ما يحدث في مصر الآن من حمى الحشد للتصويت بالموافقة على الدستور الجديد يضاعف من المخاوف عن التلاعب بنتائج التصويت ، ويضعف كثيرا أي ثقة في قدرة النظام الحالي على إجراء انتخابات حرة بحياد وشفافية ، ويؤكد أن الحواجز القانونية والأخلاقية التي تلزم الدولة بالحياد والنزاهة في الموقف من إرادة الشعب قد انهارت واستبيحت بصورة غير مسبوقة ، يمكنك أن تفتح أي وسيلة إعلامية رسمية الآن ، مملوكة للدولة بصورة أو أخرى لتجد حملات ترويج صاخبة للتصويت بنعم على الدستور دون أن يوجد أي صوت على الإطلاق يعطي الرأي الآخر ، في التليفزيون الرسمي بجميع قنواته الأرضية والفضائية ، في الصحافة القومية ، ودع عنك الفضائيات الخاصة الملحقة بالمؤسسة العسكرية وأجهزتها ضمنيا ، أيضا يمكنك أن تشاهد المؤتمرات التي تعقد في المحافظات المختلفة والتي يحضرها السيد المحافظ بشخصه ومعه لفيف من القيادات التنفيذية في المحافظة والرموز الأمنية سواء أصحاب الثياب العسكري الواضح أو الثياب المدني المدجج بالطبنجات وأجهزة اللاسلكي ، وهم جميعا يحشدون الناس من أجل التصويت بنعم على الاستفتاء ، رغم أن هذا ليس عمل السلطة التنفيذية ولا هو دور المحافظين ، بل ما يفعلونه جريمة سياسية وأخلاقية وقانونية ، وتمثل نوعا من الإكراه المعنوي للشعب على التصويت باتجاه محدد ، وهو ما يصم الاستفتاء بالتزوير في أي نظام ديمقراطي أو قانون عادل ، وأنه إذا كان هناك أي دور للدولة وأجهزتها وإعلامها فهو إدارة حوار حقيقي بين من يوافق ومن لا يوافق ، من يقول نعم ومن يقول لا ، لا أن تحاصر الناس وتضغط عليهم للتصويت بنعم ، لا أحد يسأل ، بل المضحك المبكي أن تفاجأ كل عدة أيام بالصحف وهي تزف إليك نبأ نجاح أجهزة الأمن في ضبط عدد من المواطنين يروجون للتصويت ضد الدستور في الاستفتاء الجديد ، أي أن التصويت ب (لا) أصبح جريمة ، ومحاولة أي قوة سياسية أو أي مواطن إقناع غيره بأن الصواب هو التصويت بلا أصبح عملا ضد القانون وضد النظام العام ، يستوجب القبض على صاحبه وتقديمه للعدالة ، والذي يجعلك تضرب كفا على كف أن النيابة العامة ، مفتاح العدالة ، تصدر قرارها بحبسه على ذمة التحقيق ، التحقيق في الجريمة النكراء بأن له رأيا مختلفا في الدستور المقبل ، وأنه يمارس حقه الديمقراطي في إقناع الناس بوجهة نظره كما تفعل الحكومة على الأقل بإقناع الناس بوجهة نظرها ، هذا الذي يحدث ضرب من الجنون إذا تم قياسه بمقاييس العالم المتحضر ، أو بموازين أضعف نظام ديمقراطي في العالم . أصبح من يقول : لا ، هذه الأيام مجرما مدانا يتوجب عقابه ، وأخشى أن نسمع بعد 16 يناير أخبارا من مثل : القبض على بعض المشاغبين صوتوا ضد الدستور في الاستفتاء التي عقد مؤخرا ، لأن سياق الانهيار يفضي لذلك حتما ، وإذا كانت الدولة تفعل كل ذلك من أجل أن تمرر الدستور الجديد ، فلماذا دعت الشعب للتصويت أساسا ، الحكاية بسيطة ، شحن عدة آلاف من فلول مبارك وأنصار الكنيسة و"أهالي" الداخلية المعروفين في ميدان التحرير وفي محيط الاتحادية ، وفوقهم عدة طائرات هليوكبتر توزع الحلوى والبالونات في احتفالية تضامن الجيش مع الشعب ، وبذلك تكون الإرادة الشعبية قد تجلت في القبول بهذا الدستور الجديد ، ولا داعي لإهدار ملايين الجنيهات في عمل استفتاء ولجان ونفقات لا معنى لها ، عملية الاستفتاء ذاتها وفق المناخ الأمني والسياسي والإعلامي الذي يحدث الآن عبث حقيقي ، فهناك حالة إكراه معنوي صريحة للشعب على التصويت بنعم ، الحكومة استنفرت كل وزاراتها ووزرائها من أجل عمل مهرجانات "نعم" ، وزارات الشباب والرياضة والحكم المحلي والداخلية والإعلام والسياحة والصناعة وغيرها ، تخصص ميزانيات كبيرة الآن لعقد المؤتمرات والمهرجانات لمحاصرة وعي الشعب للتصويت بنعم ، هذه هستيريا لا صلة لها بأي نظام ديمقراطي ، والاستفتاء بذلك يفقد معناه ، الاستفتاءات تدعو لها الدول لمعرفة رأي الشعب ، بدون تدخل أو إكراه أو ضغط في أي وجهه ، ودور الحكومات هو احترام إرادة الشعب التي يفرزها التصويت الحر . هل هذه الحكومة وتلك الممارسات يمكن أن تبعث فيك أي أمل على أن هناك انتخابات ستتم في المستقبل ، هذا إذا مر الدستور ، هل هذه الممارسات القمعية والاستبدادية إعلاميا وأمنيا وإداريا وسياسيا ، يمكن أن تعطي أي أمل في سلامة أي انتخابات مقبلة ، سواء كانت برلمانية أو رئاسية ، أعتقد أن الجواب باين من عنوانه .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1