أقلق عندما أسمع من بعض الأصوات التي كنا نعدها على معسكر العقلاء دعوات دق الطبول، وإعلان الحرب، والقضاء المبرم على ما يظنونه الخصوم. أقلق عندما أسمع من كنا نظنهم أهل حكمة وتجارب دعوات تصفية الأعداء من بعض المواطنين، حتى وإن اختلفت وجهات النظر، أو طرق الوصول للحلول الوسط. أقلق عندما يرتفع صوت التكفير والتخوين، وإخراج الآخرين من الساحة: سواء ساحة الدين أو ساحة الوطن. أقلق عندما أسمع دعوات تشكيل حكومة حرب وإعلان الحرب على عدو وهمي، كيان له عشرات السنين متغلغل في نسيج المجتمع ومنتشر في مختلف ربوع الوطن، حتى لو كان هذا الكيان عدوا ما هكذا تدار المعارك مع الكيانات الاجتماعية داخل النسيج الوطني الواحد. أقلق عندما ترتفع أجواء لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وأن من يتكلم عن حقوق الإنسان هو طابور خامس. نقول من الأول: يخطئ من يظن أن ما يجري في بر مصر منذ 3 يوليو صراع سياسي عادي سيحسم بالضربة القاضية. ويخطئ من يظن أن ما يجري في بر مصر منذ 3 يوليو معركة داخلية ستحسم بالاستقواء بالقوى الخارجية: الإقليمية والدولية، وما تقدمه من دعم سواء أكان دعما ماليًا أو سياسيًا. ويخطئ من يظن أن المعارك الصفرية هي الحل، فالصراعات الاجتماعية الممتدة لا يمكن حلها من خلال مباراة صفرية. ويخطئ من يظن أنه يستطيع هزيمة دولة مثل الدولة المصرية: عمق وتاريخ وحضارة ومقدرات هائلة لا يستهان بها. ويخطئ من يظن أنه يستطيع إقصاء ونفي وإلغاء كيان اجتماعي وسياسي متواجد منذ عشرات السنين وله امتدادات ليست بالبسيطة داخل مختلف أنحاء القطر المصري مثل الإخوان المسلمين. ويخطئ من يظن أن شيطنة الآخر ورميه بالإرهاب سيوفر له شحنا معنويا على صعيد معركة الإجهاز عليه. ويخطئ من يظن أن تكفير المخالف سيخلق له دعما دينيا في تلك المرحلة المتطورة من مراحل الصراع السياسي. ويخطئ من يظن أن الأطراف الخارجية (الإقليمية تحديدا) التي تدعم طرفا على حساب الطرف الأخر تعمل لوجه الله ولوجه تلك الأوطان إنما هي كيانات مصلحية حتى النخاع تعمل لصالح دولها، هذا إذا أحسنا الظن بها ولم نقل إنها تعمل لصالح كيانات دولية أكبر، وإنها تدير الحرب بالوكالة لصالح الأخ الأكبر. ويخطئ من يظن أن الدول الكبرى التي تشاهد وتراقب ستظل حتى تخمد نار المعارك الداخلية، إنما هي تناور وتحاور وتنسج شبكات التحالف ذات الخيوط الناعمة على الأطراف كلها (حكومة ومعارضة) حتى تحقق استراتيجيات عليا ومصالح كبرى تتعلق برسم مستقبل المنطقة وتحديد المسارات التي تحكم حركة الأطراف الفاعلة إقليميا ولعقود طويلة، تلك ليست أسرارًا ولا رجمًا بالغيب بل قراءة واعية في سلوك الدول العظمى والإمبراطوريات الكبرى، هكذا تتصرف الدول العظمى والإمبراطوريات. الأزمات المجتمعية الكبرى لا تحلها سياسات الهروب إلى الأمام، ولا يحلها نقل المعارك إلى مساحات أخرى، ولا يحلها الزج بمقدرات الوطن في سبيل التخلص من الخصوم السياسيين. الأزمات المجتمعية الكبرى لا تحلها سياسات الحديد والنار، ولا يحلها إشهار سيفا: التكفير والتخوين، ولا يحلها الاستقواء بالخارج أيا كان هذا الخارج، ولا يحلها المزيد من الدم، ولا يحلها الاستسلام لتهاويم العقل الأمني، ولا يحلها استباحة الخصوم السياسيين. الأزمات المجتمعية الكبرى لا يحلها إلا الحوار بالحسنى ودعوات السلام واليد المدودة بالتجاوز عن الأخطاء. الأزمات المجتمعية الكبرى لا يحلها إلا المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تستثني أحدًا ولا تقصي أحدًا ولا تشيطن أحدًا ولا تكفر أحدًا ولا تخون أحدًا. الأزمات المجتمعية الكبرى لا يحلها إلا الحلول الوسط، واتباع استراتيجيات فوز – فوز، وحلول الكل فيها كسبان، وقد أثبتت تلك الاستراتيجيات نجاحها في كثير من الدول، أما سياسات تكسير العظام وإفناء الخصوم فقد أثبتت فشلها في كثير من الدول ولسنا نملك رفاهية تكرار تجارب الفشل وأمامنا تجارب النجاح شاهدة على عظمة رجل مثل نيلسون مانديلا، ومصر لم تكن أبدًا دارًا لحرب أهلية، ولا لتمييز عنصري. الحوار وليس الحرب هو الحل. التفاوض وليس الإقصاء هو الحل. الحلول الوسط وليس مطالب الحد الأقصى هي الحل. استراتيجية فوز - فوز وليس استراتيجية فوز – هزيمة هي الحل. الداخل المصري وليس الإقليمي أو الدولي هو الحل. مواجهة المشاكل المجتمعية والسياسية وليس الهروب إلى الأمام هي الحل. أخر كلام: تأميم ومصادرة أموال الجمعيات الخيرية وهي التي تدير الجانب التراحمي والقطاع الوقفي في المجتمع حقيقة وبعضها يعمل منذ أكثر من مائة عام مثل الجمعية الشرعية 1912 سيفتح أبواب الجحيم على الدولة المصرية ذاتها.