نتيجة للصراع المستمر والمفتعل بين أمريكا وإيران لرغبة أمريكا فى منع دولة إسلامية من إمتلاك الطاقة الذرية بحجة إمكانية تحويلها فى المستقبل للجانب العسكرى وما يمثله هذا من خطر ليس على أمريكا وإنما على ربيبتها إسرائيل ، أظهر إستطلاعا أجرتة جريدة دنيا بولنتى الإلكترونية التركية فى مطلع هذا الشهر أن نسبة 76% من الأتراك يؤيدون إمتلاك بلادهم للسلاح النووى. بداية لا بد وأن نذكر بأننا نفهم وندرك كون السلاح الذرى يمثل ردعا لا نظيرله فى حماية البلاد من أى إعتداء شامل .ونفهم كذلك المخاوف التى تدفع إيران للسعى لإمتلاك الطاقة الذرية بعد إحتلال وغزو العراق المجاور لحدودها جهارا نهارا أمام هيئة الأممالمتحدة وبمباركة من مجلس الأمن الدولى.لكن الشىء الأخر الذى لا يجب اغفاله فى هذه المسألة المهلكة للأموال أن إمتلاك الطاقة النووية شىء وصناعة السلاح الذرى شىء أخر ، لأن هناك دولا فى عالم اليوم تستخدم الطاقة النووية فى الأغراض السلمية منذ سنوات طويلة ولم تمتلك بعد أسلحة ذرية رغم قدرتها المالية.وما حدث فى باكستان ومخاوف الأمن القومى من جارتها الهند التى امتلكت السلاح الذرى دفعها لامتلاك نفس السلاح من باب الردع يمكن فهمه رغم تحفظاتنا عليه فى دولة إسلامية لم ترتق بعد فى مستويات الحياة وقد ثبت هذا بارزا من أحداث زلزال كشمير العام الماضى وكيف نام الضحايا لأيام فى العراء تحت الثلوج والأمطار ينتظرون شربة ماء أو لقمة عيش من الغريب. ما حدث فى باكستان من هلك لأموالها البسيطة لا يختلف عن ما يمكن أن يحدث بإيران أو تركيا فى السنوات القليلة القادمة.إن مخاوف وهواجس حماية الأمن القومى التى تحركها أصابع خفية خارجية على رأسها الصهيونية العالمية تدفع الحكومات التركية والإيرانية وغيرهما من التوجه ناحية مسعى امتلاك الأسلحة الذرية.إن امتلاك الأسلحة الذرية لا يقف عند مسألة ردع الأعداء الذين يمتلكون سلاحا ذريا كما هو الحال مع دولة الكيان الصهيونى التى امتلكت السلاح الذرى بمساعدة أمريكا لتهدد به العرب، بل هناك البعد الإقتصادى للمسألة الذى ينعكس بدوره على الحياة الاجتماعية للشعوب الإسلامية، بمعنى أن الامتلاك للسلاح سيكون على حساب تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تعانى قصورا شديدا فى عالمنا الإسلامى. إن تركيا بعد إنتهاء الحرب الباردة عام 1991 لم تعد مهددة بأى حال كما يزعم مارك جروسمن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية أمام مجلس العلاقات التركية – الأمريكية المشترك الذى عقد إجتمعات له بواشنطن مؤخراً بمناسبة مرور 25 سنة على تأسيسه.لقد أنفقت تركيا كثيرا من أموالها طوال حقب الحرب الباردة بين 1952-1991 على حساب التنمية ومستويات حياة الفرد فيها بوهم إمكانية تعرضها لاجتياح سوفيتى وأنها لابد أن تكون قوية كجبهة أمامية تقع على الحدود مع الرعب السوفيتى. اليوم يعود سيناريو أخر يكمل السيناريو القديم بتبديد أموال تركيا بإدخالها فى سباق نحو امتلاك السلاح الذرى ، وذلك عبر فخ ومزامع سعى إيران لامتلاك هذا السلاح المدمر للإنسان والزرع والحياة.إن تركيا كقطعة عزيزة من الجغرافيا الإسلامية نأمل أن لا تقع فى هذا الفخ وهى الدولة التى لازالت مديونة لصندوق النقد والبنك الدولى بما لا يقل عن 300 مليار دولار.لقد أدركت أمريكا ودولة السوفيت الغابرة فى السبعينات خطورة هذا السباق وهلكه الشديد للمال سواء بإنتاجه أو بحمايتة أو معالجة نفاياتة ثم هلكه المال عند التخلص منه فيما بعد.من ثم وقعا على إتفاقيات الحد من الإسلحة الذرية. ولعلنا نتذكر فاجعة انفجار مفاعل شرنوبيل الأكرانى القريب من الحدود الشمالية التركية وما نتج عنه من مخاطر لعدم وجود الأموال الكافية للصيانة المستمرة والتدابير الاحترازية لحماية البيئة والإنسان والأحياء.ثم إذا كان نهاية المطاف هو التوقيع على إتفاقية لتفكيك هذه الأسلحة والتخلص منها كما حدث مع أمريكا وروسيا، فما الذى يدفع الدول الإسلامية ومنها إيران وتركيا لهدر أموالهما بعيدا عن قضايا التنمية والإرتقاء بالتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعى ؟! إن مؤشرات الاستطلاع التركى المذكور المؤيدة لإمتلاك تركيا السلاح الذرى تثير القلق على برامج التنمية وتحسين ظروف الحياة والوصول يوما لمستوى راق ورفاهية ينعم فيها الإنسان بنعم الكون.إن السلاح النووى وإن كان رادعا ورهيبا كما أطلق عليه تعبيرات مثل " إستحالة النصر" أو " تقبل الضربة والرد عليها دون خسائر " أو " تحقيق نصر لطرف على الأخر" من طرف عباقرة الحرب والعداء للإنسانية فى الغرب الذين أنتجوا هذا السلاح الخطير.إلاّ إننى لازالت أتذكر لليوم صدمتى ودهشتى الكبيرة فى عام 2000 حين اطلعت عن قرب على مستوى الحياة فى دولة مثل آذربايجان كانت بالأمس القريب بين دولة الإتحاد السوفيتى.إن مثال آذربايجان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمنستان وقازاقستان التى تكابد شعوبها اليوم الأمريّن لأجل لقمة العيش وليس الرفاهية بعد هدر أموالهم ضمن برامج التسلح السوفيتى.هذه الأمثلة الحيّة والماثلة أمام العيون تعد درسا وعبرة للدول الإسلامية الأخرى لفهم مخطط الخارج لإدخالها حلبة جهنمية لإهدار ما لديها من أموال خصوصا وأن الذى سيبيع لها سرا أو علنا مكونات هذه الأسلحة هى روسيا وأمريكا عبر الأصابع الجهنمية المحركة للخيوط من وراء الستار.إن شعوبنا عامة وفى تركيا وإيران أيضاً بحاجة للتعليم القوى والرعاية الصحية والتأمينات الإجتماعية ورعاية اليتيم والمحتاج والفقير وللرقى فى مستويات الحياة والخدمات والنظافة العامة ومياه الشرب والكهرباء لكى يمكن صنع مستقبل أفضل من وضع اليوم. أخيرا أقول لا نريد أن نبدأ من حيث بدأ الطرف الأخر ولكن نريد أن نبدأ من حيث إنتهى هذا الطرف، وتذكر حكمة أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. كاتب وصحافي مصري يقيم في تركيا [email protected]