محافظ المنوفية يتابع أعمال تطوير مدخل شبين الكوم والممشى الجديد    التعليم: افتتاح 15 مدرسة مصرية يابانية جديدة العام الدراسي المقبل    رئيس الحكومة: مصر تستقبل المزيد من الاستثمارات الجديدة وتشهد نموا ملحوظا في الصادرات    إسرائيل: الضابط الذي قتل يوم الاثنين جنوب غزة قائد بجهاز الشاباك    بلال: لو شكلت فريقا مع بركات وأبوتريكة الآن لهزمنا إنتر ميامي!    ضبط المتهم بتحصيل مبالغ مالية دون وجه حق من قائدي الميكروباص بالنزهة    بحضور أسر الصحفيين.. عروض مسرح الطفل بقصر الأنفوشي تحقق إقبالًا كبيرًا    بعد تعرضهم لحادث.. صور مراقبي الثانوية العامة داخل المستشفى بقنا    مجموعة الأهلي.. شكوك حول مشاركة حارس بورتو ضد إنتر ميامي    "أنا مصمم".. وصلة غناء من مرموش للاعبي مانشستر سيتي قبل مونديال الأندية (فيديو)    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    رصاصة غدر بسبب الزيت المستعمل.. حبس المتهم بقتل شريكه في الفيوم    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    سلطنة عُمان تشهد نشاطًا دبلوماسيًّا مكثفًا لوقف التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل    الرئيس الإسرائيلي يعلّق على فكرة اغتيال خامنئي: القرار بيد السلطة التنفيذية    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    حملات مكثفة لتطهير ترع مركزي صدفا وأبنوب بمحافظة أسيوط    إمام عاشور يروي لحظة إصابته ضد إنتر ميامي: «كنت بجري ومش حاسس بدراعي»    النواب يوافق نهائيا على الموازنة العامة 2025l2026 بإجمالى 6.7تريليون جنيه    تخصيص بالأسبقية.. مواعيد الحجز الإلكتروني لشقق صبا بأرقام العمارات    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    أحمد فتحي ضيف برنامج "فضفضت أوي" على Watch It    نور عمرو دياب تثير الجدل بتصريحاتها الأخيرة: "أنا بنت شيرين رضا" (فيديو)    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    "هيخسر ومش مصرية".. حقيقة التصريحات المنسوبة للفنانة هند صبري    رئيس الوزراء يستقبل رئيس وزراء صربيا بمطار القاهرة الدولي    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    طريقة عمل طاجن اللحمة في الفرن    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    سموتريتش يفصح عن حصيلة خسائر الهجمات الإيرانية    الداخلية تضبط منادى سيارات "بدون ترخيص" بالقاهرة    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    تراجع كبير بإيرادات أفلام العيد والمشروع x في الصدارة    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجهاز الطبى للزمالك يقترب من الرحيل.. وتغييرات إدارية مرتقبة    أستاذ هندسة بترول: هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها من إيران أو إسرائيل    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    "ليست حربنا".. تحركات بالكونجرس لمنع تدخل أمريكا فى حرب إسرائيل وإيران    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو عبد الله الأحمر ..الملك الذى بكى كالنساء ملكا لم يحافظ عليه كالرجال
نشر في المصريون يوم 10 - 08 - 2012

فى العام 1992 كانت دورة الألعاب الأوليمبية تقام فى برشلونة بإسبانيا، وكان هذا العام يوافق الذكرى الخمسمائة لخروج المسلمين نهائيًا من إسبانيا وغرب أوروبا، فكان قيام هذه الدورة فى هذا التوقيت وفى هذا المكان ليس من قبيل الصدفة، بل هو نوع من الاحتفال بالهزيمة الكبرى التى حلت بالوجود الإسلامى فى أوروبا، وبالنكبة الكارثية التى حلت بديار الإسلام هناك، ووقتها تذكرت عبارة صغيرة، لكنها بليغة، تلك العبارة تقول:
"إبك كالنساء ملكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال"
فهذه العبارة سجلتها صفحات التاريخ المبكى للأمة الإسلامية، وهى منسوبة لأم الملك أبو عبد الله الصغير محمد الثانى عشر، آخر ملوك غرناطة، وآخر الملوك العرب المسلمين فى الأندلس، يوم أن خرج ذليلاً صباح اليوم الثانى من يناير عام 1492، بعد أن سلم ملكة قشتالة المسماة "إيزابيلا" وزوجها المدعو "فرناندو" مفاتيح المدينة، وفارقها مبتعداً عنها هو وحريمه وجواريه، فما إن وقف على ربوة عالية ينظر عاصمة ملكه للمرة الأخيرة التى سلمها للملوك الصليبيين قبل ساعات، حتى ذرفت عيناه بالدموع، فما كان من أمه "الأميرة عائشة" إلا أن قالت له عبارتها المشهورة، التى تقدم ذكرها.
دخل المسلمون الأندلس عام 710م، وكان قائد جيش المسلمين هو طارق بن زياد، أما قائد الحملة فكان موسى بن نصير، ثم تمكن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف ب"عبد الرحمن الداخل" عام 138ه (755م) بمساعدة أخواله فى بلاد المغرب من دخول الأندلس، وأسس بها دولة إسلامية مستقلة خاضعة لحكم الأمويين، حتى أن أبو جعفر المنصور أحد مؤسسى الدولة العباسية وكان من ألد أعدائه أبدى إعجابه الشديد بهذا الشاب العربى الذى استطاع بمفرده أن يؤسس دولة إسلامية فى بلاد الافرنج، وهو الذى أطلق عليه لقب "صقر قريش".
وتتابع ولاة بنى أمية على الأندلس بعد ذلك، حتى انتهى أمرهم عام 428 ه (1036م) ، وبعد ذلك التاريخ انقسمت الأندلس لعدة دويلات قاربت الثلاثين، لكل ولاية أمير وجيش وحياة مستقلة خاصة بها، وعرفوا باسم "ملوك الطوائف"، وشغل هؤلاء الحكام أنفسهم بالرقص والطرب والموسيقى وأنواع المعازف التى تفنن فى ابتداعها اليهود الذين كانوا يعملون من خلف الستار، حتى تآكلت الأركان التحتية للدولة الإسلامية بالأندلس، كما لو أن جيوشاً من السوس قد هاجمت القواعد الأساسية لبناء ضخم وظلت تنخر فيه حتى فصلت جسده عن جذعه، فبات واهناً تسقطه نسمة ريح خفيفة.
تدهورت أحوال الولايات الإسلامية ووهنت أوصالها، ولاقوا من مسيحيى الإسبان المذلة والهوان، فرأوا أن يستنجدوا بالمرابطين فى المغرب، وكان سلطان المرابطين فى ذاك الحين هو القائد العظيم يوسف بن تاشفين، فهب لنجدتهم، وأرسل جيشًا جرارًا عبر البحر بقيادة قائده الكبير داود بن عائشة، وتقابل مع جيش النصارى بقيادة ألفونسو ملك قشتالة، وكانت معركة "الزلافة" الشهيرة التى حقق فيها جيش المرابطين انتصارًا عظيمًا على النصارى عام 449 ه، وهرب ألفونسو بعد إصابته، وتسمى يوسف بن تاشفين بعدها "أمير المسلمين".
بعد انقضاء عهد بن تاشفين، ومرور الزمن، عاد ملوك الطوائف فى الأندلس يتحاربون فيما بينهم، فضعفت شوكتهم وبدأت الولايات الإسلامية تتداعى واحدة تلو الأخرى فى يد النصارى، وبقيت مملكة غرناطة الإسلامية التى أسسها محمد بن يوسف بن نصر، المعروف ب "ابن الأحمر" عام 1228م ، وعلى مدى أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان كان ملوك بنى الأحمر يدخلون فى حروب مع ملوك قشتالة من النصارى الذين كانوا قد أخضعوا بلاد الأندلس كلها ما عدا غرناطة، التى أحاط بها النصارى من كل ناحية، وبدا الأمر للملك أبو عبد الله الصغير أن غرناطة حتما ستسقط، وبالفعل هاجم الملك القشتالى "فرناندو" غرناطة، وضرب حولها حصاراً قاسياً فى مارس 1490، واستمر هذا الحصار لمدة 22 شهراً، لم تكف خلالها مدافع النصارى العملاقة من طراز "لومباردو" الإيطالية الصنع عن قصف المدينة وتدمير منشآتها، وأخذت موارد المدينة المحاصرة فى النفاذ، واشتدت وطأة الجوع على سكان المدينة.
أحاط الأعوان الخونة المرتشون بالملك أبو عبد الله يقنعونه بأنه لا فائدة من المقاومة، وعليه أن يقبل بشروط القشتاليين الذين طلبوا تسليمهم المدينة مقابل تأمين أرواح سكانها، وكان الجيش المحاصر لغرناطة فى ذلك الحين يتألف من المرتزقة الذين اشتراهم اليهود من شتى بقاع أوروبا، وكان اليهود أيضًا هم الذين اشتروا مدافع "لومباردو" وأنفقوا على نقلها من إيطاليا حتى أسوار غرناطة.
انتهى أبو عبد الله إلى أنه لا محيص من تسليم المدينة، ويجب الحصول من فرناندو على الأمان قبل أن يتمكن الجيش من اقتحام المدينة والتنكيل بأهلها، وبدأت المفاوضات بين ممثلى الملك والشعب الغرناطى المسلم من جانب، وبين فرناندو ملك النصارى من جانب آخر، انتهت إلى الاتفاق على أن تسلم غرناطة مقابل تأمين المسلمين فى أنفسهم وأموالهم، وأن يحتفظوا بشريعتهم وقضائهم، وأن يمارسوا كل شعائر دينهم بكل حرية، وأن تبقى للمساجد حرمتها المصونة، وألا يقضى بينهم نصرانى أو يهودى، وجمع الملك أبو عبد الله رجال الدين ورجال الدولة، وناقشوا بنود المعاهدة، وانتهى الجميع إلى الموافقة عليها.
وجاء الصباح الحزين، يوم الثانى من يناير عام 1492 أصدر الملك أبو عبد الله أوامره بالكف عن المقاومة.. وفتحت أبواب المدينة، وخرج أبو عبد الله الصغير يسلم الملك "فرناندو" وزوجته "ايزابيلا"، وبجوارهم الكاردينال الأكبر "خمنيس"، مفاتيح المدينة، وفارق إلى غير رجعة مملكته يبكى كالنساء ملكاً ضاع منه لعجزه عن الحفاظ عليه كالرجال كما قالت له أمه.
دخل النصارى المدينة أفواجاً، يهمهمون بتراتيل مبهمة، وتقدم القساوسة الصفوف وهم يحملون الصلبان، وحل الملك والملكة بقصر الحمراء، وأمر الكاردينال الجنود بمسح كل الآيات القرآنية، ورفع القساوسة صليباً كبيراً من الفضة فوق بوابة القصر، ثم اندفعت جموع القساوسة بعد ذلك خلف الكاردينال إلى المسجد الكبير، وصعد عمال "مدربون" إلى مئذنته يهدمون هامتها، وشدوا بالحبال جرساً ضخماً علقوه داخلها، ثم شدوا صلباناً نصبوها فوق المئذنة وفوق قبابه، واندفعت جموع من جنود النصارى بأمر الكاردينال إلى داخل المسجد، بعضهم توجه لإزالة كل الآيات القرآنية المزين بها جدران المسجد من الداخل، فى حين اتجه عدد آخر إلى مكتبة المسجد يأتون بالمصاحف والأحاديث النبوية الشريفة، وكتب الفقه الإسلامى النادرة ويلقون بها على الأرض حتى شكلت هرماً صغيراً، ثم تقدم الكاردينال بنفسه من أحد الجنود وأضرم النيران فى كومة الكتب الإسلامية النادرة.
ورغم أن هناك قاعدة تقول إن الإسلام إذا حل بأرض فإنه لا يفارقها إلى الأبد، إلا أن الأندلس بصفة خاصة هى الأرض الوحيدة التى شذت عن هذه القاعدة، فرغم أن ملوك النصارى قد تعاهدوا مع الملك أبو عبد الله على تأمين حياة أهل المدينة، إلا أن القساوسة وأهل الكنائس قد نقضوا معاهدتهم مع الملك أبو عبد الله، وقاموا بعملية إبادة غير مسبوقة ولا مثيل لها فى التاريخ منذ فجره.. فلا هم قتلوهم كما فعل التتار، ولا هم طردوهم خارج البلاد كما حدث فى عشرات الوقائع المشابهة، ولكنهم استحدثوا أمراً انفردوا به عما سواهم فى التاريخ، وهو "التعذيب حتى الموت"، فأنشأوا "محاكم التحقيق" التى تعرف عند الغالبية ب "محاكم التفتيش" لأن القساوسة كانوا يقومون بعمليات تفتيش واسعة بين سكان المدينة بحثاً عن المسلمين والعرب، ويرغمونهم على التنصير، فإذا رفضوا يتعرضون لتعذيب بشع لم يسبق للبشرية منذ بدء الخليقة أن شهدت مثله.
فلقد كان يتم حبسهم فى البداية فى سراديب مظلمة رطبة أرضيتها وجدرانها ، وحتى بابها من الداخل تخرج منه مسامير مدببة من الصلب، ثم يتم سحبهم على سحابات خاصة لتمزيق جلودهم، وإلى جانب ذلك كانت توجد "عضاضات" من حديد تعض قطعاً من اللحم وتفصلها تماماً عن الجسد.. وأطواق حديدية ذات مسامير مدببة تحيط بجبهة المعذب ويتم تضييقها عن طريق يد تدير قضيباً لولبياً حتى تدخل المسامير فى رأس المعذب.. وكانت هناك آلات خاصة لخلع الأظافر، وآلات خاصة لسحب "أثداء النساء" من الصدور، وآلات أخرى خاصة بسحب اللسان وفصله من جذره، وآلات لتكسير الأسنان وأخرى خاصة لفقء العيون، وإلى جانب كل هذا كانت توجد أحذية معدنية خاصة تحمى لدرجة الاحمرار وتمسك بمقابض خاصة ويتم تلبيسها للماثل للتعذيب، ويتم إحكام لبسها فى أقدام المعذب الذى يكون أسير قيود خاصة تسلبه أى قدرة عن المقاومة، وكانت هناك قضبان ذات أشكال خاصة وأطوال مختلفة تحمى فى النار ثم يكوى بها المساجين من المسلمين ويتلذذ القساوسة برائحة شواء لحمهم ويستنشقون دخان شواء الجلد بمنتهى التلذذ.
أما أسهل وأرحم طريقة للموت عندهم فكانت عبارة عن خزانة حديدية يقف فيها الضحية وفى بابها ست حراب قصيرة مثبتة، فإذا أغلق الباب بقوة، دخلت حربتان فى عينى المسكين لتنفذا من مؤخرة جمجمته، وتدخل حربتان فى صدره، وأخريان فى بطنه.. وغير ما تقدم كانت هناك وسائل وأساليب أخرى كثيرة ابتكرها الكاردينال والقساوسة لتعذيب المسلمين الأطهار، الذين آثروا أن يتحملوا كل صنوف العذاب هذه والذى لا قبل لبشر به لأنهم رفضوا تقبيل الصليب والانحناء له، ورفضوا أكل لحم الخنزير وشرب الخمر.. لقد ضرب المسلمون فى الأندلس مثلاً لقوة الإيمان ورسوخ العقيدة يعجز القلم عن وصفه، وتمسكوا بدينهم، ولقوا ربهم شهداء مؤملين فى الجنة ونعيمها.
ولم يقتصر أفعال هؤلاء الوحوش على الكبار فقط، بل انطلق المفتشون يمسكون بالأطفال ويعرونهم ، فإذا اكتشفوا فى أحد الأطفال آثار ختان عرفوا أنه "طاهر" وأنه مسلم ، فيقتلوه فى الحال، وامتدت الأعمال الإجرامية إلى حمامات المدينة العامة، وكان عددهم ثلاثين حماماً، فهدموها على مَن فيها، فالحمامات رمز للنظافة والطهارة على عكس ما يسلكون، فهم قوم لا يستحمون كثيراً ولا يتطهرون ويكرهون أن يكونوا كذلك .. حتى مواطنى إسبانيا الأصليين الذين أسلموا، طالتهم الكلاليب الصليبية المرعبة، وقطعت لحومهم، وحرموا التحدث بالعربية والصلاة، وتحجب النساء، وأجبروا من بقى حيًا على لبس القبعات ودخول الكنيسة، وفرضوا عليهم أن تفتح منازلهم فى أيام الجمع لتكون تحت المراقبة تحسباً لأن تقام فيها صلاة جمعة، بل فرضوا أن تهدم الحمامات الخاصة فى المنازل، لتتعطن الأجساد الطاهرة مثلهم، فتفوح منها رائحة الخمور، مع لحوم الخنزير، والمأكولات الزيتية، فيختلط هذا بعرق الجماع الذى لا يغتسلون منه، فيتحرك الفرد منهم وكأنه "جيفة" عليها غطاء أسود.
إضافة إلى كل ما سبق، أصدر فرناندو وإيزابيلا عدة مراسيم للتنكيل بالمسلمين، منها: مرسوم بتاريخ 20 يوليو 1501 بمنع وجود المسلمين فى مملكة غرناطة، وقالا فى المرسوم إن الله اختارهما لتطهير غرناطة من "الكفرة"، وحظر هذا المرسوم على المسلمين أن يتصلوا بغيرهم خشية أن يتأخر تنصيرهم، وحظر عليهم أيضا أن يتصلوا بمن تنصروا لئلا يفسدوا عليهم إيمانهم، وكل من يخالف ذلك فجزاؤه الموت ومصادرة أملاكه.
وفى يوم الثلاثاء 12 فبراير 1502 صدر أمر ملكى يحتم على كل مسلم حر يبلغ الرابعة عشرة من عمره إن كان ذكرًا، والثانية عشرة من سنها إن كانت أنثى، أن يغادر مملكة غرناطة قبل أول مايو التالى.
وفى 12 سبتمبر 1502 صدر أمر ملكى يحظر على الناس التصرف فى أملاكهم قبل مضى عامين، كما حظر عليهم ألا يغادروا مملكة قشتالة إلى بلد مسلم، ولا يغادروا إلا لمملكتى الأراجون والبرتغال.
والثابت أيضا أن الكاردينال الأكبر هذا المدعو "خمنيس" كان يجد متعته فى شم رائحة شواء الأجساد الطاهرة، وفى سماع أصوات تأوهاتهم، ولما ولت أيامه جاء من بعده "ألفونسو مانريك" الذى أصبح كبير المفتشين، وكان شديد التحمس لمقاومة ما كان يسميه بالكفر(!!) ، وكان يرى أن كل مسلم تنصر يعد كأنه قد ارتد إلى الإسلام إذا ما مدح دين محمد عليه الصلاة والسلام، أو قال إن يسوع ليس بإله، وأوجب على كل مسيحى أن يبلغ المفتشين إذا رأى مسلمًا تنصر يقوم بأى عادات إسلامية، ومن ذلك إذا لبس ثيابًا نظيفة يوم الجمعة، أو إذا نطق مقولة "بسم الله" أو إذا رفض أكل لحم الخنزير، أو ختن أولاده، أو سماهم بأسماء عربية (!!) ، أو إذا صام أو صلى أو أقسم بالقرآن... إلخ، فيكون عقوبته التعذيب حتى الموت !!.
كان إحراق المسلمين يتم من خلال طقوس خاصة، فقد كان يتقدم الموكب كاهن يرتدى حلة بيضاء، ويمر أولا أمام عرش الملك، ثم يعود فيقف فى الساحة، ثم يأتى فريق من الكهنة بثياب بيضاء وصلبان سود، ويترنم الكهنة ويمرون أمام العرش، ثم يقفون، ثم يمر فريق من الشعب وهم يرتدون ملابس بيضاء حاملين صلبانا سوداء فيفعلون مثل من سبقوهم، ثم يمر المحكوم عليهم بالحرق وقد غطوهم بالطين والأوحال والقاذورات، فإذا ما وصلوا إلى الساحة أصعدوا إلى أكوام من الحطب، وفى وسط كل كوم صليب مثبت لكى يموت المعذبون وهم ينظرون إلى ذلك الصليب، ثم يتلو رئيس المحكمة الحكم فيقول: إن هؤلاء الكفرة قد استحقوا الحرق لأنهم اتخذوا الشيطان عدو البشر وليًا لهم، لذا وجب عليهم قطعهم وحرقهم عملا بقول السيد المسيح له المجد!!.
ثم يتقدم الكاهن لآخر مرة منهم وبيده صليب من العاج، ويعرض عليهم التوبة وتقبيل الصليب، فمن يأبى ينفذ عليه الحكم، ومن طاوعهم من الرعب وقبل الصليب طلبوا منه بأن يبوح لهم بأسماء غيره ممن يبحث الديوان عنهم، فعندئذ يعاد إلى السجن ليتثبتوا من توبته، وعندما يصدر الأمر إلى الجلادين بإضرام النار، يعلو الصراخ والعويل، وتتصاعد روائح شى لحومهم فى الجو، وتظل النيران مشتعلة فى بعض الأجساد لما يزيد على ثلاث ساعات بلا انقطاع، والشعب المسيحى يرقص فرحًا.. والكهنة يسبحون حولها!!.
استمر ما عرف باسم ديوان التفتيش يمارس أعمال القتل والتعذيب بشتى الطرق التى لم تكن البشرية قد عرفتها قبل هذا الزمن، حتى احتل الفرنسيون إسبانيا فى عهد نابليون عام 1808، وكانت مبادئ الثورة الفرنسية حديثة عهد فى التطبيق، فأمر نابليون فورًا بإلغاء هذا الديوان، لكنه أعيد عام 1814 فى عهد فرديناند السابع، وعاد لممارسة المظالم إلى أن تم إلغاؤه نهائيا عام 1834 بقرار من مجلس النواب.
وصدرت بعد ذلك أرقام عن عدد ضحايا الديوان، منهم أكثر من خمسين ألف قضى عليهم خمنيس، أما ضحايا الديوان فكانوا:
31912 شخصًا أحرقوا فعلا
17659 أحرقت كتبهم ورموزهم وصودرت ممتلكاتهم
271450 أوقعت عليهم عقوبات مختلفة
هجرة أكثر من مليون مسلم
وحينما قامت لجنة فرنسية بمحاولة استقصاء أعمال ديوان التفتيش فى أسبانيا، قالت فى تقريرها عن سجون التفتيش إن مظلمة ليس بها أى فتحات سوى كوة صغيرة جدًا فى السقف، وجدرانها مطلية بالشحم، وتكثر بها آلات التعذيب مثل الأسواط وقطع الحديد الشائك، لجلد المسجونين وإهراء لحمهم، وقدور خاصة لصهر الرصاص وصبه فى عيون وآذان المسجونين، وقدور أخرى لغلى الماء والزيت لنفس الغرض، وتوجد آلات لتكسير العظام وسحق الجسم، وتبدأ بسحق عظام الأرجل ثم الصدر واليدين فالرأس، حيث تأتى الآلة على الجسد كله، فيخرج من الناحية الأخرى مجرد شريحة من اللحم المفروم، ووجدوا آلات لقطع الألسنة، وأخرى لتمزيق أثدية النساء، وقالت اللجنة فى ختام تقريرها المفصل والطويل: إن القلم واللسان ليعجزان عن وصف ما رأيناه من الفظاعة والبربرية التى لا تخطر على عقل بشر، سوى الشياطين الذين قد يعجزون عن الإتيان بمثل هذه الأعمال.
تلك كانت لقطة من زمن مضى رأينا فيها كم من المظالم عاشها المسلمون.. لكن هل كانت محاكم الأندلس هى آخر المظالم التى تعرض لها المسلمون؟.. وهل توقف مسلسل اضطهاد الإسلام والمسلمين؟.. أرى أنها زادت ولكنها تتخذ صورًا مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.