرب بين الجانبين،والتى كانت سجالا فى البداية الى أن فرض فرديناند حصارا محكما على غرناطة وخرب الحقول التى تمد المدينة بالمؤن وبالرغم من هذا الحصار الخانق فقد صمدت المدينة،وأبدى فرسان المسلمين ضروبا من الشجاعة والإقدام وكان على رأسهم موسى بن أبى الغسان الذى كان معارضا لأى محاولة للتسليم قائلا "لم يبق لنا سوى الأرض التى نقف عليها فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن"
ولكن رغم كل صنوف الشجاعة التى أبداها المسلمون فقد دب اليأس فى قلب الناس نتيجة ما سببه الحصار الخانق من مشكلات،واتفق أبوعبدالله وقادته على التسليم ولم يعارض فى ذلك سوى موسى بن أبى الغسان،وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة التسليم فى 25 نوفمبر 1491بعد عدة أسابيع من المفاوضات السرية وفى نفس يوم توقيع معاهدة التسليم تم توقيع معاهدة سرية تضمن العديد من الامتيازات والحقوق لأبى عبدالله الصغير وأسرته وحاشيته،وقد ضمنت معاهدة التسليم الكثيرمن الحقوق والضمانات للمسلمين خاصة فيما يتعلق بحرية الشعائر الدينية،وقد أقسما الملكان فرديناند وإيزابيلا بدينهما وشرفهما على المحافظة على كل بنود المعاهدة وبالرغم من هذا القسم الذى تكررأكثر من مرة فلم تمض سوى سنوات قليلة حتى تعرض مسلمو الأندلس للغدر والخيانة،وأُجبروا على التنصر،وذاقوا الويلات فيما يُعرف بمحاكم التفتيش
أما المعاهدة الخاصة بأبى عبدالله فقد ضمنت له الكثير من الحقوق فقد أبقت له ولأولاده وأحفاده وورثتهم الى الأبد من بعده حق الملكية الأبدية فيما يملكونه من محلات وضياع فى عدة مدن،وأن يتولى حق القضاء فى هذه المدن باعتباره تابعا للملكين كما احتفظ بعدة قلاع بالإضافة للحصول على هبة تقدر بنحو ثلاثين ألف جنية قشتالى من الذهب بالإضافة الى بعض الحقوق الأخرى له ولأسرته وحاشيته
وفى 2 ينايرعام 1492 تم تسليم المدينة،ورفعت على البرج الأعلى لقصر الحمراء مقر الملك صليبا فضيا كبيرا،والى جانبه علم قشتاله،وعلم القديس ياقب،وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكا للملكيين الكاثوليكيين
أما أبوعبدالله الصغير فقد غادر القصر ومعه أسرته وبعض أصحابه وحاشيته فى موكب يحمل أمواله وأمتعته،وحوله عدد من الفرسان صباح يوم التسليم،واتجه الموكب فى طريقه الى منطقة "البشرات"،وقد انفصل أبوعبدالله الصغيرعن الموكب،وتوجه للقاء فرديناند ثم الملكة إيزابيلا،ثم توجه الى طريق البشرات حيث لحق بأسرته،وفى الطريق توقف عند إحدى التلال وألقى نظرة أخيرة على غرناطة حيث أجهش بالبكاء فقالت له أمه عائشة "ابك كالنساء ملكا لم تصنه كالرجال" ويطلق على هذا المكان " زفرة العربى الأخيرة"
تلك هى الرواية الاسبانية لمغادرة الملك غرناطة،وهى الأكثر شيوعا،وهناك رواية ثانية تخالف ماجاء فى هذه الرواية فتذكرأن أباعبدالله خرج بمفرده لمقابلة فرديناند وإيزابيلا،وأن أسرته خرجت بعد ذلك لتلتقى به بعد انتهاء مهمته،وأنه قضى أياما فى المعسكر الملكى الأسبانى قبل أن يتوجه الى البشرات
وهناك من المؤرخين من ينفى واقعة زفرة العربى الأخيرة تماما وبالتالى العبارة التى قالتها عائشة لابنها(تلقب بعائشة الحرة وهناك خلاف حول اسمها حيث يذكر بعض المؤرخين أن اسمها فاطمة )
عاش عبدالله فى "أندرش" فى منطقة البشرات التى حصل عليها طبقا للاتفاقية الخاصة به وقد صحبه عدد من الفرسان وعدد من حاشيته،وقد عاش فى هذه المملكة الصغيرة تحت رقابة فرديناند وإيزابيلا الذين كانا بالرغم من سيطرتهما التامة على الأندلس يشعران بالقلق من بقاء أبى عبدالله على أرضها،ولذلك سعيا لإبعادة عن الأندلس،ويبدوا أنه هو الآخر رأى أنه ليس من اللائق به البقاء فى هذا الوضع
وقد انتهت مفاوضات بين الجانبين الى توقيع اتفاق كان أهم بنوده يقضى برحيل أبى عبدالله الى المغرب فى موعد لايتجاوز شهر أكتوبر 1493،وأن يبيع كافة أملاكة الى الملكيين الكاثولكيين نظير واحد وعشرين ألف جنية قشتالى من الذهب الحر،وأن يقدم الملكان عربتان لحمل متاعه،وكذلك السفن التى ينتقل بها مع أسرته وحاشيته الى المغرب،ويتراوح عدد من صحبوا أباعبدالله مابين 700 الى 1130 شخصا،وقد استقرأبوعبدالله فى فاس تحت رعاية وحماية سلاطين دولة بنى وطاس
وهناك خلاف حول تاريخ وظروف وفاته فيذكر "المقرى" مؤرخ الأندلس أنه توفى بفاس عام 1518 ثم يذكر فى كتاب آخر له أنه توفى عام 153ؤأما المصادر الاسبانية فتذكر أنه سقط قتيلا عام 1536 فى موقعه دارت بين بنى وطاس الذى كان يعيش فى حمايتهم وبين السعديين،وقد انتهت المعركة بهزيمة بنى وطاس الذى كان يقاتل الى جانبهم، ويرجح محمد عبدالله عنان أنه مات بفاس عام 1534،وقد تعاقبت ذرية أبى عبدالله فى فاس،وإن أصابهم البؤس حيث يذكر المقرى أنه رآهم وتتبع أخبارهم حتى 1628 حيث كانوا يعيشون على الصدقات
بعد هذا العرض العام الذى حاولت البعد فيه عن التفاصيل والروايات المختلفة قدر الإمكان والذى لايحتملها مثل هذا المقال يتضح أن ماذكره نبيل صليب - بصرف النظر عن تقييم أبى عبدالله الذى قد يراه البعض خائنا،وقد يراه البعض جبانا ضعيفا،وأنه فى كل الاحوال فإن غرناطة كانت تسير الى نهايتها - لا أصل له فيما ذكره من خروج الرجل هاربا
أما كلمة الملكة عائشة - بصرف النظر عن صحة هذه الرواية أوعدم صحتها - فقد كانت عكس ماذكره نبيل صليب حيث كانت تقرع وتوبخ ابنها على تخاذله وضعفه فتقول له ابك كالنساء،وليس كما ذكر أنها قالت له لا تبك كالنساء،ولا أعرف من أين جاء بلا النافية... هذا والله أعلم

* كاتب ومحلل سياسى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
twitter:@DHousin


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.