الحمد لله على نعمة الإسلام ففي ظله يحرم الغدر وقتل النفس وترويع الآمنين. ودعونا نفكر بكثير من العمق الاستراتيجي في أبرز الأهداف التي حققها "انفجار الكنيسة" في مطلع العام الجديد، فبمعرفة معالم الاستفادة من تبعات الانفجار، يمكن ملامسة بصمات دائرة التخطيط شديدة "الدهاء السياسي"، و"النفوذ الاستراتيجي"، و"التشابك المصلحي"؛ ودائرة التنفيذ شديدة "الاحتراف الفوضوي"، و"الانتشار الأخطبوطي". على المستوى المحلي أفاض كثير من المحللين الاستراتيجيين في "ثمرات الانفجار"، من رسالة ببدء عهد جديد من الفوضى المحلية، والتصعيد الموجه، في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للمستقبل السياسي لمصر، ومع بداية ملامح الحملة الرئاسية التي بدأت من "الجنوب المصري" حيث زيارة الرئيس ل "أسوان" قبل ساعات من الانفجار؛ في أعقاب زيارته ل"جنوب الجنوب" قبل ساعات أكثر قليلاً، مروراً بقفزات "السائحين على الكوارث"، قفزات عقدية وسياسية واجتماعية مصحوبة بمحاولات دفع النظام في هوجة الانفجار إلى "رفع السقف"، و"تصفية الخصوم" بحسب أهواء محترفي القفزات، انتهاءً بشغل كافة دوائر التفكير داخل النظام وخارجه في الحادثة، مع التأهب لكافة الاحتمالات المستقبلية، وهذا بدوره يجرنا إلى البحث عن أهداف "صرف الذهن" الموجه بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت. على المستوى الدولي ففي تصوري أن أهم استفادة تحققت من "انفجار الكنيسة" هي صرف المجتمع المصري بكافة أطيافه، ومؤسساته وأجهزته عن "مصيبة" انفصال "الجنوب السوداني". فدعونا نتخيل ونتساءل لو لم يحدث "انفجار الكنيسة"، ما هو شكل المجتمع المصري في الأسبوع المنصرم، والسابق للتصويت على انفصال "الجنوب السوداني"؟. في هذا الأسبوع وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي كان متوقعاً لتفكير كافة الدوائر المصرية أن يكون موجهاً صوب السودان، بما يحقق المصالح المصرية والسودانية في مسألة الجنوب، ولكن "انفجار الكنيسة" صرف أذهان أكثر الدوائر عن ذلك، لأن "سلم الأولويات" تبدل فجأة وحدثت أزمة محلية طارئة، وبالتالي إدارة الأزمة الدولية، وصفاء أذهان متابعيها، لابد أن يتأثرا بهذه الهزة العنيفة المفاجئة. أما على المستوى الاجتماعي فنلحظ أن هناك بيانا قد صدر من أكثر من 70 عالم من كبار علماء الأمة على رأسهم الشيخ القرضاوي، يحرمون فيه التصويت على الانفصال، وهذا الحكم والتوجيه الشرعي من قبل العلماء الثقات كان من شأنه أن يجعل الإعلام في معظمه موجهاً صوب التحفيز على عدم الانفصال، والمسار الذي كان متوقعاً أن التصعيد الإعلامي كان "سيوجه" تبعاً لهبة الغضب ضد الانفصال، والنظر إليه على أنه قضية "أمة" تتعرض للتفتيت. وبالتالي كان هناك تخوفاً من حدوث "تعبئة" شعبية مصرية، تتبعها تعبئات شعبية عربية ضد الانفصال. تعبئات مصحوبة بمظاهرات ميدانية تدعوا وتلح على الأخوة في السودان بعدم التصويت للانفصال، وتبصرهم بمخاطر الانفصال عقدياً، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، واستراتيجياً، وعلى أثر ذلك يحدث نوع من التعبئة السودانية، والشحن الشعبي ضد الانفصال، وقبل أيام قليلة من الانفصال. وهذا من شأنه التأثير على مسار الانفصال بعكس رغبات مخططي الانفصال ودائرة تنفيذه. ولكن جاء "انفجار الكنيسة" ومنع كل ذلك، فوسائل الإعلام جميعها منشغلة عن الانفصال بالانفجار، والشعب المصري منشغل بالانفجار، حتى بحثه في "قناة الجزيرة" هذا الأسبوع كان بهدف تتبع الجديد حول المسئولين عن الانفجار، وحيث أنه لم تعلن جهة بعد مسئوليتها عن الانفجار، فأي معلومة إعلامية جديدة سيكون مصدرها جهات التحقيق المصرية، وبالتالي فالجزيرة نفسها ستنقل الجديد في هذه القضية عن وسائل الإعلام الرسمية المحلية، إذن فتأثير الإعلام والتفاعل معه هذا الأسبوع فيما يخص الانفصال كان يعتبر خارج حسابات معظم المصريين، بما فيه قناة الجزيرة. أما عن حاملي هم الأمة مستوعبي القضية من "المتدينين" بما فيهم الأزهر الشريف وعلمائه، فقد فرض عليهم الانفجار الوقوف في دائرة المستنكر، بل والمدافع أحياناً عن نفسه، والمبرئ لساحته من هذه "المصيبة"، وتلك "البلوى"، وبالتالي فإن وضع البلد الساخن جداً، وترقب وانشغال وقت العلماء والمتدينين بالدفاع والاستنكار، كل ذلك حال هذا الأسبوع دون التوعية بخطر الانفصال، وكذلك النزول للشارع والسير في المظاهرات السلمية المنددة بالانفصال، وعليه تم إخراج علماء الأزهر والمتدينين من ساحة إدارة أزمة "الجنوب السوداني" في هذا الأسبوع، ب "انفجار تخديري". وقد تحقق المراد فمر "الأسبوع الحساس" بسلام على دائرة "منفذي الانفصال"، بعد أن نفذ "منفذي الانفجار" جريمتهم باقتدار، وحققت "حقنة التخدير" هدفها فتخدر المارد المصري بمتدينيه أسبوعاً كاملاً، أحسب أنه لو كان متيقظاً فيه لتبدلت لعبة "الجنوب" كثيراً، وأعتقد أن الأشقاء في السودان لو فهموا الأحداث بهذا السياق سيكون لهم موقفاً مختلفاً إزاء التصويت على الانفصال غداً الأحد التاسع من يناير بإذن الله.