وأخيراً بعد مرور سبعة عشر أسبوعاً (119 يوماً) على مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، صدر التقرير النهائي لمصلحة الطب الشرعي عن ضحايا الفض وذلك بعد أن توقفت وزارة الصحة المصرية عن إصدار إحصاء بالعدد الإجمالي للخسائر في الأرواح . (1) وصدر التقرير في قرابة الثلاثة آلاف صفحة، وكشف عن (377) حالة تم تشريحها ومعرفة سبب الوفاة ونوع الإصابة بها .. كما تضمن (157) حالة أخرى كانت موجودة داخل مسجد الإيمان اكتفت وزارة الصحة بالكشف الظاهرى عليها، ولم تعرض على الطب الشرعى، وبالتالى لم تخرج لها تقارير طبية تشريحية. وعليه فالمحصلة النهائية وفقاً للرواية الرسمية (534) شهيد!! وبعيداً عن اللغط الإعلامي الدائر عن تقديرات الشهداء، خاصة أن الرواية الأخرى للقطاعات المناهضة للإنقلاب العسكري تقدر ضحايا الفض بالآلاف. فإننا سنعتمد الرواية الرسمية للدولة ونريد أن نشير إلي عدة أمور جوهرية فيها. (1) أن هذا التقرير قد جاء بعد أن أصدر قادة الإنقلاب العسكري أوامرهم بالتوقف عن إحصاء عدد الشهداء الذين سقطوا .. ولا غرابة في ذلك فكيف نطلب من القاتل أن يصدر لنا بيان يكشف لنا حجم جرائمه ويعدد لنا مجازره! وبالتالي فإن عدد الضحايا الذين سقطوا أكثر من ذلك بكثير خاصة بعد الروايات الأخرى التي تحدثت عن محاولات حرق جثث المتظاهرين! ومع حالات إجبار ذوي الشهداء على التوقيع بأن ذويهم قد ماتوا نتيجة لقدومهم على الإنتحار! (2) أن هذا البيان قد تحدث عن أعداد القتلى (الشهداء) الذين سقطوا ولم يذكر شيئاً عن أعداد المصابين . (3) أن هذا التقرير ذكر ضحايا مجزرتي رابعة والنهضة .. ولم يذكر شيئاً عن ضحايا المجازر الأخرى! فلم يتحدث عن ضحايا مجزرة نادي الحرس الجمهوري (8 يوليو)، ولا مجزرة رمسيس (15 يوليو)، ولا مجزرة الحرائر بالمنصورة (20 يوليو)، ولا مجزرة المنصة (27يوليو) ... والقائمة تطول. ولا تكاد مظاهرة من المظاهرات المناهضة للإنقلاب العسكري تخلو من شهيد أو جريح ! فضلاً عن اللاآدمية والوحشية في التعامل مع المتظاهرين وخاصة النساء !!! (4) أن رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب حازم الببلاوي قد صرح من قبل لصحيفة "المصري اليوم" إن حصيلة القتلى يوم فض ميدان رابعة كانت "تقترب من الألف"! وفي (14 نوفمبر) أعلنت مصلحة الطب الشرعي عن حصيلة بلغت (726) لإجمالي الجثامين المنقولة إلى المشرحة الرسمية أو المستشفيات، مع استبعاد الجثامين المدفونة مباشرة بمعرفة ذويهم. وجمع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قائمة من (904) اسماء لأشخاص قُتلوا أثناء تفريق اعتصام رابعة. (5) أننا إذا تعاملنا وفقاً للرواية الرسمية للدولة فإن سقوط شهيد واحد كسقوط ألف شهيد! فلابد من القصاص من قاتليه. والأمر لا يحتاج إلي تأصيل شرعي أو يحتمل خلاف فقهي فإنه (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) –المائدة32-. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ " – رواه مسلم في صحيحه-. (2) ومن الجدير بالذكر أن هناك فئة من الناس (تُسكّن) ضمائرها و(تُسكت) قلوبها إذا تحركت من هول ما ترى أو ما تسمع من بعض وسائل الإعلام الرافضة للإنقلاب العسكري فتقول: بأن هؤلاء إرهابيون قد قتلوا الجنود والضباط على الحدود وغيرها، خاصة أن التقرير سالف الذكر قد ذكر ضحايا الشرطة الذين بلغوا يوم الفض (55) حالة منها (8) حالات وقعت في فض الإعتصام وباقي الحالات وقعت في باقي المحافظات على مستوى الجمهورية ، ولنا هنا عدة وقفات. (1) أن ضحايا الشرطة الذين سقطوا في أحداث الفض ثمانية فقط، ونحن هنا لا نقلل من سقوط ثمانية قتلى ولكننا ندين الإعلام الكاذب الذي صور لنا أن بميدان رابعة أسلحة ثقيلة، ونقل لنا مشاهد الأسلحة التي اكتشفتها الداخلية بعد أن أدخلتها ميدان رابعة في عربات الإسعاف. وتأكيد هذا الأمر أنه بإستخدام العقل المجرد .. بعيداً عن الهوى .. ما كان يمكن أن يسقط هذا العدد (الهائل) من المعتصمين في رابعة لو كانوا يملكون هذه الأسلحة حقاً! وما سقط هذا العدد (القليل) من رجال الشرطة بالنسبة إلي الأسلحة التي تم استخراجها من الميدان. (2) أن التقرير –مشكوراً- قام بإحصاء ضحايا الشرطة منذ يوم فض الإعتصام وحتى 13 نوفمبر الماضى وقد وصلت حالات ضحايا الشرطة إلي 146حالة منها 32 ضابطا، و57 فرد شرطة، و2 موظف مدنى، و55 مجندا. وقد كنا نرجو من التقرير الذي ذكر لنا ضحايا الشرطة "146" أن يحصي لنا في نفس المدى الزمني ضحايا المناهضين للإنقلاب .. مع التأكيد والتشديد على أربعة أمور جوهرية: الأمر الأول: أنه يروج إعلامياً بأن هذه الحوادث التي تحدث في سيناء وغيرها نتيجة لإفراج الرئيس محمد مرسي عن الجهاديين وغيرهم .. فهنا تأتي شهادة مسئول سابق بقصر الرئاسة إبان حكم الرئيس مرسي والتي نشرتها جريدة الشروق على موقعها الإلكتروني في 30/08/2013 وتحفظت على إسمه بناء على رغبته بأن الرئيس مرسى كان حريصاً جداً على التزام الأعراف القانونية فى مسألة العفو عن المحكوم عليهم، رغم أنه كان يملك سلطة مطلقة بنص الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 للعفو عن العقوبة، مؤكداً على أن ملف الإفراج عن قيادات وأعضاء تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية المحكوم عليهم كان أحد بواعث التوتر الدائم بين الأحزاب الإسلامية المتشددة ومرسى، لأنه كان لا يفرج عن شخص واحد منهم دون موافقة الأمن العام. ثم دلل على ذلك بواقعة أن هذه اللجنة لم توافق إلاّ على الإفراج عن 27 من هذه القيادات، وأصر مرسى على سماع موافقة الأمن العام على الإفراج عنهم بنفسه، فى واقعة غريبة أدهشت جميع الحضور، حيث كان قد تحدد موعد لاجتماع هذه اللجنة، وتزامن مع انشغال مرسى فى أمر آخر، فأنهت اللجنة بالفعل عملها وأغلق محضر الاجتماع وبه موافقة ممثلى الأمن العام على الإفراج عن هؤلاء القيادات، وغادر ممثلو الأمن العام قصر الاتحادية..وبعد أنهى الرئيس السابق لقاءه، سأل عما تم فى الاجتماع، فأخبره مساعدوه به، فطلب منهم الاتصال فوراً بممثلى الأمن العام، وتناول هو سماعة الهاتف وطلب منهم شخصياً العودة للقصر، ليناقشهم هو بنفسه فى حالات القيادات الجهادية الإسلامية، ويسمع منهم موافقة الأمن العام على الإفراج عنهم!!! الأمر الثاني: لابد من وجود (أدلة) على تورط (شخص) ما أو (جهة) ما في هذه العمليات الإرهابية.. فكل الإتهامات التي وُجهت للإسلاميين من حرق للكنائس والهجوم على أقسام الشرطة والإعتداء على المنشآت هي اتهامات بلا دليل واحد! كل الحوادث تمت "إدانة" الإسلاميين فيها بلا "دليل" وصار الحادث "بذاته" دليلاً على "الإدانة" وصارت أجهزة الإعلام هي "القضاء"! الأمر الثالث: أن تصريحات القيادي الإخواني د. محمد البلتاجي التي صرح فيها أن العنف في سيناء سيتوقف إذا عاد الرئيس مرسي للحكم .. تم اجتزائها من سياقها .. حيث أنه كان يشير إلي حالة "عامة" من "الإحتقان" لدى قطاعات عريضة وإن هذا الإحتقان سيزول بعودة الرئيس مرسي .. وقد أكد هو على هذا المعنى بعدها حينما سُئل عن ذلك. الأمر الرابع: أن السلوك الفردي –غير المنظم والعشوائي- من "بعض" المتظاهرين بحمل "سلاح" هو تصرف فردي "يعاقب" هو عليه لا يُتخذ ذريعة لقتل الآف بدون وجه حق .. والله تعالى يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) –الإسراء 32-. (3) يأتي في هذا السياق في ظل (السكوت) الإعلامي والحقوقي من (أدعياء) حقوق الإنسان والحضارة والمدنية .. وفاة (والدة) الطالب الأزهري محمد يحيي, الطالب بكلية التربية جامعة الأزهر, (كمداً) بعد أن توفى نجلها –بيوم واحد- بعد تعرضه لإطلاق رصاص حي من قوات الشرطة في 9/12/2013. فكم من النساء قد رُملت؟ وكم من الأمهات قد متن كمداً على أولادهن؟ وكم من الأطفال قد يتموا بعد مقتل ذويهم؟! وذلك وفقاً للرواية الرسمية فقط !!! يتزامن مع ذلك في تناسق عجيب انتشار مقطع لمفتي الدماء الذي أفتى بجواز قتل المتظاهرين المناهضين للإنقلاب.. الرجل الذي يوسم نفسه ب (الإمام العلامة) د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق ..وهو ينصح اليهود ضمن مؤتمر في المعهد الأمريكي للسلام بأمريكا عن اليهود والصهيونية مؤكدا أن الصورة الذهنية للعرب والمسلمين عن اليهود خاطئة وطالب اليهود بتصحيحها! وأكد أن اليهود والاسرائيليين والصهاينة مقصرين في تصحيح صورتهم في العالم العربي وللشعوب العربية!! ويبدو أن جمعة قد اعتاد تقديم الفتاوى والنصائح للقتلة والسفاحين .. هذا العلامة الذي وصف شهداء رابعة بأنهم سيدخلون الجنة لأنهم (عبط) وتوسع قائلاً: (وأكثر أهل الجنة البله)!! حينما عنونت كلامي هذا ب (مدينة الموتى) لم أقصد به الموتى الذين سقطوا لأنهم (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، ولكني قصدت (الموتى) الذين (قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فصارت لا تهتز لسقوط شهيد هنا أو هناك! بل ومنهم من يهلل للقتلة ويشيد بعظمتهم وحكمتهم! فيا قاهرة المعز .. قد صرت قاهرة لأبنائك .. وصرت كأنك مدينة من موتى القلوب وموتى الإنسانية في صورة أشباح .. وصارت بلادنا مدينة من القهر والقتل والذل .. ولا حياة فيمن تنادي! والله من وراء القصد ،،،
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.