الأستاذ سليمان جودة، وهو كاتب ذو عمود متميز، لا يعجبه دعاء السفر أو الركوب القرآني في المسجل الذي يذاع داخل الطائرة فور استواء المسافرين على متنها وقبل إقلاعها. وقد عبر عن عدم رضائه عن الدعاء في مقالين متتاليين، وناشد وزير الطيران رفعه لأنه ينفر ولا يبشر، واستخدام دعاء آخر، ونحن من جانبنا نرجو ألا يستجيب الوزير لذلك. ماذا يقول الدعاء القرآني الذي يطالب الكاتب برفعه... "لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين* وإنا إلى ربنا لمنقلبون" وهى الآيتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة من سورة الزخرف. معنى الآية- ولا أظنه غائبا عن ذهن الكاتب- أن الله سبحانه وتعالى سخر لنا ما نركبه للتنقل من دواب وفلك وذللها لنا، إذ كيف لنا- وهى تفوقنا ضخامة وقوة- أن نعتلي ظهورها بغير تذليلها وتسخيرها من لدن حكيم قادر! علينا إذن أن نتذكر هذه النعمة حين نستوي على ظهورها، ونشكر الله على تذليلها لنا. وليس المراد من تذكيرنا بهذه النعمة إشاعة الخوف أو إثارة الذعر بين المسافرين- كما يتوهم البعض-، بل للتذكير بأن النعمة هذه موجبة لطاعة الخالق المذلل وشكره. فالآية لا تنفر، هى للحماية وبث الطمأنينة. أليس بذكر الله تطمئن القلوب! كما وليس معنى"إنا إلى ربنا لمنقلبون" أن شيئا لا نتمناه سيحدث، وإنما ذكر لله يرطب اللسان وبه يطمئن القلب وتسكن النفس. ومن منا لا يردد هاتين الآيتين عند استوائه على ظهر أي وسيلة نقل على البر أو في البحر أو في الجو. أفحينما نرزق بمن يذكرنا بها نتطير ونتشاءم. ولا يقضي العجب من الكاتب وهو يكتب أنه من الأفضل ترديد دعاء نبوي سبق أن استعان به ملك المغرب فنجا من محاولة تفجير طائرته في الجو وهو على متنها. ويبدو أن ذلك الدعاء أصبح"ملكيا"، وأصبح ملك المغرب مرجعا في الأدعية. ترى لو أن الملك قد استعان بالدعاء القرآني الذي أمرنا الخالق، مقدر الأعمار، لما نجا . ثم أيهما مقدم على الآخر، هل الدعاء النبوي أم القرآني. لا أظن أن الكاتب قد تلقى شكوى من مسافر انتابه الخوف بمجرد سماع الدعاء القرآني في الطائرة، ولئن كان قد تلقى بالفعل أي شكوى، فكان عليه أن يشرح معنى الدعاء، لا أن يشاركهم بلا روية شكوى ليس لها ما يبررها، بل وفيها من الشطط ما يستوجب المؤاخذة. كنت أود من الكاتب أن يطالب بعدم تقديم مشروبات كحولية على متن الطائرة والجميع معلقون بين السماء والأرض ويرجون- وهم في عين المعصية- رحمة الله. لكل جواد كبوة... الكاتب جانبه الصواب حين يطالب برفع الذكر القرآني، وحين يطالب بغيره، وحين يطالب بانتقاء من القرآن ما يلائم الموقف(!) ، وحين استشهد بدعاء ملك المغرب، وأخطأ حين ساق حديث الرسول (ص) "بشروا ولا تنفروا"، فالمقصود بهذا الحديث أن يكون مرشدا للتعاملات بين الناس. والله أعلم.