قصة نجاح الهند وتقدمها الكبير في مجال تقنية المعلومات والبرمجيات نموذج يحتذي به؛ حيث يتوقع اتحاد شركات البرمجيات الهندية ناسكوم أن تبلغ قيمة صادراتها إلي جميع أنحاء العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة وأوربا، نحو خمسين مليار دولار عام 2010، بينما بلغت عام 2002 نحو الستة مليارات؛ يضعنا ذلك أمام تساؤل: لماذا تقدمت الهند وتخلفنا نحن كعرب في هذا المجال؟ رغم أن الهند تعد من الدول النامية الفقيرة، ولا تملك من الإمكانات المادية مثلما نملك، وصورتها بشكل عام في العالم العربي مقترنة بالتخلف، خاصة في الخليج العربي، حيث تنتشر العمالة الهندية بشكل كثيف وتعمل في المهن الوضيعة لقاء أجور زهيدة. لكن للهند الآن وجه آخر وصورة جديدة بدأت تظهر منذ عقد التسعينيات، فهي (وادي سيليكون) جديد، جنوبي آسيا، إذ تستقطب الهند صناعة تقنية المعلومات بشكل متزايد، وقد تحولت مدينة بنغالور الهندية إلي معقل عالمي لهذه الصناعة، استوطنت فيه كبري الشركات العاملة في هذا الحقل علي مستوي الأرض، وبرعت فيه شركات محلية أيضاً. ويري العرب اليوم، بما في ذلك منطقة الخليج التي تتطلع إلي مواكبة ثورة المعلومات والإفادة منها، أنّ للهند وجهاً آخر سبق إلي المنافسة، تجدر قراءة تجربتها، مادامت تقع في الجوار الخليجي، وكونها أمة نامية أيضاً. وفي المحصلة، تكون الهند قد نجحت في بناء صورة لها كمصدّر أول لمحترفي تقنية المعلومات في العالم. عُرفت الهند بدءاً من خمسينيات القرن الماضي بكونها مصدراً أساسياً لخبراء الحاسب في العالم، وشجع انخفاض الأجور، وتواضع تكاليف المعيشة فيها، وانتشار اللغة الإنجليزية، الكثير من الشركات الأجنبية، ليس فقط علي الاستعانة بشركات هندية لأداء خدمات التطوير الخارجي، ولكن أيضاً علي افتتاح فروع كبري لها في الهند، تضم آلاف الموظفين لأداء هذه العمليات. ويبدو أنّ تنامي هذه الصناعة في الهند بأشكالها المختلفة، وانتشار الخبراء الهنود حول العالم، أصبح يشكل تهديداً لسوق العمل لإخصائيي تكنولوجيا المعلومات في بلد كالولاياتالمتحدةالأمريكية، الأمر الذي دفع ممثل ولاية نيوجرسي في مجلس الشيوخ، لاقتراح تشريع يمنع علي غير مواطني الولاياتالمتحدة، أو الذين لا يملكون رخصا للعمل، أن يعملوا في بعض مشروعات تقنية المعلومات. وقد أعلنت شركة أوراكل العاملة في قطاع تقنية المعلومات في يونيو الماضي عن عزمها مضاعفة عدد موظفيها في الهند من ثلاثة آلاف إلي ستة آلاف خلال سنة واحدة، ويأتي ذلك منسجماً مع كون الهند هي المقر الرئيس لعمليات الدعم الفني لهذه الشركة العملاقة، كما يجري فيها قسم كبير من عمليات التطوير، بل تعتزم الشركة نقل خدمات أخري تابعة لها إلي الهند، بما في ذلك المحاسبة الداخلية. ولكن ما العوامل، التي تقف وراء تفوق الهند في صناعات تكنولوجيا المعلومات وخدماتها، بحيث أصبحت الآن الدولة الأولي في خدمات التطوير الخارجي Outsourcing؟ هذا موضوع مقال قادم بإذن الله ...