كيف تتجاهل ما حدث في انتخابات مجلس الشعب منذ أيام؟ ألا تعتبر ما جرى مهزلة كبرى، وتزوير مروع لم يحدث له مثيل من قبل؟ أليست فضيحة مصر أمام العالم كله، وسمعتنا التي أصبحت أضحوكة الجميع، سببًا كافيًا ليثير الموضوع اهتمامك، وقضايا مصيرية تستوجب منك أن تتناولها؟ كل هذه الأسئلة وأكثر، هي تساؤلات مشروعة وموضوعية تلقيتها من العديد من الأصدقاء، الذين استغربوا مني عدم تناول ما حدث في الانتخابات البرلمانية، وتم اتهامي بأني أغرد خارج السرب، وأعزف منفردًا بعيدًا عن واقع الجغرافيا والتاريخ، ولكني طالبتهم وأطلب منكم جميعًا التريث للحظات، حتى أقدم دفاعي وأفسر موقفي. كان من السهل للغاية أن أكتب فيما جرى من فضائح يندى لها الجبين، شهدها القاصي والداني، وما أكثرها، وأن أتحدث عن شرعية النظام التي تهاوت تمامًا وسقطت بجدارة في اختبار الديمقراطية، ولكني اخترت الطريق الأصعب، وقررت أن أتحدث عن المستقبل، وأن أتابع المشهد بعيون مختلفة، ترى فيما حدث فرصة مميزة للتغيير، وإيجابيات عديدة تفتح باب الأمل، وتساهم في إغلاق باب الإحباط. نعم.. كشف التزوير ومحاربة الفساد هو جزء مهم للغاية في طريق الإصلاح، وبدونه لا يمكن أن تستمر الحياة، ولكن أن يتحول الأمر إلى لطم الخدود، والبكاء على اللبن المسكوب، من دون أن يصحب ذلك أي فعل إيجابي أو رؤية واضحة للبناء، فإن ذلك يصيب المجتمع بالإحباط ويدفعه إلى اليأس، عندما يتلقى المواطن المصري يوميًا هذه الجرعة المكثفة من أخبار الفساد والحوادث والبلطجة السياسية، فإن الصورة تصبح سوداوية، وبالتالي تقل جرعة الأمل التي يتعاطاها المجتمع، ويصبح الرضا بالواقع والتسليم بالحالة البائسة التي نعيشها هو شعار المرحلة للجميع. من المهم أن نتحدث عما جرى خلال الانتخابات، ولكن الأهم من ذلك أن نفكر فيما سنفعل بعد الانتخابات، وما هي الدروس المستفادة لنا جميعًا كأفراد وحركات سياسية، وما هي الأدوار التي يمكن لكل منا القيام بها، حتى نصل لما يحلم به الجميع من حياة وواقع مختلف. بعد مشاهدتك لأحداث الانتخابات وما رافقها من فساد وإفساد واضح للجميع، هل فكرت فيما يمكن أن تقدمه من فعل إيجابي، بديلاً عن مصمصة الشفاه، وانتقاد أحوالنا التي لا تسر على الإطلاق؟ أرجوك لا تحدثني عن تقصير الآخرين، وتشكو لي أحزاب المعارضة التي تحالف معظمها مع النظام، ثم اكتشفوا فجأة أنهم اشتروا الوهم، كما أرجو منك ألا تلقي بالمسئولية على تخاذل الشعب وسلبية المجتمع، ولكني أطلب منك أن تخبرني عن دورك الفردي الذي ستحاسب عنه، وتسأل أمام الله، وعن مساهمتك التي قدمتها لإصلاح الأوضاع الحالية، هل شعرت أنك تشارك في المسئولية عن التدهور الذي أصاب جميع مناحي الحياة؟ وبالتالي أدى ذلك أن يتولد لديك طاقة إيجابية للبناء والتنمية، أرجوك مرة أخرى ألا تخبرني أنه ما باليد حيلة، وأنه مهما فعلت فلن يغير ذلك من الواقع شيئًا، كل ما أطلبه منك أن تبدأ بإلقاء حجر صغير يحرك المياه الراكدة في حياتك، إذا كنت قد شعرت بخيبة الأمل نتيجة ما حدث في الانتخابات، فليكن لك دور واضح مباراة الإصلاح التي تدور أحداثها على ملعب الوطن، يجب أن تعرف أن تلك العملية هي أقرب ما تكون إلى مباراة ملاكمة، لن يتغلب فيها أي طرف على الآخر بالضربة القاضية، وإنما الغلبة ستكون لمن يستطيع الحصول على أكبر عدد من النقاط في نهاية المباراة، وبالتالي فإن تحقيق النجاحات الصغيرة، وكسب نقاط جديدة تضاف لرصيد المجتمع، هو ما يجب أن نبحث عنه جميعًا. قابلت أحد الأصدقاء منذ أيام، وأخبرني انه كان يتابع باهتمام الضجة الهائلة التي تسبب فيها موقع "ويكيليكس" بعدما نشر الوثائق السرية لوزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما ساهم في كشف الحقائق وتوضيح الممارسات الخاطئة لمختلف الأنظمة حول العالم، وهنا خطر في بال صديقي أن يطلق موقع "ويكيليكس مصر" بحيث يصبح الموقع نافذة لكل من تقع يده على أي وثيقة تكشف الفساد في الوطن، وبالتالي يزيد ذلك من معدل الايجابية عند أفراد المجتمع، ويؤدي إلى تشكيل ضغط أكبر على النظام، وكسب المزيد من النقاط، ولكن صديقي ما زال يبحث عن الدعم الفني والتقني لإطلاق مشروعه، كما يبحث عمن يتبنى الفكرة معه، ويشارك في القضية. هذا ما فعله صديقي عندما تأثر بما يدور حوله بشكل إيجابي، فهل أنت على استعداد لتتبنى الفكرة معه، أو تفكر في طريقة أخرى للمشاركة في إحداث التغيير، أيًا كان قرارك الذي اتخذته سابقا بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية أو مقاطعتها، فإن الواجب يحتم علينا أن نتناسى جميعًا من كان على خطأ أو صواب، ونترفع عن خلافاتنا لننظر إلى الأمام، هل فكرت في أن تشارك في حملة (باطل) لإسقاط الشرعية عن مجلس الشعب الحالي، ما هي إمكانياتك التي يمكن أن تخدم مثل هذه الفكرة التي تهدف إلى الضغط على النظام بكافة الوسائل القانونية والإعلامية، وقد تعلمنا جيدًا أن ممارسة المزيد من الضغوط، وكسب نقاط جديدة في الصراع، هي الطريقة المثلى للتغيير. صدقوني إن أحد أهم أهداف النظام هو أن نصاب بالإحباط واليأس من الإصلاح، ونبتعد عن المشاركة والتأثير، وبالتالي فإن مجرد إصرارك على العمل والبناء رغم كل التحديات، لهو نجاح في حد ذاته، لماذا لا ننظر إلى الصورة من زاوية مختلفة؟ أنا أشاهد ضوء الفجر بوضوح رغم كل العتمة، من المهم أن يفكر كل منا في تطوير إمكانياته، وكيف يسهم من خلالها في بناء الوطن، فكر في رسالتك التي ترغب أن تعيش من أجلها، فتصنع التنمية والبناء في وطنك، فقط ما تحتاجه.. أن تقرر ذلك، وأن تتولد لديك الرغبة والإرادة الجادة في فعل إيجابي، وعندها تأكد بأنك لن تعدم وسيلة للتغيير. [email protected]