محدود الدخل هم الغالبية المطلقة بالمجتمعات العربية والإسلامية...وبالتالي قلما يوجد بشر لا يعرف هذه الكلمة إن لم يكن يحملها كصفة...وكذلك فإمكانيات محدودي الدخل لا تخفي علي أحد أيا كان وزيرا أو خفيرا!!...ومحدود أو معدوم كما يحب أن يصفه البعض الدخل أحتكر الفقر والمرض والأمية والبطالة والنوم إلي حد الشخير...كما أنه كسر الرقم القياسي في سماع ومشاهدة المسليات واللاهي التي يجد فيها متنفسا ومواسيا لما ألم به...والشباب هم فئة كبيرة من محدودي الدخل...وقلما يذكر الشباب دون ذكر كرة القدم إما ممارسة أو تشجيعا أو مشاهدة ويا حبذا لو كان ذلك لا يكلفه ما لا يطيق!!...وبالطبع قمة كرة القدم علي المستوي العالمي هي مسابقة كأس العالم التي تقام كل أربع سنوات والمقامة حاليا علي أرض ألمانيا... كأس العالم لكرة القدم وما أدراك ما كأس العالم أنه القمة والندية والقدوة الكروية والتنافس والصراع علي الفوز والتخطيط من أجل تحقيق الهدف...أنه الدرس الأعظم الذي يصل لجميع العالم وهو لا مكان للهيمنة إلا بجدارة ولا يوجد سوي مكيال واحد لجميع المشتركين سواء كان حامل الكأس أم مشترك لأول مرة!!... نعم الدرس الأعظم في وقت يحتاج إليه العالم أجمع...كأس العالم هو الساحة التي لا مجال حتى الآن لفرض الهيمنة السياسية علي الساحة الكروية...ومن أجل هذه المزايا العديدة التي يلمسها الناس في كأس العالم بالإضافة إلى الترفية والتسلية التي يبحث عنها الكثيرون خاصة الجالسين علي أريكة البطالة...من أجل ذلك سعي الجميع لإيجاد الوسيلة التي تتناسب مع الدخل لمشاهدة مباريات كأس العالم...وطرق السعي تكون إما بالانصياع لاشتراطات الشركة المحتكرة أو بالاشتراك المخفض عبر جماعات فك الشفرة ما يعرف بالوصلة أو بفرض الشخص نفسه ضيفاً إجبارياً علي أحد حائزي هذه الوسائل أو الخروج إلي المقاهي والكافتيريات لمشاهدة المباريات!!...فان لم يستطع ماليا طبعا وحوصر بالتشفير فلا مفر من التشخير!!!... والتشفير للمباريات في مصر قضية جديرة بالدراسة للوصول إلي حل لصالح الشعب العربي والإسلامي الفقير الذي لا يستطيع تدبير تكاليف أي وسيلة لمشاهدة مباريات كأس العالم المحجوبة بالتشفير والتشفير سياسة تتوافق مع سياسة الخصخصة يستفاد منها فئة قليلة من رجال الأعمال وبعض الشركات المهيمنة التي تبارك قواعد الجات وتعمل علي تحقيقها...ولا يستبعد أن تتسع رقعة المشفر حتى تشمل أمور أخري غير كرة القدم!!...والتشفير ليس جديدا علي حياة العرب والمسلمون...فتشفير المباريات أهون من تشفير أمور أخري اقتصادية كانت أم سياسية أم اجتماعية...فبعض الوظائف أصبحت مشفرة ولا يستطاع الوصول إليها إلا بعد حل الشفرة إما نقوداً أو توصية كما يتحاكى الخريجون...والعلاج بالكامل أصبح مشفراً ولا يمكن لمن يمرض أن يحصل علي العلاج هكذا بسهولة دون فك الشفرة...والمشاريع الضخمة زراعية أو صناعية شفرت وأحيطت بهالة من الأغنيات الوطنية والوعد بمستقبل مختلف ليكتشف في النهاية بعد أن كسرت الشفرة أن الأمر ليس إلا كمن كان يغلي أحجاراً للجياع والعاطلين وبعد إنفاق المليارات علي البنية الأساسية وبيع الأراضي وضعت المشاريع بعد ذلك هدية لأصحاب الحظ الأوفر وربما ليس بأسعارها الحقيقية!!...وربما أيضا بقروض من البنوك المحلية!!...أما شفرة التعليم فحدث ولا حرج...فهي جعلته سباقا محموما بين من يملكون تكاليف الدروس الخصوصية التي لم يعد هناك من سبيل غيرها لمواجهة السياسة التعليمية التي يتعرض له الطلاب آخر العام!... أما أصعب شفرة تواجه بعض المجتمعات العربواسلامية فهي شفرة ظهور طبقة رجال الأعمال الجدد وشبه سيطرتهم علي مجمل الأمور وتواجدهم الملفت للنظر بالبرلمانات العربية والإسلامية...مما جعل الأسعار والسوق والتعليم والصحة جميعا تحت السيطرة الرأسمالية التي لا تعرف سوي هل من مزيد!!...أنها شفرة صعبة الكسر حتى ولو بحذاء النائب...لأنه ببساطة تم تشفير حذاء النائب لدرجة أنه لم يعرف إن كان الحذاء قد فك رباطه أو مجرد الشروع في فكه أو أنه هم لإعادة ربط حذائه الذي فك نتيجة الحركة الزائدة وقت المشكلة إياها؟!!...والكل أصبح مشفرا من حذاء النائب إلي أموال رجال الأعمال الطائلة مرورا بشغل المناصب القيادية!!... هل هناك أحد يستطيع أن يحل أو يكسر أو يقتحم شفرة البورصة لمعرفة ما يدور في ساحتها؟!!...إذا كانت هذه الشفرة وأمثالها صعبة ومعقدة كما يبدو لنا إلا أن تشفير مباريات كأس العالم التي تهم الفقراء ومحدودي الدخل سهلة الكسر والفك من قبل الوزارات المعنية بالشباب والرياضة والثقافة والتلفزيون والراديو...فليس صعبا ولا أعتقد أنه مكلف نسبيا أن يشتري التلفزيون هذه المباريات من أجل عيون شباب مصر...وليس صعبا تسجيل المباريات وإعادة بثها محليا وذلك علي أقل تقدير...فكفي تشفير ولنبحث معا عن فك الشفرات التي تحاصرنا وتقيد حركتنا...وأولها شفرة مباريات كأس العالم حتى يشاهد شبابنا المباريات ويعي الدرس منها...حتى يعرف المشاهدون معني الغضب ومعني الحزن والخجل من الخسارة التي قد تصل باللاعب إلي حد البكاء وإبعاد وجهه عن الكاميرات كما لو كان خسران الهدف هو نهاية العالم بالنسبة له!!...فإذا كان هذا هو حال خاسر الكرة فما بالكم بخاسر الأهل والدار والأولاد والآباء والوطن ظلما وعدوانا!!...أكسروا تشفير كأس العالم حتى يعرف المشاهدون أن اللاعب لا يذهب إلي الملاعب حاملا دفاتر حساباته السرية أو العلنية بالبنوك لينال الفوز ولا يمكن أن يتذكرها لتحمل عنه حزن الخسارة فكرامة الانتصار متعة لا تحققها المليارات... كلية الهندسة جامعة أسيوط[email protected]