أرسل لي أحد المحررين الكرام من موقع "أون اسلام" بضعة أسئلة ضمن حوار تشرفت به, وقد تصدره السؤال التالي : تردد أسمك من بين ما بات يعرف إعلاميا ب "جبهة المعارضة" الإخوانية ، لكن حسب ما لديكم من معلومات هل ترى أن هناك جبهة بالفعل أم أن الأمر لا يتعدى مساحة إعلامية أخذها النقاش أكثر ما يستحق؟ لقد كان الأمر مجرد بيان يعبر عن وجهة نظر, وانتهى, لأنني رفضت الاستجابة لطلب كريم من إخوان كرام بالتوقيع على أي بيانات تالية,لكن يبدو أن الموضوع لا يزال فيه بعض من لبس, لذلك رأيت أنه من الأهمية أن أطرحه عبر نافذة " المصريون" الموقرة, على أن يتسع قليلا ليشمل بعضا من الأسئلة المثارة , وأبتدر حديثي بالتوجه الى الله بالدعاء ألا أكون من الساعين الى شهرة أو الى ذكر بين الناس, إنما هي وجهة نظر أسأل الله أن يجتمع فيها الصواب والإخلاص.. حقيقة الجبهة المزعومة أسم جبهة المعارضة, أظن أن الذي أطلقه أحد محرري صحيفة المصري اليوم, مع التوقف عن الخوض في أهدافهم من وراء ذلك, فعندما أجرى أحد محرريهم اتصالا بي يطلب تعقيبا حول تداعيات أعقبت نشر بيان مناشدة فضيلة المرشد بمقاطعة الانتخابات, أكدت له أنه لا يوجد ما يسمى ( جبهة المعارضة), وإذا كانت فإنني أؤكد على أنني لست من اعضائها, وأكد لي المحرر التزامه بكتابة ذلك, لكنه للاسف صدرت الصحيفة في اليوم التالي بالتصريح دون الإفادة عن انعدام ما يسمى جبهة المعارضة, ولقد تأكدت من بعض الموقعين على البيان أنه ما قال أحد منهم أن البيان يمثل أو يعبر عن جبهة ما .. التيار الإصلاحي والمحافظ أكد غير واحد من قيادات الإخوان أنه لا يوجد تيار اصلاحي وأخر محافظ داخل الجماعة, وأن هذه التسمية هي اعلامية فقط وليست لها صدى في الواقع, والحقيقة أنه لا توجد لافتات داخل الجماعة تنضوي تحت كل واحدة منها مجموعة من الإخوان دون سواهم, لكن يوجد داخل الإخوان أجيال مختلفة بتجارب تميز كل جيل عن غيره, وأيضا يوجد داخل الإخوان ( وربما في الجيل الواحد )أراء متعددة وأفكار تفصيلية متباينة حول بعض خيارات الحركة والتنظيم, لكنني أعتقد أن إطار الجماعة الإسلامي الشامل السلمي المعتدل المتدرج هو إطار جامع, وهو يمثل حالة فريدة من التوافق الضخم داخل صف الجماعة,لكن عندما ننتقل الى التفاصيل التنظيمية والتربوية والدعوية والسياسية والحركية تتنوع الاجتهادات, وكلما نجحت الجماعة في اتساع صدرها لجميع ابنائها فإنها تقطع الطريق أمام بعض الغاوين من كارهي الإخوان وخصومهم الذين يرغبون في استثمار بعض حالات الانسداد أملا في وجود ما قد يُسمى تيار أو انشقاق .. صراع الأجيال داخل الجماعة لا أحسب ( مطلقا ) أنه يوجد في الجماعة ما يُسمى صراع أجيال, لكننا يمكن أن نقول أنه تباين أفكار, وإذا شئنا الدقة قلنا تزاحم أفكار, أشد ما يعيبه (أحيانا) هو تترس بعض أصحاب الأفكار بأفكارهم ظنا أنها صواب لا يحتمل الخطأ, وأن أفكار غيرهم خطأ لا يحتمل أي صواب !!, وبعض هؤلاء يرون أن أصحاب الأفكار الأخرى أنهم مجموعة من المشاغبين أو المتمردين أو ناقصي التجربة أو لم يكتمل بعد البناء التربوي والإيماني لهم , وربما يصفهم بعضهم بأنهم من الساعين الى الشهرة أو الذكر بين الناس في تفتيش عن النوايا لا يجوز, وأظن أن هذا غير صحيح.. بينما يرى آخرون أن بعض القدماء ومن وافق رؤاهم هم مجموعة من المسنين أصابت الشيخوخة مواقفهم ورؤاهم, وهذا أيضا لا يصح ولا يليق.. وفي ظني أنه بسبب وجود أجيال متعددة داخل الإخوان ولكل جيل تجربته التي يتصور بعضهم أنها التجربة الأكثر تعبيرا عن مفاهيم الجماعة,مع تباين مناخات هذه الأجيال, فجيل التأسيس وجيل 65, وجيل السبعينات, وجيل الانترنت والفيس بوك والتويتر لكل منهم مناخه وتجربته المميزة, وثمة قاسم مشترك بينهم جميعا يتمثل في الرغبة في العمل الجماعي لدين الله وفقا لمفهوم سلمي شامل وسطي متدرج, لكن طبيعة البشر تُظهر أن الإنسان قد ينحاز لشيخه أومذهبه أوموطنه أوقبليته أوعائلته أوتجربته وربما يكون أسيرا لها ( وهذا أمر فطري وبدهي), فلاشك أن تظهر بعض التباينات, أرى أن وجودها والتعبير عنها وانعكاسها في الخيارات المختلفة هو أمر بشري, والذي يحسم هذا التباين هو فاعلية الشورى من ناحية, ومن قبله, اعادة النظر الفترة تلو الفترة في الاطار الفكري والحركي للجماعة وخياراتها لتواكب مستجدات الواقع ومتطلباته, فما كان بالأمس ليس بالضروة أن يصلح لليوم, وليس بالضرورة هدمه أيضا, لكنني أحسب أنه من الأهمية تكرار اعادة النظر فيه للابقاء على ما يتم الابقاء عليه على بينة أو تغييره أيضا على بينة, وهنا يمكن للأجيال أو الأفكار أن تتلاقى وتتلاحم صوب أهداف ورؤى ووسائل متقاربة.. المشاركة في الانتخابات والمقاطعة أعلن غالبية الشعب المصري نظرا لطول زمن الاستبداد انحيازه لفكرة المقاطعة (طبقا لنسب المشاركة في الانتخابات),وإذا أنتقلنا من غالبية الشعب الى النخبة المصرية من المهتمين بالشأن العام فقد انقسمت أيضا الى مؤيد للمشاركة ومقاطع لها, وظهر ذلك في مقالات مختلفة لكتاب كبار, كما ظهر الانقسام في الرأي داخل أغلب الأحزاب المصرية,ولذلك أحسب أنه من الطبيعي, بل ومن الطبيعي جدا, أن ينعكس هذا الخلاف داخل الإخوان, ولم لا؟ وهم جزء أصيل من نسيج هذا الشعب, ولذلك ظهرت آراء واجتهادات خرجت للعلن من الإخوان ومن غيرهم,وأحسب أن علانية الأفكار والرؤى يتيح لها أختبارها بين الناس, فتتلقفها بالقبول أو الرفض, ثم ظهر بعد ذلك قرار مجلس شورى الجماعة بانحياز أغلبيته لخيار المشاركة, ولذلك كان من المنطقي لأي صاحب رؤية مخالفة داخل الإخوان أن يلتزم بالقرار, بل ويعمل على انجاحه, إذا كان يؤمن بالشورى أو الديمقراطية أو حتى بقيم العمل الجماعي, وأظن أنه لم يشغب أحد من الذين نادوا بالمقاطعة على قرار المشاركة بعد صدور القرار,وفي اعتقادي أن قرار الانسحاب من الجولة الثانية قد لقى استحسانا كبيرا لدى الإخوان لأنه جمع بين المشاركة والمقاطعة, وأجد انتصافا من النفس ( وقد كنت من المنادين بالمقاطعة) بأن ما تمخضت عنه التجربة من المشاركة ثم الانسحاب وهو القرار الذي لم يكن يخطر على بال أحد, كان من أفضل الخيارات (إذا تجاوزنا عن بدائل معتبرة كان من الممكن تحقيقها بالكلفة المادية )...وفي هذه النقطة تحديدا يلزم التنويه الى أهمية التفرقة بين ثلاثة أوقات, قبل صدور القرار حيث تتعدد الاجتهادات, وعند صدور القرار حيث تتوحد الجهود, وبعد انتهاء العمل حيث يتباين التقييم.. الظهور العلني لبعض الآراء والمواقف ربما يخاف بعض الإخوان من وجود آراء متعددة داخل الجماعة, وربما تضيق بعض الصدور عند ظهور هذه الآراء عبر وسائل الإعلام , إذ يرغب بعضهم على اقتصارها داخل المسار التنظيمي دون سواه, وربما يريد بعض الإخوان أن تظهر الجماعة أمام متابعيها أنها على رأي واحد, وربما أتفهم المبرر الداعي لهذا الخوف, إذ يمثل شكلا من أشكال الحرص على وحدة الجماعة, لكنني من ناحية أخرى, أحسب أن مقولة الإمام الشافعي رحمه الله ( رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) هي ترسيخ كبير ومبكر لفكرة التعددية, نفخر به في إسلامنا , ونتميز به عن كثير من المناهج والنظم, وأحسب أنه على الحركة الإسلامية (بحكم كونها حركة اصلاحية) أن تتقدم على غيرها في هذا الميدان, فإذا كانت الأحزاب التي تأسست على مبادئ خاصة كالشيوعية والعلمانية والليبرالية وغيرها, لديها ما يُسمى الالتزام الحزبي, فتنكر على أي عضو من اعضائها إذا خرج للعلن بنصح أو انتقاد لحزبه, فإن الحركة الإسلامية عليها أن تتفوق على هؤلاء جميعا بسمو مبادئها, لأن القرآن الكريم قد أظهر لنا حوارا علنيا (لم يشهده أحد من البشر أو يعلم به من قبل) بين الله سبحانه وملائكته, وأظهرت السيرة العطرة حوارات علنية متعددة من الصحب الكرام مع نبيهم المعصوم, لازال المسلمون يتداولونها جيلا إثر جيل, ودونت كتب التراجم والسير كثيرا من الخلافات المعتبرة بين أصحاب المذاهب الإسلامية مقرونة بعظيم الاحترام لبعضهم بعضا, وعلى ذلك , فإذا كانت أبصار كثيرمن الناس ترنو الآن الى حرية الغرب وديمقراطيته وتشتاق نفوسهم لها, فإن على دعاة الإسلام أن يبرهنون بالطريقة العملية بأن مالديهم أجدر وأولي بالاتباع, وإذا كان الجهر بالحق أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر هو من أجّل أعمال الدين, وإذا كان الدعاة يجهرون بالحق انتقادا لرجال وأنظمة وسياسات,ثم لا يستثنون أنفسهم "بنفس الدرجة وربما أكثر" من تقبل النصح أو النقد دون أي حرج, فهذا من شأنه أن يبعث برسالة لكل من يهمه الأمر مفادها : إذا كان الإسلاميين فيما بينهم يقبلون بهذا التعدد فإنهم سيقبلون به من غيرهم في مجتمعاتهم, وهذا من شأنه أن يزيل أي توجس أو خوف من المشروع الإسلامي, ولعله يجعل أفئدة من الناس أكثر تهوي الى المشروع الإسلامي عندما يرون فيه أملا للخلاص من القهر والظلم والاستبداد .. لقد قال لي غير واحد من المهتمين بالشأن العام من غير الإخوان, إن ظهور آراء الإخوان المتعددة عبر وسائل الإعلام أوضحت أن الجماعة كيان ديناميكي غير ساكن, وأن الحوار قد أظهر قدرا من الثراء الفكري داخل الإخوان ما ظنناه بموجود, لأننا كنا نعتقد أن ما أشيع عن مفهوم السمع والطاعة داخل الجماعة أن أفرادها مع قيادتهم كالميت بين يدي المغسل, وقد ظهرت الحقيقة على غير ذلك .. ولذلك أحسب أنه على قيادة الحركة الإسلامية كهيئة جامعة رائدة أن تبسط رداءها ليتسع فلا يضيق, وإذا كانت تعاني من القهر والظلم والإقصاء فقابلته بصبر جميل, فعليها أن تبرهن أن عدوى الاستبداد الذي أصاب أغلب مكونات الوطن لم يصبها, لأنها تحصنت بقيم دين هو أعظم نعم الله على خلقه, وأحسب أنها تدرك ذلك وتعمل على ترسيخه فيما بينها لتقدم النموذج والمثل الفريد لأمتها وللعالم أجمعين.. مصطفى كمشيش [email protected]