كنت أود أن أكتب اليوم عن المصلح الديني الكبير البابا ماكسيموس، غير أن الحادث الإجرامي الذي تعرضت له كنيسة القديسين بالإسكندرية، دعاني إلى أن أكتب هنا تعليقا ضروريا عليه، إذ أن ما جرى منتصف ليل أمس، يعد عملا إجراميا غريبا على الشعب المصري، وعلى طبيعته السمحة ومزاجه المعتدل، حتى أنه لم يُسجل حادث في مثل عنفه ودمويته خلال سنوات المواجهات المسلحة بين الجماعات الاسلامية التي انتهجت العنف والدولة في تسعينيات القرن الماضي. هذا العدوان لا يمكن أن يكون صناعة مصرية، إنما صنعته أياد آثمة، لا تريد خيرا ولا أمنا ولا سلاما ولا مستقبلا لمصر.. ما حدث لم يكن عدوانا على كنيسة وإنما على مصر كلها بمسلميها وأقباطها. نحن هنا في "المصريون" ندين مثل هذا العمل ولا نقبله ولا يمكن أن يُبرر تحت أي مسوغات مها كانت واجهتها.. صحيح توجد مشكلة والملف الطائفي في مصر، يحتاج فعلا إلى إعادة معالجة، وإلى عقل وعقلاء في الإدارة السياسية والقيادات الدينية معا ، ولكن لا يمكن أن تكون بلغة الرصاص وقنابل المولوتوف والسيارات المفخخة، فالخلافات لم تصل، ولن تصل يوما ما إلى مثل هذا العنف، فما يجري من احتقانات طائفية، ليس جديدا، بل إنه كان حاضرا بدرجات متفاوتة من مرحلة لأخرى، غير أنه كان مستقرا عند حدود السيطرة والتغلب عليه بالعقل والمنطق وبالحوار داخل الجماعة الوطنية المصرية. ربما توجد خلافات عميقة مع قادة الأقباط الدينيين، بشأن ما يسمى ب"حقوق الأقباط"، غير أن هذا الخلاف، ظل ولعقود طويلة، موضع التعاطي المسئول من النخبة المصرية، حيث يُطرح على النقاش العام وبلغة وخطاب يراعي فيه كل طرف المشاعر الدينية والروحية للطرف الآخر.. وربما أيضا ظلت بعض المشاكل الطائفية معلقة، وتتوارثها الأجيال المصرية المتعاقبة، ولكنها في النهاية تظل محصورة داخل خطاب عقلاني و غضب مشروع هنا أو هناك لا ينزع نحو التطرف أو الاستفزاز إلا ما ندر وكان من قبيل الاستثناء لا القاعدة. التوتر الطائفي في السنوات الأخيرة، رغم أن من شأنه أن يثير القلق على مستقبل الاستقرار في مصر، إلا أنه بالاحتكام إلى منطق "التداول"، هو سليل مرحلة تاريخية استثنائية، ووليد محنة وعي عامة، كانت الكنيسة والدولة معا جزءا منها، ومن المتوقع أن يختفي بالتدرج مع أية تغييرات سياسية كبيرة من جهة وكنسية من جهة أخرى قد تعيد للدولة هيبتها ومكانتها المركزية لدى كل المواطنين المصريين. وانني على يقين بأن حادث الاسكندرية الدامي والارهابي، لن ينسف جهود الاتجاهات الوطنية التي تتميز بالاخلاص والنقاء والتي ما انفكت تناضل من أجل وحدة نسيج هذا البلد والحفاظ على هويته الوطنية التي يستظل بها الجميع مسلمون واقباط .. واصطفافهم في خندق واحد ضد الهوس والتطرف الطائفي غير المسئول أيا كان مصدره [email protected]