يبدأ الفيلم بمقطع من مسلسل " لن أعيش فى جلباب أبى " وفى هذا المقطع عدة إيحاءات سياسية تنطبق على الواقع الذى تعيشه مصر فى هذه الأيام ، فالمقطع يتحدث عن محاولة أحد الأشخاص المصالحة بين عبدالغفور البرعى بطل المسلسل الذى يمثل الشعب المصرى فالبطل رفض أن يعيش فى جلباب أبيه الذى وجد نفسه فيه من بداية حياته والتى تقضى عليه الحياة فى فقر وذلة وضعف واستكانة والرضى بالأمر الواقع ، وأنه يجب عليه أن يرضى بإذلال ابن صاحب العمل له ورجاله الشجعان فقط على الضعفاء والمساكين من خلق الله ، ولكن البطل رفض أن يعيش فى هذه الحالة من الضعف والاستكانة ، وخرج عن العادة ، وأصبح من كبار الرجال فى مجتمعه من ناحية المال والسلطان ، بل أصبح يفرض رأيه ووجوده على من كانوا يظنون أنهم أسياده فى الوقت القريب ؛ لأنه يرى أنه الأحق بذلك الواقع منهم ، فهو الذى اجتهد وتعب فى الوصول إلى ما هو فيه ، أما ابن صاحب عمله ورث هذا الجاه والسلطان عن أبيه المتوفى . وهذا المقطع من الفيلم القصير يشبه إلى حد كبير حكاية الثورة المصرية ، والتى رفض شعبها المصرى الحياة فى جلباب حسنى مبارك ورجاله إلى أبد الآبدين ، كما رفضوا الخنوع والذلة والاستكانة إلى هذا الحكم الظالم ، وخرج بكل طوائفه رافضًا لحكم رجال مبارك الذين ورثوا حكمه بلا تعب منهم ولا أهلية لهذا الأمر ، ولهذا تدخلت كثير من الأطراف للمصالحة ولكن بلا فائدة ، حتى أخذ الشعببزمام الأمور ، وانتهى نظام مبارك بحكم الرئيس محمد مرسى الذى انتخبه الشعب المصرى فى انتخابات حرة ونزيهة ، ولما انقلب الجيش المصرى على حكمه ، أخذ الشعب بزمام الأمور مرة أخرى ، وما زال فى الشوارع رافضًا الحياة فى الجلباب نفسه الذى يراه له الجيش ونظام مبارك . وفى مقطع آخر يظهر بطل الفيلم القصير أبو زهرة وهو يمتعض من الأخبار التى تتكرر على القنوات كلها بوجوه مختلفة وأصوات مختلفة ولكن المحتوى واحد ، حتى إننا نرى المذيع وهو رجل والصوت صوت مذيعة أخرى على قناة أخرى ، وهذا يعطينا الإيحاء بأنهم يتحدثون من ورقة واحدة ومن منبع واحد ، لأنهم يتحدون فى المصدر والهدف والنتيجة . ويظهر من الفيلم بوضوح تلك الصدمة العنيفة التى كادت تودى بهذا الرجل البسيط من حزب الكنبة الذى يجلس فى بيته فى حرية وبلا مشاركة فى الحياة العامة ولكن الأحداث تلقى بثقلها عليه بلا طلب له فيها ، فهو رجل غير متدين نوعًا ما بدليل ذلك المقطع الذى يأكل فيه بيده اليسرى ، وبطريقة توحى بعدم الأدب فى تناول الطعام ، ومع هذا كله وجدناه يتألم ويعتصر الألم قلبه عندما يرى كل هذه الأكاذيب من الإعلام المصرى الذى يدلس الحقيقة ويكذب فى أشياء لا يمكن للعقل مهما كان بسيطًا أن يقبلها ، كما أنه يرفض هذا الكذب الذى يستغفل عقول الناس البسطاء والذى يظن بهم الجهل وعدم المعرفة بأبسط الأمور ، وتزداد الأمور سوءًا عندما يرى ابنه الذى رباه على الابتعاد عن المشاركة فى الحياة العامة والسياسية متهمًا بجريمة شنيعة ، بل وجد نفسه فى النهاية هو أيضًا ذلك الرجل الطاعن فى السن متهمًا وسجينًا ، كما حدث مع المستشار الخضيرى وغيره ، وهم رجال كبار فى المقام والسن أيضًا ، تمنعهم أمراضهم وأخلاقهم عن فعل هذه الترهات التى يتلفظ بها الإعلام المصرى فى كل وقت وحين ، مستغفلاً الناس ، وكأنهم أجسام لا عقول لها. د / عيد فتحى عبد اللطيف