في عصر الجراح العربي الملبد بسحب العنف ، والتشرذم ، يأبى الإنسان العربي المعاصر إلا أن يعيش فيه دامي القدمين ، محدودب الظهر ، مكباُ على وجهه ، وماذلك إلا للشوق المزروع في طريقه .. وعلى حد قول الشاعر العربي . فلو كان " شوكاً " واحداً " لاحتملته " ولكنه " شوك" وثان وثالث فقد كتب على الإنسان العربي اليوم أن يسير على الشوك ، في أرض خصبة ، تحفها الأنهار والبحار وتزينها الواحات والبساتين ؛ غير أن هذه الخصوبة الطبيعية المتفجرة جنات ، وأنهار وحقولاً ، قد كانت هي جالبة الشؤم لأهلها ، ونذير السقم لم أوكل إليهم مصير حكمها . محنة الوطن العربي ، تكمن في هذه الكنوز التي تموج بها أرضه ، مشرقا ًومغرباً فيسيل لها لعاب الطامعين ويشد الرحال إليها شرذمة من المغامرين على ظهر الدبابات والبواخر ، يسومون أهلها سوء العذاب ويملأون من خيراتها البنوك والوطاب ؛ ولا من حارس يذود عن حياضها ولا من حاكم يدافع عن حدودها وأعراضها . مأساة وطني ، مأساة مزدوجة ..فبلاده محتلة الحقول والعقول ومكبلة من حيث المواطن والمسئول فالكل أصابته الإعاقة ، فأصبح مشلول الإرادة ،معطل الطاقة . فأنى أدرت وجهك في أي جزء من الوطن العربي صدمتك هذه الصور البالغة القتامة التي يرسل بها الى العالم في شكل صوت متهدج مبحوح ، ولا أحد يسمعه ، ولا أحد على استعداد لنجدته ونصرته . تباً له من وطن يعبث فيه العابثون ، ويعيثوا فيه فساداً الدخلاء وعملائهم الحاكمون ، وطن تعطلت فيه الإذاعة والإرادة ، واستبيحت فيه الإمارة و السيادة ، وسلبت من أهله مفاتيح العبادة والقيادة . ففي العراق ، زرعت الأرض بشوك العمالة والطائفية والمذهبية فسالت دماء أبناءه أنهاراً ، ودموع نساءه أمطاراً . لقد ضعف الطالب والمطلوب في العراق لأن الأمر لم يعد بأيدي أبناءه وإنما آل إلى أيدي أعدائه و عملائه . وتدور آلة الموت ، ليلاً ونهاراً ، ولا أحد من بلاد العرب يحرك ساكناً ، بالرغم من مواثيق الجامعة العربية والتضامن العربي . وتعقد القمم ، وتستنهض العزائم والهمم وكأن القوم دبت إليهم الشيخوخة و الهرم ، فلا مجرد صوت ، ولا عبارة من قلم . وفي فلسطين يدفع الممثلون الذين اختارهم الشعب الفلسطيني ليديروا دفة أموره يدفعون ثمن الانتصار ، فيتحالف ضدهم العدو مع الأخ والجار ، و ياللعار!!! . أئذا وقف الفلسطيني منتصب القامة شامخ الهامة ، معلناً في إصرار وإباء ، أن لا تحالف مع الأعداء إلا بالوفاء للشهداء ، يتصدى له أخوه في الخندق ليطعن ظهره ويستعدي عليه الأعداء ليحكموا في القيد أسره ، ويعظموا في المحنة وزره ؟ . أئذا انهزمت حكومة حماس في فلسطين يمكن أن تنعم فتح بالأمان ، والجبهة الشعبية بالاطمئنان ؟ أيها الفلسطيني أن اليهود وحلفائهم عاقدون العزم على قتلك وختلك بحرمانك من مالك وهو حقك وتجويعك في أرضك وفي ذلك حتفك . أرأيت كيف أن أرحام اليهودية النصرانية قد تعاطفت فتنادت لضرب الحصار على الحكومة الفلسطينية قبل البداية وإعلان قطع كل مساعدة عنها إمعاناً في الإذلال والنكاية وما ذلك إلا لأن حماس قد هانت على فتح وعلى الجبهة الشعبية وهما شقيقتاها فهانت بالطبع على الحليفة الكبرى الأمريكية والحليفة الصغرى الأوروبية . فكلهم يزرعون الأشواك في طريق الحكومة الوطنية الفتية ، حتى يفقدوها مصداقيتها أمام الجماهير الشعبية ،ويومئذ يفرح الأعداء والأخلاء لا قدر الله بهزيمة الحكومة الجهادية الفلسطينية. إنها ضريبة النصر ، وإنها أشواك الخيانة والغدر ولكن بشر الصابرين بعواقب الصبر وبشر الغادرين ، والمتخاذلين ، والحاقدين بلعنة العصر في آخر الأمر . وهذا السودان الطريح الجريح الذي تكسرت في كيانه نصال التآمر والإنفصال وعدت عليه عواصف الفرق والإقتتال ، أما آن له أن يضمد جراحه ويودع أتراحه ويستعيد أعياده وأفراحه؟ لقد نصبت له شباك التناحر بين الأحزاب ، وفخاخ التنابز بالألقاب وفتنة الجلوس على الكرسي ولو بالحراب والخراب . لم تجدي السودان مايبدي من المرونة والتنازلات في المفاوضات ، ولا الهرولة نحو الإعداء بإثبات حسن النية في التصريحات . فبعد العراق وفلسطين ، جاء الدور على السودان ، لتجسيد المخطط الإستعماري اللعين . ولقد وجد الطامعون في السودان القابلية الداخلية من أبنائه اللذين وطدوا له أكناف الحدود وزرعوا نيابة عنه ألغام التفتيت والتقسيم لتحقيق الحلم الإمبريالي الصهيوني الموعود . فهل يترك السودان وحيداً في حرب الدفاع عن حدوده وبنوده ؟ أليس من حقه على أخيه العربي أن يضمد جرحه النازف ، وأن ينصره في المحافل ضد فرض القرار الحائف ؟ لقد تكاثرت السهام على الجسم العربي الهش ، ولا ندري ماذا تطالعنا الأيام به من فصول الخداع الدولي ، في مسرحية البطش والغش . فكثيرة هي البلدان المرشحة للمؤامرة والمغامرة. وأعراض الختل والكيد كشرت عن أنيابها ، وإنها لمجرد قضية أولويات . فهذه سوريا وهذه الصومال ومن يدري ، فقد تكون مصر أو ليبيا أو الجزائر أو غيرها ؟ .وويح القدم العربي من الأشواك المبثوثة ، والقنابل والألغام الموقوتة فالغرب الصليبي الإيديولوجيا ، الصهيوني المال والتكنولوجيا عاقد العزم على إدخال كل بلد عربي إلى بيت الطاعة والإعتراف بإسرائيل بشروطها لا بشروط ذوي الحقوق ومن قال برأسه كذا ، قالت له أمريكيا وحلفائها بقمعها وبطشها كذا . تعددت الاشواك إذا في ربوع وطننا العربي فهناك شوكة الولاء السياسي ، وهناك شوكة التقاتل على الكراسي ، وهناك شوكة النعرات الطائفية والفتنة المذهبية والمكيدة اللغوية و التنظيمات العشائرية وكلها مقدما للكيد ، ووسائل للصيد . إن المرأ ليحار أمام الخارطة العربية المستقبلية الموعودة . ويجب أن يكون الإنسان كاهناً أو نبياً ليتنبأ بحقيقة ما يعد وما سيتحقق .ومهما يكن فإن من أولويات الأولويات عندنا أن لانبقى مكتوفي الأيدى حتى لانبتلع فيجب التصدي لحماية الشرف المهدد وصد العدوان المهدد وإنقاذ الأوطان من الغزو المؤكد ولنترقب ما سيمطر به جو السحاب الملبد . E-Mail : [email protected]