حينما يريد (مصري) أن يبعد عن نفسه أمام محدثه شُبهة التخلف أوعدم الفهم أو الحرفية , فيقول له مستدركا بالعامية المصرية ( انت فاكرني هندي ؟) .. وقد استوقفتني هذه العبارة لأبحث وانقل من الموسوعة الحرة وغيرها بعض المعلومات عن الهند , فوجدت أن المثل المصري الشائع أبعد ما يكون عن الحقيقة .. فالهند بلد متعدد جدا (الديانات والثقافات واللغات والاعراق) ,عدد الأديان في الهند أكثر من 1500 دين وأشهرها الهندوسية., ويأتي السيخ والمسلمون والبوذيون بعد الهندوس من حيث العدد سابع أكبر بلد من حيث المساحة الجغرافية، والثانية من حيث عدد السكان (حوالي مليار وربع نسمة) ..
الاستقلال 1947 استعُمرت الهند من قبل المملكة المتحدة في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وأصبحت الهند دولة مستقلة في عام 1947 ( بداية خروج الانجليز من مصر 1952) بعد حركة الكفاح من أجل الاستقلال بقيادة أشهر زعماءه (غاندي) وهو الرجل علم الدنيا بأسرها أرقى معاني المقاومة السلمية حتى حظى باعجاب واحترام المحتل البريطاني نفسه !! الاقتصاد تمتلك الهند ثاني عشر أكبر اقتصاد في العالم في سوق صرف العملات ورابع أكبر قوة شرائية في العالم, اتبعت الهند نظاما اشتراكيا ( من 1950 : 1980), ثم تحولت تدريجيا الى نظام السوق, وقد حولتها الإصلاحات الاقتصادية منذ عام 1991 الي واحدة من أكبر الاقتصادات نموا, لكننا نتستطيع أن نصف الشعب الهندي (إجمالا) بأنه شعب فقير . القوة العسكرية تحتفظ الهند بثالث أكبر قوة عسكرية في العالم، وقامت بتطوير الأسلحة المعقدة والمعدات العسكرية محليا، بما فيها الصواريخ البالستية، وطائرات مقاتلة والدبابات الرئيسية الحربية لتقليل اعتماد الهند علي الواردات الأجنبية, وقد أصبحت الهند قوة نووية في عام 1974 بعد اجراء تجربة نووية أولية ( عملية بوذا المبتسم) وأجرت مزيد من التجارب تحت الأرض في عام 1998. احتفظت الهند بالسياسة النووية " عدم البدء بالاستخدام"و وقد أصبحت الهند بحكم الواقع سادس أكبر قوة نووية في العالم.. الديمقراطية الهند هي جمهورية تتكون من 28 ولاية وسبعة أقاليم إتحادية مع وجود نظام برلماني ديموقراطي, لم يمنعها الفقر أو تعدد الأديان والثقافات واللغات والأعراق أو زيادة عدد السكان أن تكون بلدا ديمقراطيا بامتياز !! العقل الهندي تعتبر قصة نجاح الهند وتقدمها الكبير في مجال تقنية المعلومات والبرمجيات قصة جديرة بالتأمل والاعتبار, فقد رصد اتحاد شركات البرمجيات الهندية «ناسكوم» قيمة صادراتها إلى جميع أنحاء العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة وأوروبا، حوالي خمسين مليار دولار عام 2008 ، بينما كانت عام 2002 حوالي الستة مليارات,ونجحت الهند في بناء صورة لها كمُصدٌر أول لمحترفي تقنية المعلومات في العالم.كما اصبحت المقر الرئيس لعمليات الدعم الفني لشركة اوراكل العملاقة، كما يجري فيها قسم كبير من عمليات التطوير، بل تعتزم الشركة نقل خدمات أخرى تابعة لها إلى الهند .ويساهم قطاع الخدمات بنحو 51 في المائة من الدخل القومي، في حين يشهد قطاع تصدير البرمجيات نمواً سنوياً يتراوح بين 40 إلى 50 في المائة، إلى الدرجة، التي جعلت الهند تتبوأ المكانة الثانية في العالم في تصدير البرمجيات، وسط ظهور متزايد لشركات عملاقة فيها مثل (ويبرو)، و(إنفوسيس) .. حين نرى هذا النجاح الهندي فلا يمكن فصله عن وجود (نظام سياسي مستقر وحكومات ديمقراطية، تشجع وترعى تطور صناعة البرمجيات والاتصالات كما تمنح الدولة إعفاء ضريبياً لمدة عشر سنوات للشركات العاملة في البحث العلمي). حين ننظر الى تاريخ الاستقلال (1947) وعدد السكان الكبير, وتعدد التحديات الداخلية والخارجية , فقد كان من الممكن أن نعتبر هذه كلها معوقات ومبررات كافية لعدم النهوض أو الاستبداد, لكن ما حدث هو العكس !. فما الذي أعجزنا عن تخطى ما قد اعتبرناه معوقات , برغم أن غيرنا لديه مما نعتبره نحن معوقات أضعافا مضاعفة ؟. لقد أخبرني أحد المبرمجين المصريين المقيمين خارج مصر( يتعامل مع الهنود ويتدرب عندهم في الهند ) أن أكبر بنود الدخل القومي الهندي يأتي من البرمجة ( soft ware) .. با ختصار شديد : إن أكبر دخل قومي للهند يأتي من ( عقل الإنسان الهندي) !! يبدو أنه لا يمكن للعقل أن يُبدع هكذا إلا في مناخ من الحرية والديمقراطية والشفافية ؟؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.