عليه العوض ومنه العوض.. ليس أمامنا غير أن نغنى ظلموه.. فهم لا يريدون أحداً.. ولا يريدون منافساً.. الدنيا خربانة، ومع ذلك يتفاءلون بالمستقبل.. وهناك تصريحان يكشفان أن الدنيا ربيع والجو بديع.. التصريحان أحدهما للدكتور فتحى سرور، والآخر لصفوت الشريف.. الأول يؤكد أن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية فى عهد مبارك.. والثانى يؤكد أن الرئيس يحدوه الأمل فى المستقبل.. وكلا التصريحين منسوب للرئيس، بطريقة أو بأخرى، ولكنهما ليسا على لسان السيد الرئيس! ولا أعرف سبباً لهذا التفاؤل بالمستقبل، ولا مبررات أزهى عصور الديمقراطية.. لا أعرف سبباً للأول ولا مبرراً للثانى.. ولا أعرف ما هى الأمارة التى يتحدث بها «سرور» و«الشريف».. وقد نشرت الصحف أمس تصريحات قطبى البرلمان والنظام، على مساحتين متساويتين بالمسطرة.. وكلاهما يتسابق لنسب شىء مما يقوله للرئيس شخصياً.. فى الوقت الذى لم يعلن فيه رئيس الوزراء أحمد نظيف شيئاً.. سواء بشأن الديمقراطية، أو تفاؤل الرئيس بالمستقبل! ولا أعرف منين ييجى التفاؤل بالمستقبل، بينما هناك بلطجة وتزوير وعنف وقتلى.. ومنين تعيش مصر أزهى عصور الديمقراطية؟، وهى لا تملك أن تعبر عن نفسها فى صندوق الانتخابات؟.. ومنين تتفاءل مصر، وهى لا تعرف كيف تتحدث عن نفسها، فى التعبير عن مهزلة الانتخابات؟.. وقد أطلقوا عليها مقدماً عرس الديمقراطية؟.. ومنين نجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه؟.. يا خسارة وألف خسارة يا بلدنا! جائز أن تكون هناك مهزلة.. ولكن لم تكن هناك انتخابات.. وجائز أن تكون هناك فضيحة انتخابية، ولكن ليس هناك عملية انتخابية.. يتنافس فيها المرشحون، ثم يفوز من يستحق.. فلماذا فعلنا كل ذلك؟.. ولماذا أهدرنا عشرة مليارات جنيه فى عدة أيام؟.. ولماذا رفعنا درجات الاستعداد ثم استيقظ الناس على الخديعة؟.. لماذا نستخف بعقل الشعب.. ثم ندعى أنه خرج يختار نوابه؟! لا تؤاخذونى حين أصف ما جرى بأنه غباء.. ولا تؤاخذونى حين أصف ما حدث بأنه هراء.. ولا تؤاخذونى إذا قلت إن الصدمة قد تجرنا سنوات للوراء.. ولا تؤاخذونى إذا قلت إن الحكومة تلاعبت بالأحزاب، وضربت الجميع على القفا.. ولا تؤاخذونى إذا قلت إن المقاطعة كانت فى محلها.. ولا تؤاخذونى إذا قلت إن تداول السلطة لن يحدث عبر صندوق الاقتراع.. وابكوا مع الوفد على الوفد، حين شارك، وحين لعبوا به مثل كرة شراب! غباوة ألا يترك الحزب الحاكم شيئاً.. وغباوة أن يفهموا أن الديمقراطية هى الفوز بكل المقاعد.. وغباوة ألا تكون المعارضة فى حدود ثلث المجلس.. وغباوة أن يتصدقوا على الأحزاب كلها بعشرة مقاعد.. فأى ديمقراطية يريدونها؟.. وأى تداول للسلطة يتحدثون عنه؟.. وأى تفاؤل بالمستقبل يصرحون به؟.. وما هو مفهومهم لأزهى عصور الديمقراطية، وهم لا يريدون انتخابات.. ولا يريدون رقابة.. لا دولية ولا محلية.. أى كلام فارغ وهم يقطعون الطريق على الناخبين؟.. ويحتجزون المرشحين؟.. ثم يتحدثون عن انتخابات برلمانية؟! فلا تصدقوا أنهم يعشقون الديمقراطية.. ولا تصدقوا أنهم يهيمون فى الليبرالية.. ولا تصدقوا أنهم كانوا جادين فى العملية الانتخابية.. لا تصدقوهم بالمرة.. نحن أمام مهزلة ونحن نعيش تمثيلية حقيقية.. شاركت فيها الأحزاب دون وعى، ودون حسابات ودون صفقة.. ودون فهم لقواعد اللعبة.. فقد كانوا يلعبون بلا كروت، فاستكثر عليهم الحزب الوطنى، أن يكونوا تحت القبة.. فحارب الإخوان من جهة، وخان الأحزاب من جهة أخرى.. مع أنها كانت فرصة حتى تكبر، وتنمو، وتنشط هذه المرة.. ولو فعلوا لكانت القائمة الحزبية هى الحل، فى كل انتخابات برلمانية.. ولكنهم لا يريدون للأسف!