يطل عام 2011 المغربي برأسه وأوراش مفتوحة في ميادين متعدِّدة ومختلفة، لكنها مترابطة، وهي تمُر بمرحلة حرجة أمام اختيارَيْ مواصلة الإنْجاز أو التراجع، ولكل استحقاقاته التي يتحتَّم عليه تقديمها، أو ضريبة لابد من أدائها وآلام لابد من تحمُّلها، خاصة وأن العام الجديد أتى مُحمَّلا - إقليميا - بتطورات غير سارّة أو مُطمئِنة. فقبل أن يمضي عام 2010، وجد المغرب نفسه أمام امتحانات عسيرة تشمل - على الصعيد الداخلي - مواصلة مشاريعه التنموية وتوسيع مساحات الحريات العامة والحريات الصحفية والحفاظ على وِحدته الترابية، وتغطي - على الصعيد الإقليمي - اندلاع الإضطرابات الإجتماعية في تونس والجزائر وامتحان انفِصال الجنوب السوداني. وبالنظر إلى أنه معنِيّ بشكل أو بآخر بهذه الامتحانات، فإن صانع القرار المغربي ينكَبّ على تقييم أوراشه وقراءة الأحداث الإقليمية جيِّدا وبعُمْق، لأن انعكاساتها على المسار الذي انتهَجتْه البلاد طِوال العقد الماضي، لن يكون سطحِيا، بل عميقا وواضحا. مشاريع تنموية مستدامة في مايو 2005، أعلن العاهل المغربي مبادرة التنمية البشرية بمشاريع اجتماعية وإنسانية واقتصادية وثقافية، لمست طوال السنوات السِتّ الماضية مناطِق حضرية أو نائية في هوامش المُدن المغربية، من مدينة الداخلة إلى وجدة ومن طنجة إلى أوسرد. وإذا كانت المشاريع التي أنجِزَت في إطار هذه المبادرة تشكِّل إسعافات أولية ضرورية لانتقال المناطق المُستهدفة نحو التنمية المُستدامة، فإنها لم تتوقَّف طوال عام 2010، حيث انتقل الملك محمد السادس في مُختلف جهات المملكة ليُشرف على وضع حجر أساس مشروع أو تدشين مشروع، وبالتأكيد لا زالت مناطق عديدة في البلاد، خاصة ما يُسمى ب "المغرب النائي"، بحاجة إلى مشاريع مُماثلة لتلك التي أنجِزت، لكن عام 2011 سيكون عام تقْييم شامل للمبادرة ودراسة كيفِية تطويرها ونقلها نحو التنمية المُستدامة. وتبقى الأوراش الأهم في الميدان الاقتصادي، تلك التي استهدفت البنية التحتية، خاصة في ميدان النقل والمواصلات والتكنولوجيا، حيث شهد 2010 تدشين الطريق السيار بين مراكش وأغادير ومواصلة إنجاز طريق فاس - وجدة وتوسيع الطريق السيار بين الرباطوالدارالبيضاء. وفي ميدان النقل الحديدي، أعطت الإشارة لبدء إنجاز ال T G V، الخط السريع الرابط بين طنجة ومدينتَي الرباطوالدارالبيضاء كمرحلة أولى لربط طنجة بمدينة أغادير. كما سيشهد عام 2011 تدشين ميترو الرباط، بعد أن انطلق العمل في العام الماضي بإنجاز ميترو الدارالبيضاء. وفي ميدان النقل البحري، شكل تدشين الميناء المتوسطي، القريب من مدينة طنجة، حدثا اقتصاديا للعام الماضي، ليكون أكبر ميناء في حوض البحر المتوسط. ورشات في الانتظار! في السياق نفسه، فتحت نقاشات العام الماضي الآفاق على أوراش لم تنطلق بعدُ ويُتوقَّع مباشرتها في العام الجاري، مثل ورش إصلاح التعليم وتطوير الخدمات الصحية والإدارة وتطوير الحماية الاجتماعية عبر توسيع شبكة التأمين الصحي والوصول مع النقابات العمالية إلى نهاية الحوار الاجتماعي بما يُُطمْئِن العمال وأصحاب رؤوس الأموال والدولة. وتبيّن أهمية الأوراش، التي انطلقت بعدُ أو التي يُنتظر فتحها، دورها الأساسي في جلب الإستثمارات الخارجية، والعربية منها خاصة، بعد أن حُرِم المغرب بالشكل الذي يمكن أن يستوعِبه من هذه الفرصة عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 والتضييق على الرأسمال العربي في عدد من الدول الجاذبة تقليديا للإستثمار. ويشير خبراء إلى أنه لو كانت أوراش البنية التحتية مُنجزة، لتيسّر تحويل الأموال التي تدفَّقت خلال العام المنقضي على المغرب في شكل دُيون (حوالي 16 مليار دولار) إلى استثمارات مُجدية ومنتجة. وإذا كانت الأزمة التي ضربت الإقتصاد العالمي عام 2009 وقبلها ارتفاع أسعار النفط، قد أرخت بتداعياتها السلبية على المغرب وعطَّلت إنجاز بعض الأوراش وقلَّصت من حجم تحويلات العمال المغاربة في الخارج (المصدر الأول للعملة الصعبة) وهدّدت عشرات الآلاف منهم (العمال) بالعوْدة إلى المغرب، فإن الاقتصاد العالمي، خاصة في الدول الشريكة التي تعني المغرب بالدرجة الأولى، سيبدأ بالوقوف على قدمَيْه خلال المرحلة المقبلة. وبالنظر إلى مستوى ما قدّمته دول عربية للمغرب خلال الأزمة الأخيرة من موارد مالية في شكل مِنَح وقروض (السعودية: 700 مليون دولار، والإمارات العربية المتحدة: 300 مليون دولار، والكويت: 200 مليون دولار) وبحكم الحجم المتنامي للإستثمارات العربية في المملكة، فإن صانع القرار المغربي قد يُقدم على توسيع تحرّكه باتِّجاه المشرق العربي، إذ أنه ورغم الأهمية التي تكتسيها اتفاقية الشراكة المتقدّمة مع الإتحاد الأوروبي، إلا أن لها استحقاقات تجعَل أحيانا من بروكسل طرفا متدخّلا بشكل مباشر في تطوّر الفعل السياسي والاقتصادي والإجتماعي المغربي. قانون الصحافة.. يراوح مكانه على صعيد آخر، يظل الرأسمال المغربي الحقيقي، الذي قدّم نفسه من خلاله أثناء العقد الماضي، متمثلا في ورشة الحريات العامة، خاصة حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وأيضا التعدد السياسي والحزبي. وبعد أن فتح المغرب فضاءه للسّمعي وبانتظار أن يحسم في موضوع فتح الفضاء البصري، ينتظر الصحفيون خروج قانون الصحافة إلى الوجود الذي دخل أدراج الحكومة منذ نهاية 2007 ولم يخرُج منها بعدُ، في الوقت الذي سُجِّل في ميدان الإعلام، إغلاق صحف لأسباب مختلفة وهجرة صحفيين وخوض معارك مع الصحافة الأجنبية، خاصة قناة الجزيرة والصحف الإسبانية. وفي هذا المجال، ترتبط انتظارات الصحفيين بالحوار الوطني حول الصحافة الذي انطلق من تحت قبّة البرلمان في شتاء 2010 ليطلق نقاشا واسعا مع مختلف الأوساط والفعاليات المعنية بالإعلام والصحافة في البلاد. ومن المقرّر أن تُصدِر الهيئة المُشرفة على هذا الحوار خلال الأسابيع القادمة، كتابا أبيض، وإن كان المعنيون يُدرِكون تماما أن إصلاح الإعلام قرار سياسي بالدرجة الأولى. وكانت مواجهات شهِدتها يوم 8 نوفمبر 2010 مدينة العيون، كبرى الحواضر الصحراوية، إثر تفكيك مخيم اقديم ايزيك الاحتجاجي، الذي أقامه السكان الأصليون على مشارف المدينة، للمطالبة بالسكن والشغل واستغلال جبهة البوليساريو لتحرف الاحتجاج الاجتماعي إلى معركة ضد الدولة والوِحدة الترابية المغربية، قد حفَّزت أوساطا سياسية وإعلامية وحقوقية مغربية كثيرة لطرح الأسئلة حول الإعلام المغربي وأثره في إطار النقاش حول كيفية التَّدبير في الملف الإعلامي والدبلوماسي للنِّزاع الصحراوي. فرغم أن السلطات المغربية إنتهجت سلوكا حضاريا وإنسانيا في تفكيك المخيم الإحتجاجي ووضعت خطّة محكمة للحفاظ على أرواح المواطنين في المخيم أو في مدينة العيون وقصرت تسليح أعوان الأمن على خراطيم المياه والواقيات من الحجارة، ورغم أن كل المنظمات الدولية شهِدت للدولة المغربية بهذا السلوك وسجّلت أن عدد الضحايا من قوات الأمن كانوا خمسة أضعاف الضحايا المدنيين (11 رجل أمن منهم من ذبح ومنهم من أسيء لجثمانه)، فإن الأداء الإعلامي والدبلوماسي المغربي، لم يكن بمستوى وكفاءة الأداء الميداني، بل إن الصحافة الإسبانية، وهي مصدر معلومات عن المغرب للصحافة الألمانية والإيطالية وصحافة أمريكا اللاتينية، تبنَّت موقفا مُعادِيا للرباط واستخدمت موادّ صحفية غير حقيقية للإساءة له. في الوقت نفسه، تبنّى البرلمان الأوروبي والبرلمان الإسباني مواقِف مُناهِضة ومعاكِسة لِما قامت به السلطات المغربية في الميْدان، إذ كان مُستغرَبا أن تكون الحصيلة سلبية للمغرب أمام الرأي العام رغم أنه نجح بجُهود حثيثة طوال 2010 من تجاوُز الإنعِكاسات السلبية لقرار إبعاد الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر وتحقيق مكاسب إعلامية بإعلان الناشط مصطفى ولد سلمة ولد سيدي مولود، أحد ضباط شرطة جبهة البوليساريو عن تأييده لمُبادرة الحكم الذاتي، التي يقترحها المغرب كحلّ للنزاع الصحراوي، وإصراره على العودة إلى مخيمات تندوف واعتِقاله من طرف جبهة البوليساريو إضافة إلى الأداء الإيجابي للقوات الأمنية المغربية في تفكيك مخيم اقديم ايزيك. ومن المحتمل أن تكون لهذه الحصيلة غير المرضية تداعيات سلبية على الموقف المغربي في النزاع، الذي يُراوح حلّه في إطار محادثات غير رسمية تحت إشراف الأممالمتحدة، قد تمهد للمفاوضات المباشرة التي لا يظهر أن موعدها قريب. ملف الصحراء.. يُراوح مكانه من المقرر أن تعقد جولتين من المحادثات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو خلال الأسابيع القادمة وستكون أعيُن المتفاوضين متّجهة نحو ما سيجري بالسودان واحتمال تمخض استفتاء 9 يناير عن انفصال الجنوب عن الشمال. وبالرغم من أن حيثيات نزاع الصحراء وتشابكاته الإقليمية والدولية، تختلف كثيرا عن مسألة جنوب السودان، إلا أن مراقبين يُحذرون من أن التحركات الدبلوماسية والإعلامية لخصوم المغرب إذا لم تواجَه بتحركات مغربية موازية لها بالقوة والتأثير، يمكن أن تقلب الإختلاف إلى تشابه وتحاول استنساخها، كما لوحت قبل عدة سنوات بما أسمته "اختيار تيمور الشرقية". وفي هذا السياق، شكل تعاطي الإعلام الدولي والرأي العام في عدد من الدول، بالإضافة إلى مواقف رسمية أو برلمانية من مواجهات مدينة العيون، مادةً لنقاشٍ صاخِب في الأوساط المغربية وتبادل الاتِّهامات وتحميل المسؤولية. ويطرح هذا الملف بكل تشعُّباته على الأحزاب المغربية (سواء كانت ضمن الأغلبية أو المعارضة) تحديات جسيمة، بل أطلقت بعدُ دعوات لإعادة النظر في أدائها على غرار تلك التي صدرت في أعقاب انتخابات 2007 البرلمانية التي تميزت بعزوف كبير من المواطنين عن المشاركة. وفيما قدّر البعض في حينه أن آلة الأحزاب ستعود للحركة في أوساط المواطنين من جديد لإعادة ثقة الجمهور بالفاعلين الحزبيين، إلا أن الساحة الحزبية المغربية استمرت مشحونة بمعاركها الداخلية بل تقهقرت مكانتها في صناعة القرار أو في أوساط المواطنين عموما وهو ما يعني صعوبة الإمتحان الذي ينتظرها خصوصا وأن تشريعيات 2012 على الأبواب ومطلوب منها أن تبرهن للناخب أنها مساهمة بفاعلية في صناعة القرار وفي تدبير الشأن العام أو في طرح الأسئلة، لأن المسألة لم تعُد تعني الحزب وحده، بل الدولة والمجتمع بأسْرِه المُقبِل على خيارات صعبة. فالخيار المطروح الآن ينحصر بين مواصلة إنجاز الأوراش المفتوحة والمرتقبة أو التعثر في خوض معارك وجبهات قد تفتح دون أن تأخذ في الحسبان، إن كانت في مواجهة الإرهاب القادم من دول الساحل أو مواجهة الإحتجاجات الاجتماعية. إنها خيارات، بات يصعب على المغرب تأخير تبني إحداها، لأن ما أنجِز من الورشات التي فُتحت منذ جلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس على عرش أسلافه في صيف 1999، شكّلت علامة إيجابية يتَّسم بها وسُجَّلت له، داخليا ودوليا، والتراجع عنها يهدِّد، ليس فقط تقدّم المملكة، بل أيضا استقرارها وأمنها الذي تبرزه كدولة مختلفة عن باقي دول الإقليم. المصدر: سويس انفو