كشفت تقارير صحفية غربية النقاب عن صدق القراصنة في أن سفينة الشحن الأوكرانية التي سيطروا عليها في سبتمبر 2008 وكانت تحمل شحنة أسلحة ودبابات متجهة لجنوب السودان وليس إلى الجيش الكيني الذي نفت حكومته وأوكرانيا وجنوب السودان حينها أن تكون تلك السفينة متجهة لجنوب السودان الذي يتوقع محللون انفصاله عن شمال السودان. وأظهرت عدة برقيات أمريكية مسربة كشفها موقع "ويكيليكس" صدق القراصنة، وأن ما قاله المسؤولون الكينيون والأوكرانيون هو محض كذب، وإن هذه الدبابات لم تكن فقط متجهة إلى جنوب السودان، بل كانت تمثل أيضا الدفعة الأخيرة من عدة شحنات أسلحة سرية تم تهريبها لهذه المنطقة المضطربة. وفي الوقت الذي تم فيه الاستيلاء على هذه السفينة، كانت 67 دبابة من طراز (T - 72) قد وصلت بالفعل إلى جنوب السودان لتعزيز قوة جيشه ضد الحكومة في الخرطوم. وأكد مسؤول من جنوب السودان خلال مقابلة معه أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش كانت على علم بشحنات الأسلحة هذه وقررت عدم التدخل لإيقافها، كما أن البرقيات المسربة تتضمن اعترافات بأن المسؤولين الكينيين أطلعوا المسؤولين الأمريكيين على هذا الأمر. لكن بعد أن كشف القراصنة هذا الطريق لنقل الأسلحة لجنوب السودان من خلال كينيا، فإن إدارة أوباما احتجت لدى حكومات أوكرانيا وكينيا، بل وهددت حتى بفرض عقوبات، وذلك وفقا لبرقيات وزارة الخارجية. وقد أطلع "فان إتش فان ديبين" المسؤول البارز بوزارة الخارجية الأمريكية، المسؤولين الأوكرانيين على عقد بيع الأسلحة الذي يشير إلى حكومة جنوب السودان بوصفها الجهة المتلقية، وفقا لبرقية صادرة عن السفارة الأمريكية في كييف في نوفمبر 2009. وتضيف البرقية أنه عندما أدعى المسؤولون الأوكرانيون أن هذا العقد مزور، فإن ديبين "أطلع الأوكرانيين على صور تم التقاطها بالأقمار الصناعية لشحنات دبابات (T - 72) أثناء تفريغها في كينيا ونقلها للسكة الحديد لشحنها مرة ثانية لهدفها الأخير في جنوب السودان. وقد أدى ذلك إلى إثارة غضب الجانب الأوكراني، وقد أوضحت برقيات وزارة الخارجية، التي اطلعت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" والعديد من المنظمات الإعلامية الأخرى، بجلاء هذا التغير في موقف الولاياتالمتحدة السياسي والقانوني من نقل الأسلحة إلى جنوب السودان. ويأتي الكشف عن شحنة الدبابات التي سيطر عليها القراصنة لفترة والتي لا يزال مصيرها غير معلوم حتى الآن بعد أن تم تسليمها إلى كينيا، في واحدة من أدق الفترات التي مرت بتاريخ السودان، أكبر دولة أفريقية، والتي على وشك الانقسام إلى دولتين، حيث من المقرر أن يصوت سكان جنوب السودان يوم 9 يناير المقبل في استفتاء على انفصالهم عن الشمال، لوضع نهاية لحرب أهلية دامت طوال 50 عاما. ويتدفق على الجانبين كميات ضخمة من الأسلحة، خاصة الشمال، ليصبح السودان واحدا من أكثر البلدان القابلة للاشتعال في القارة. وهذا ما دعا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤخرا إلى القول بأن السودان أصبح "قنبلة موقوتة". وفي حين كتبت الصحف الكينية وغيرها حول شحنة الأسلحة منذ استيلاء القراصنة عليها، فإن التأكيدات الجديدة التي تشير إلى أن حكومة جنوب السودان كان المتلقي النهائي لها أثارت مخاوف الدبلوماسيين من أن هذه الأنباء قد تؤدي إلى تأجيج التوترات. وقد ابتسم غازي صلاح الدين، المستشار البارز للرئيس السوداني عمر حسن البشير، عندما سمع عن هذه البرقيات. وقال في تصريحات صحفية:" إننا على علم بذلك، نعم، نحن على علم بذلك.. وأنه لا يستغرب تغاضي الولاياتالمتحدة عن بعض هذه الشحنات: "رسميا، نحن أعداء" ومع ذلك، قال إن الشحنات يمكن أن تصبح "قضية ساخنة جدا سياسيا". وتعاقدت حكومة جنوب السودان منذ عدة سنوات على شراء 100 دبابة من أوكرانيا من أموالها الخاصة. وقد وصلت أول شحنة من الدبابات الأوكرانية إلى جنوب السودان عام 2007 من دون ضجة كبيرة، ووصلت الشحنة الثانية عام 2008. ولكن في سبتمبر 2008، سيطر القراصنة الصوماليون على سفينة الشحن الأوكرانية "فاينا". وكانت السفينة تحمل على متنها 32 دبابة من نوع (T - 72) والتي تعود إلى الحقبة السوفياتية و150 قاذفا للقنابل و6 مدافع مضادة للطائرات وكمية من الذخائر. وفي البداية، كان المسؤولون الأمريكيون يخشون من احتمال قيام القراصنة بتفريغ حمولة السفينة من الأسلحة في الصومال. وبعد شهور من المساومات، تم دفع فدية قدرها 3.2 مليون دولار، ليتم الإفراج عن السفينة بحمولتها من الأسلحة لتسلم إلى كينيا.