كتب د. إيهاب فؤاد : كنت أستمع إلى الراحل يحيى شاهين وهو يخاطب حصانه بعد أن تغير به الحال والمقال والمقام وكان يؤثر فىَّ كثيرا وهو يقول لحصانه أدهم " الزمن دا مش زماننا يا أدهم، زمن الصغيرين يا أدهم "، وكنت أدندن بها وأستشعر ما جسًّده الراحل ، زمن الصغيرين وحين كبرت سنى وخبرت الحياة قليلا أدركت صدق الحوار وادركت أن هذا الزمن لم يعد زمن الكبار، فقد تغير كل شئ وتبدل كل شئ حتى أضحى الأخضر يابسا واليافع يبابا والكبير صغيرا والصغير كبيرا ولعلها دورة الحياة ولما قال لى صديقى حين سألته عن مصر وعن بعض ممن كنت أعرف وكنا نرافقهم بحكم الدراسة او العمر المتقارب أو الجيرة فى سنين حياتنا الأولى وعن اوضاعهم الماضية، قال ياعزيزى إن لغة المليون هى الحوار السائد بينهم الآن، أتعرف أن لهم جمعية يوميا بمائتى جنيه، تعجبت قال لى لا تتعجب ، أتذكر فلانا؟ قلت نعم اذكره ولا أنسى حياة الضنك التى عاشها وكم كنا نشفق عليه، قال لى ياسيدى إنه من اصحاب الملايين، أتذكر عِلاًّناً؟ قلت اذكره ، قال لقد امتلك كذا وكذا،واخذ يعدد لى مبرهنا على صدق كلامه، قال ياسيدى إن فلان وفلان وفلان وعلان لهم عشاء أسبوعى يوم الخميس لاتقل تكلفته عن خمسة آلاف جنيه، وقال لقد حدث لى منذ شهرين كنت عائدا إلى بيتى متأخرا وإذا بهم ينادون علىَّ ويقسمون أن أتناول معهم الطعام، ثم اخذوا يتسامرون وقالوا هذا مانفعله مع نهاية كل أسبوع وكل اسبوع يدفع واحد منا الحساب على أن لايقل عن كذا وكذا، فتعجب صديقى المسكين الذى أمضى من عمره خمسة عشر عاما بعيدا عن وطنه، مغتربا ، متجرعا كاس الفراق والبعد عن الأهل والأحباب ولم يزد الرجل على شقة امتلكها وقطعة ارض فى مدينة 6 أكتوبر لاتتجاوز المائة واربعين مترا، تعجبت وقلت حقا الزمن دا مش زماننا، قلت له لا يمكن لهؤلاء أن يكونوا قد أثروا من الحلال، مستحيل أن يحدث هذا فى فترة وجيزة جدا جدا قال صدقت، لقد قال لى أحدهم ان كثيرا ما كان يغش ويخدع ويدلس وقال أن هذا أمر طبيعى فالناس جميعهم يعيشون بهذا النهج وهذا الأسلوب،قلت سبحان الله، هل تغير الزمن إلى هذا الحد؟هل أضحى الشرفاء يعيشون زمانا غير زمانهم، وتقلهم ارض غير أرضهم؟ماذا حدث؟ مالذى أوصل اللص والغشاش ليكون فى منصب لم يطمح إليه فى يوم من الأيام بحكم المستوى التعليمى المتدنى والمتعثر وبحكم الحالة التى كان يحياها، قال ياسيدى إن الرجل الآن عضو مجلس محلى المحافظة ويمتلك كذا وكذا وكذا،قلت هذه هى ضريبة هذا العصر،هذه هى ضريبة الإستبداد وحكم الفرد،هذه هى ضريبة الفساد والمحسوبية، إذا كان الشرفاء يحاربون واللصوص يترفعون فماذا تنتظر، لم يعد الزمان زماننا، بل أضحى زمن الصغار، زمن المدلسين واللصوص والمرتزقة والمتسولين،صحيح زمن العجايب والغرايب وحين تشعر أن الزمن هو زمن العجايب وأن صاحب العيال قليل المال ينام مهموما ويستيقظ مهموما من ضيق العيش وقلة ذات اليد وكثرة العيال وسوء الحال وأن الصبية يلعبون بالملايين فاعلم أن هذا الزمن ليس بزماننا وحين تجد على صفحات الأهرام مقالا لسمير الشحات يدافع عن أمريكا الدولة العظمى ويسب رجلا أمريكيا ويتهمه بالوقاحة والبذاء لأنه وصم رئيسه بالكذاب، بل واستنفر الرجل علماء النفس والتربية ليدرسوا هذ الظاهرة قائلا بالحرف الواحد " كان الله في عون أمريكا العظمي وقادتها وسياسييها الأفذاذ من طول لسان هؤلاء المواطنين المنفلتين ولعل النصيحة التي يمكن أن توجه للخبراء والأساتذة الأمريكيين الأجلاء في علوم السلوك والنفس والتربية هي: أرجوكم سارعوا إلي دراسة هذه الممارسات الخارجة علي الأدب من جانب أبناء شعبكم الكريم, وحاصروها كي لا يكونوا قدوة سيئة لأبناء شعوبنا المطيعين المهذبين المحترمين! أى عظمة تلك، وأى قيادة وأى قادة واى افذاذ، هل أثارك الرجل الذى لم يخف على نفسه من ان يزج به فى سجن أو يغيب فى قبر أو يقطف قبل أوانه لأنه انتقد زعيمه الأوحد؟ هل اثر فيك سوء الأدب مع رئيس أعظم دولة فى التاريخ كما تذكر أنت؟ألم يؤثر فيك مشهد الدمار فى العراق وقتل الأبرياء؟ ألم يحركك منظر إغتصاب النساء وتعذيب الرجال ومشهد تدمير البيوت؟ ألم تحركك القنابل العنقودية المحرمة دوليا والأسلحة الفتاكة والترسانة العسكرية التى أتت على الأخضر واليابس؟ألم يحركك رد فعل الرئيس ورد فعل حكومتنا المبجلة مع المعارضين والمناوئين لها من زملاء المهنة ؟ إن الذى يحتاج لقطع لسانه، هو رجل سكت عن الحق لأن النبى قال" الساكت عن الحق شيطان اخرس" والأخرس لايتكلم، إن الذى فى حاجة إلى دراسة حقيقية من علماء النفس والتربية هم المتلونون بلون الحرباء، الناعقون مع كل ناعق والمصفقون لكل حاكم والمسبحون بحمد السلطان ، ولعل من غريب الأمور أن نجد بيننا جنودا مخلصين يتبارون للدفاع عن كرامة أمريكا ورئيسها بينما كرامتهم وكرامة شعوبهم تداس وتهان ولايدافعون ولايتكلمون ولايتحدثون وحين تجد أقلاما تتبارى للدفاع عن الظالم وتتآمر لذبح المظلوم فاعلم أن هذا الزمن ليس بزماننا إنه زمن الصغار..