الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فقد كنت طرحت أسئلة توجه عادة للسلفيين ، واقترحت أن تأتى الإجابة بمثال يصلح من وجهة نظرى ليوضح موقف هذه الطائفة . فأقول مستعيناً بالله ومتبرئاً من حولى وقوتى : القصة بادىء ذى بدء ، أن التغيير عند السلفيين ليس بغاية ، أكبر فرق بين السلفيين وسائر طلاب التغيير أنهم لا يريدون التغيير لذاته ( تغيير والسلام ) لا يريدون تغيير ( على ما تفرج ) . لذلك لا ينخرطون فى لعبة إنتخابات مثلاً ، ولا يعقدون حلفاً وقتياً لبلوغ التغيير المنشود ، مرة مع حزب ماركسى ومرة مع حزب علمانى بل ومرة مع حزب حاكم. الذى يحدد رؤية السلفيين للتغيير هى ( رؤيتهم للغاية من هذا العالم ،واستخلاف الإنسان فى هذا الكون ) ، هذه الرؤية هى الفارقة والحاسمة ، والتى عليها ينبنى كل ما بعد ذلك ، وبها تتحدد آليات التغيير ، وأهدافه وأولوياته وخطواته ، وفقه ، ومعنى ، وحكم التغيير ، والبيئة التى تساعد على إحداث التغيير ، وما هو التغيير النافع ، وماهو التغيير الخادع ، وطبيعة الكوادر والقيادات المطلوبة للقيام بهذا التغيير . و إلى أى مدى يمكن أن نتنازل . باختصار و فى كلمة واحدة تغنى عن أى كلام : ( التغيير عند السلفيين كأى قضية لا يخرج عن أحكام التكليف الخمسة : حرام وحلال ومباح ومكروه ومستحب)، ولذلك يتعاملون معه من كتب الفقه وأقوال أهل العلم ، ولذلك لم يفكروا لحظة حين جاء البرادعى ، فجاء الرد السلفى فورياً وجماعياً ودون اجتماع السلفيين لتحديد موقفهم منه - لا علاقة للبرادعى بالتغيير الذى ينشده السلفيون - فكيف حدث هذا ؟ حدث لأنهم عادوا فوراً لقواعد شرع حاكمة ، وفتحوا صفحات التغيير فوجدوا الرد الواحد . السلفيون لا حول لهم ولاقوة ، ولا رأى لهم ولا رؤية - إلا بقدر ضيق - لأنهم محكومون بشريعة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وهم يوقنون أن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى ربه إلا وقد علم الصحابة كل شىء ، وكما قال أبو ذر رضى الله عنه : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم . والسلفيون يوقنون أن الله عز وجل قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً) ، وقال : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )، وقال : ( فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول ) ، وقال : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ). إذاً السلفيون ليس لهم من الأمر شىء ، ولا يحل لهم أن يبدلوا كلام الله ولا كلام رسول الله ،هذه واحدة. بقى أن يقول قائل: كل أبناء التيار الإسلامى يقولون : نحن مثلهم نقول بالكتاب والسنة ، فنقول لهم بفهم من ؟ إن قلتم : بفهم السلف ، قلنا لكم حُلت المشكلة ، فإذا اختلفنا فى أمر رجعنا إلى فهم السلف لكلام الله ورسوله ، وذلك على الأقل إحتراماً للتخصص والرسوخ فى العلم والإحاطة بالفروع والأصول، واحترماً لقربهم من عصر الوحى وهو ما يعنى قلة احتمال الخطأ . وإن قلتم : بفهم الخلف،فهم رجال ونحن رجال ، ونحن أدرى بعصرنا ، والشافعى له مذهب جديد ومذهب قديم ، وهذه الشنشنة التى نعرفها ونحفظها، قلنا لكم : ( أهل مكة أدرى بشعابها ) ولماذا نلجأ إلى فهمكم ؟ والأمر يتعلق بأصول نزلت عليهم ، وتُليت بينهم ، وفُسرت لهم ، وعاشوها واقعاً فى حياتهم !! فإن قلتم : لكل عصر طبيعته ، قلنا لكم : دلونا على شىء فى هذا العصر يستعصى أن ننزل عليه شيئاً من أحكام الشريعة . ثم والأهم ننحن نشاهد الجميع منذ سنوات طويلة يجربون تأويلهم ومناهجهم فلم نزدد معهم إلا هواناً وضياعاً . نعم ، لم يجد السلفيون مسألة تضطرهم إلى الإختراع أو الإبتداع أو التنازل عن الثوابت، بل كل ما يحدث إما موجود نصاً فى الكتاب والسنة ، أو قياساً ، ولا شك أن القياس أولى ألف مرة من القول بالرأى المجرد ،فضلا عن أن تجارب الجميع المريرة تزيد السلفيين إصراراً على منهجهم - الذى هو فى أسوأ حالاته يضمن نجاة الآخرة وسعادة الدنيا لأنه ولا شك أحوط وأقل مخاطرة - كما وأن نجاحات السلفيين المبهرة ، وانتصاراتهم التى جعلتهم القوة الأولى فى العالم ، فلم ينهزموا قط فى العراق ولا أفغانستان ولا الصومال ولا الشيشان ، وعددهم فى ازدياد ودعاتهم فى السماء ،والسلفيون من نجاح إلى نجاح مع أقل فرص أتيحت لهم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، كل هذا جعل ثقة السلفيين فى منهجهم تزداد كما لو كانوا نزلت عليهم مائدة من السماء ، أو دعوا الطير المذبوح فجاء إليهم يسعى . إذاً السلفيون لا يقولوا برأى من عند أنفسهم ، ولا يخرجوا فى فعل ولا قول عن أقوال فقهاء وعلماء وسادات الأمة ، و لو كان الأمر بيدهم لنبذوا الخلاف ولأرضوا الخلق ولكنهم يعرفون قول الله عز وجل لنبيه : ( ودوا لو تدهن فيدهنون) فنهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُقدم أى تنازل ، حتى لو ترتب على ذلك تنازلات من الخصوم ، إذ الغاية لا تبرر الوسيلة ، والله عز وجل يتعبدنا بالعمل لا بالنتائج ، والله عز وجل طيب لا يقبل إلا الطيب .إنه دين جاء ليَحكُم لا ليُحكَم ، جاء ليُغَير لا ليتغير ، جاء ليتكيف معه الخلق لا ليتكيف هو مع الخلق ، ولو أننا تركنا لكل عقل من عقول المسلمين أن يضع تأويله الخاص وذوقه ووجده وعقله ورؤيته ، لكان لدينا إسلام جديد كل ساعة، ولو أننا ضيقنا الأمر فمنحنا ذلك للنخب لمُنحنا إسلاماً جديداً كل يوم . لعلكم عرفتم الآن لماذا لا يضع السلفيون أيديهم فى يد من يرفعون شعار التغيير ؟ ولماذا لا يتحالف السلفيون مع بعض القوى السياسية للوصول إلى أهداف شريفة ؟ ولماذا لا يتجمل السلفيون ويخفوا بعضاً من منهجهم وآرائهم حتى يمكن أن يقبلهم مجتمع النخبة ؟ و لماذا لا يتعاون السلفيون مع رموز التغيير ؟ بقى أن أقول : * أنا حين أشرح - ما أعتقد- أنه تفسير لتصرفات السلفيين فلا يعنى ذلك الموافقة المطلقة على هذه التفسيرات والتأويلات ، أو أن الحق بالكلية بجانب السلفيين وحدهم ، أو معهم دائماً ، وإنما أنا أحاول فقط أن أجيب على : لماذا ؟ وأن أزيل الدهشة والإستغراب . * مهما اختلف واحد أو جماعة مع رؤية السلفيين فيظل من حق السلفيين أن تكون لهم رؤيتهم ، ويظل من حقهم أن يجهروا بها وأن يدافعوا عنها وأن يعتقدوا أنها الحق وأنها الأصلح . [email protected]