في حديثه أمس إلى الكتلة الانتخابية للوطني في البرلمان الجديد الباطل قانونا تحدث الرئيس عن كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية التي جرت ، باستثناء وحيد ، وهو القضاء ، تحدث الرئيس عن أعضاء الحزب وكوادره وعن المرشحين وعن اللجنة العليا للانتخابات وعن المعارضة وعن البلطجة وشراء الأصوات ، لكنه لم يذكر أي شيء عن القضاء والقضاة ، في تجاهل صريح وجارح جدا لآلاف الأحكام القضائية التي صدرت ببطلان الانتخابات . قال الرئيس أن هناك أخطاء "بسيطة" في العملية الانتخابية ، لكن الانتخابات على كل حال تمت ، في رسالة ضمنية بأنه مقتنع بما حدث وموافق عليه ولن يتراجع أو يأمر بإعادة الانتخابات ، ولم يذكر الرئيس مبارك ما هي تلك الأخطاء البسيطة ، إلا ما ذكره عن شراء الأصوات وأعمال العنف ، والحقيقة أن هاتين الوسيلتين غير القانونيتين تحديدا لم يقعا إلا بين مرشحي الوطني وبعضهم البعض ، أما في باقي الدوائر التي كانت المنافسة الرئيسية فيها بين الوطني والإخوان أو رموز المعارضة والمستقلين ، فلم يكن هناك حاجة لدفع أموال أو استخدام البلطجية على نطاق واسع ، لأن أجهزة الدولة الأمنية والإدارية قامت بالواجب على أكمل وجه ، وصادرت العملية الانتخابية من بابها ، وانتخبوا نيابة عن الناس بتسويد البطاقات الانتخابية بالجملة ، وهو ما لم يتعرض له الرئيس رغم أن الجميع يعرفه معرفة اليقين . إذا كان الرئيس لا يعلم بتفاصيل هذه المهزلة التي حدثت وتزوير الانتخابات بشكل فضائحي فتلك مصيبة ، وإن كان يعلم وقال ما قال فالمصيبة أعظم بدون أي شك ، لأنها تعني الكثير في هذه الحالة ، وفي كل الأحوال فإن ما قاله الرئيس في الكلمة لم يكن الحقيقة ، ولا حتى جانب منها ، ولكنه تحدث عن واقعة لا يعرفها الناس ولا حتى أعضاء حزبه الذين كان يحدثهم في الجلسة ، فالشعب المصري يا سيادة الرئيس كمواطنين وسياسيين وإعلاميين وضباط وإداريين وقضاة يعرف أن ما قلته ليس الحقيقة ، لأنهم عاشوا الفضيحة بوضوح كاف ، ما بين مشارك ومشاهد ومغلوب على أمره ، واللي ما اشترى اتفرج . لماذا تهرب الرئيس مبارك في خطابه من مواجهة القضاء والقضاة وآلاف الأحكام القضائية التي صدرت ببطلان الإجراءات وبطلان إعلان النتيجة ، وكيف وجد الرئيس في نفسه القدرة على أن يقول للناس علانية بأن الانتخابات جرت وفق صحيح القانون ، رغم أن نص الأحكام التي صدرت تتحدث بوضوح كاف وحرفيا أنها جرت على غير صحيح القانون ، فهل نصب الرئيس نفسه بديلا لقضاء مصر ، أو هل أصبحت قرارات الرئيس ناسخة لأحكام القضاء ، وإذا كانت آلاف الأحكام القضائية في دولة سيادتك لا تعترف بها فما هو القانون إذن ، وما هو صحيح القانون وفاسده ، وإذا كانت مجموعة الأحكام القضائية الصادرة حتى الآن انتهت إلى بطلان أكثر من ثلث مقاعد المجلس الحالي فكيف يكون هذا المجلس مشروعا ، وما قيمة التمسح بوجود لجنة للإشراف على الانتخابات ليس لها أي صلاحيات جوهرية إلا ما يملكه البوسطجية أو مذيعي الأخبار في القنوات الفضائية ، باستلام أوراق وعدها وإذاعة محصول الأوراق التي سلمت لها ، وهي لجنة بشهادة رجالك ما زالت غير محددة المعالم والصلاحيات ، وقد شهد بعض رجالها علنا بأنها "لا تحل ولا تربط" ووضعت أجهزة الدولة أعضاء تلك اللجنة في مكاتب ضباط المباحث للحفاظ عليهم بعيدا عن البهدلة والعوام والدهماء وغبار الانتخابات ، معززين مكرمين بأقداح الشاي والقهوة وأجهزة التكييف بانتظار ورود الصناديق التي لا يعرفون شيئا عنها ولا عن كيفية ملئها . خطاب الرئيس مبارك الذي أبدى فيه سعادته الاستفزازية بالبرلمان الجديد وكوادر حزبه محبط للغاية ، ولكنه كان كافيا لإقناع مختلف تيارات العمل العام في مصر ، بأنه لا أمل في الإصلاح في ظل المنظومة السياسية الحالية ، ووصلت الرسالة واضحة بقدر كاف ، بأن الرئيس مبارك ارتضى في آخر المطاف أن يكون جزءا من الأزمة وليس مرجعا لحلها ، وأن أي مواجهة سياسية مقبلة فهي مصطدمة لا محالة بمؤسسة الرئاسة ، وأن الأشهر المتبقية على استحقاقات انتخابات رئاسة الجمهورية أصبحت قضية حياة أو موت لمسيرة الإصلاح في مصر ، وكل نوافذ وأدوات النضال السلمي القانوني والسياسي ، المحلي والدولي ، أصبحت مطروحة وملحة لأي عمل وطني جاد . [email protected]