«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الَعَربُ و إسْرَائِيلُ .. مِنَ التَّبَرُّؤِ إِلَى تَأرِيْخِ الاسْتِيطَانِ
نشر في المصريون يوم 27 - 11 - 2013

الاعتماد على الذاكرة فيما يخص العلاقة بين العرب وإسرائيل من التفاصيل التي لا يمكن الفكاك من شركها الحتمي ، وكعادة الشعوب العربية هي لا ترى أزماتها التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية حتى مشكلاتها المتعلقة بالبنية التحتية إلا من منظور صهيوني استثنائي ، بل وبات العرب مولعين بفكرة
الصراع الصهيوني ذي الصبغة الأمريكية على الاستحواذ على عقله وجسده وهويته ، وبالتأكيد هذا المعنى موجود بالفعل في أجندة المؤامرات الصهيونية على دول الشرق الأوسط لاسيما الدول التي تتمتع بهويات فريدة وتاريخ ضارب في التكوين مثل مصر وسوريا وبعض الأحايين المملكة المغربية بوصفها آخر القلاع الإسلامية التي كانت شريكة للأندلس قبل سقوطها .

لكن تبقى المشكلة الأزلية التي يعاني منها العقل العربي ولا يمكنه التخلص من آثار وإحداثيات هذه المشكلة وهي تصوير وتوصيف الكيان الصهيوني المعروف بإسرائيل من خلال ذهنية عربية خالصة ، وهي رؤية تكاد تكون تخييلية قائمة على المشاهد الدموية التي تبثها بعض القنوات الإخبارية عن المجازر الإسرائيلية بشأن الشعب الفلسطيني ، أو من خلال مجموعة من المتون الثقافية القديمة التي تصور اليهودي إما على أنه تاجر مرابي ، أو صاحب حانوت لبيع الخمور ، أو جاسوس متلصص ، وهذا بفضل الإعلام المرئي السطحي الذي يعاني منه المجتمع العربي منذ عقود بعيدة .

وبحق ، تعد مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي من أبرز المشكلات المعاصرة والتي تلقي بظلالها على ممارسات المشهد السياسي الراهن ، وهي مشكلة لها جذور متأصلة ، لكننا نصر دوماً على الاقتناع بالرواية الرسمية الفلسطينية الإسرائيلية وهي الرواية السياسية التي نراها مكتوبة في مساجلات المفاوضات العلانية بين طرفي النزاع وإن كان العرب كدول يعد طرفاً رئيساً في هذا النزاع التاريخي ، وهذه الرواية الأقرب لمؤتمرات حقوق الإنسان ؛ كلام مجرد وفعل غائب ، وجوهر ضائع .

وهذه القضية ، قضية الصراع العربي الإسرائيلي تاريخ طويل من المفاوضات السرية التي لا يعلمها المواطن سوى مجموعة من الصور والمشاهد التي تبثها الفضائيات المختلفة ، وهذا التاريخ الطويل من المفاوضات السرية يمكن توصيفه بالمعقد أحياناً وبالغامض تارة أخرى ، فهو معقد لأن المشكلة لم تحل سياسياً حتى اليوم وإسرائيل نفسها تعلم أن بناء دولة حقيقية لفلسطين مالكة الأرض والتاريخ والتكوين يعني زوال الدولة اليهودية أو بالأحرى الكيان الصهيوني ، وغامض لأنه لا توجد أجندة واضحة المعالم وضابطة ذات شرائط حاسمة وحازمة لتلك المفاوضات تلزم طرفي النزاع بحقوق وواجبات غير تمييزية .

ورغم أن موضوع هذه السطور تختص بالشأن العربي الإسرائيلي ، إلا أن فكرة غياب الضوابط والشرائط المميزة للحقوق والواجبات تفرض علينا جميعاً الإشارة إلى المشهد اليومي في مصر تحديداً ما جرى يوم الثلاثاء أمام مجلس الشورى المصري وتصرفات الحكومة إزائها ، فحكومة الدكتور الببلاوي لم تقم بالواجب الذي جاءت من أجله ، وكل يوم وليلة تضرب هذه الحكومة مثالاً جديداً في الفشل الإداري لاسيما إدارة الأزمات شأن الحكومات العربية التي لا تزال تفشل كل عام على صدر عام آخر في حل القضية الفلسطينية ، ورغم أن حكومة الاقتصادي المخضرم الطاعن في العمر الدكتور الببلاوي تضم مجموعة من الخبراء والمتميزين في كافة المستويات إلا أن تلك الكفاءة وهذه القدرات لا مجال لها في توقيت مصر الراهن لاختلاف الظروف السياسية في المشهد الداخلي وهو نفس حال الإدارات العربية التي تضم الكفاءات السياسية والخبرات العميقة إلا أن تفاصيل مشهد الصراع العربي الإسرائيلي الراهن اختلفت عن ماضيها .

وإذا كنت من سنة تقريباً قمت بتوصيف حكومة الدكتور المسكين هشام قنديل بأنها حكومة هواة جاءت لشعب محترف ثورة ، فاليوم لا أجد حرجاً في توصيف حكومة الدكتور الببلاوي بأنها مسكينة أيضاً وتستحق الشفقة ، ولا أستطيع تمييزها بمصطلح سياسي كحكومة إنقاذ أو أزمات أو تسيير أعمال أو انتقالية ، لأنها لا تزال تكتشف المشهد المصري من ناحية ، كما أنها لا تزال تتعامل مع المشهد الثوري الغاضب بغير انقطاع بنفس العقلية الغائبة التي كانت تتعامل بها حكومات نظام مبارك السياسي الذي سقط وسقطت حكوماته المتعاقبة معه أيضاً . وهذا هو نفس التوصيف الذي يمكن إطلاقه علانية على الحكومات والإدارات العربية أيضاً وهي تتعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي .

فالمشهد المصري يشير إلى أن المسئول الحكومي الرسمي هو الدكتور حازم الببلاوي الذي لا يقيم لتظاهرات الغاضبين وزناً بل تلجأ حكومته بسرعة استصدار قانون يقنن وضع التظاهر ويجرم أعمال التخريب وهذا حق ، لكن الحق الغائب الممارسات الأمنية التي شاهدناها جميعا على القنوات الفضائية لاسيما قناتي MBC و ON TV والتي يمكن اختزالها في امتهان كرامة المواطن وما أدراكم ما المواطن إذا غضب أو ثار ، وما رأيته من ملامح نسائية غاضبة لا يلقن بهن تلك المعاملة الأمنية . وليس من باب الخطأ التظاهر في حد ذاته وإذا كانت التظاهرة سلمية تحتوي بعض الشعارات اللفظية ، باختصار هناك فجوة كبيرة بين وعي الحكومة للمشهد وممارسات المواطنين .
هذه الفجوة تحديداً هي نفسها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ، وهو جوهر معقد وغامض كما ذكرنا ، فالعرب ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة شريرة سارقة لا أخلاق لها ، وعلى الشاطئ الآخر يرى اليهود أن العرب ارتضوا الصفقة التي أبرموها مع الفلسطينيين والخاصة ببيع وشراء الأراضي هناك ، بل إن من اليهود من يرى أن فلسطين دولة قائمة بذاتها لكنها تحت الانتداب الإسرائيلي بغرض تأهيل وإعداد السكان العرب الفلسطينيين للحكم الذاتي بعد ذلك ، لكن تبقى لهذه القضية ملامح وجذور هي التي تحدد مسار المفاوضات والممارسات اليومية بين العرب وإسرائيل .

ولأننا رهن الرواية الفلسطينية الإسرائيلية للأحداث التي تجري على الأراضي العربية فلا يمكن التسليم بصدقها مطلقاً ، ولا يمكننا فهم تلك الرواية السياسية بمعزل عن إرهاصاتها التاريخية ، ففلسطين التي نراها اليوم جريحة وتستحق الدعم والمساندة كانت الفرصة سانحة أمامها للقضاء على الوجود الصهيوني بأراضيها منذ عقود بعيدة . فهذا محمد أمين الحسيني مفتي القدس 1921 1922م ، طالب بإنهاء فوري الانتداب البريطاني ، وبإيقاف الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين ، لكنه رغم ذلك قام بوعد غامض وسري من خلال وثيقة سرية مكتوب فيها نصاً " مع احترام الحقوق الدينية والمدنية لليهود الموجودين في البلاد " . وإذا نظرنا باستقراء إلى نص الوثيقة الظاهري فيمكننا الإشادة بمفتي القدس آنذاك ، ولكن ما وراء السطور أن رأياً كهذا من سلطة دينية وفقهية رسمية أباحت لليهود الاستيطان المشروع ليس فقط من خلال حقوقهم الدينية وشعائرهم التعبدية التي تخالف شريعة الإسلام ، بل إن فيها التزاماً بالحقوق المدنية لليهود وربما هذه الوثيقة اتخذها اليهود ذريعة للمواطنة والإقامة في أرض فلسطين بغض النظر عن وجودهم بأمر بريطاني عسكري .

الغريب في شأن تاريخ القضية الفلسطينية ، أن بريطانيا نفسها التي أعطت ومنحت بغير وجه حق اليهود صك إقامتهم في فلسطين بمقتضى وعد بلفور جاءت في عام 1939 وأعلنت هدفاً لحكومتها آنذاك وهو كبح جماح الهجرة اليهودية نظراً لتعدد مصالحها ومطامعها التجارية والاقتصادية مع بعض الدول العربية . ورغم صدور هذا الهدف في صورة إعلان رسمي إلا أن الفلسطينيين والعرب لم يستغلوا تلك الفرصة التاريخية في تبرؤ بريطانيا من وعد بلفور المشئوم كمحاولة لزرع سيطرة عربية مطلقة على أرض فلسطين ، وربما لأن فلسطين في ذاك العهد كانت تعاني من ثمة أمور مثل المجتمع الزراعي الأمي ثقافياً ، والحالة البدائية من الناحية السياسية والتمثيل السياسي الرسمي العالمي هي التي أودت إلى التغلغل اليهودي في الأراضي وسط غياب سياسي رسمي لحكومة فلسطينية. بجانب الافتقار إلى الوعي السياسي على مستوى الأفراد ، وغياب مؤسسات الحكم الذاتي هناك .

ثم جاءت عوامل أسهمت بصورة مباشرة في الضياع النسبي للحق الفلسطيني في أرضه ، ففلسطين منذ الانتداب البريطاني شهدت حالات الانقسام السياسي والتصدع الداخلي وظهور ما يسمى بالفصائل الفلسطينية وليس اليوم فقط الذي نرى فيه فصائل عديدة مثل فتح وحماس وكتائب عز الدين القسام وأنصار بيت المقدس وغيرها من التيارات والفصائل التي بقدر تعددها وزخمها بالأنصار والعتاد بقدر ما أصبحت وسيلة مساعدة للكيان الصهيوني لتهويد فلسطين ؛ لما تعانيه تلك الفصائل مع انقسام في رؤية المواجهة وآلياتها . بجانب ما يغفل عنه تاريخ العلاقة العربية الإسرائيلية منذ بدء مشكلة الصراع ، فالمسيحيون على سبيل المثال في فلسطين وقت الانتداب البريطاني ساعدوا بشكل غير مباشر في استمرار هذا الانتداب الذي يعد البوابة الحقيقية والرسمية لعبور اليهود داخل أرض فلسطين بطريقة شرعية من الوجهة السياسية لكنها غير شرعية من ناحية التاريخ والحقوق.

فحينما كانت سلطة الحسيني نسبة إلى الحاج أمين الحسيني هي السلطة الفلسطينية الرسمية داخل فلسطين ، شهدت البلاد وقتها موجات حارة وثورات مستدامة وعنف موجه ضد مسيحي فلسطين الأمر الذي دفع بعضهم إلى مغادرة البلاد ، ودفع بالبعض الآخر التسليم بقوة الانتداب البريطاني ومن ثم الوجود الصهيوني . وظهرت في هذه الآونة شيوع التعبيرات الكتابية على جدران المنازل التي توحي بالعداوة تجاه المسيحيين فكاد رد طبيعي نزوح هؤلاء بعيداً عن مناطق التشاحن والصراع الطائفي والديني . وربما لم يلتفت مؤرخ إلى أن حالات الانقسام الإسلامي المسيحي في فلسطين من أبرز العوامل التي هيأت المناخ لليهود لتسيد البلاد وقتها ، بل يمكننا الإشارة أيضاً إلى أنه سادت شكوك في صفوف المسلمين الفلسطينيين من أن يقدم المسيحيون على الخيانة لمصلحة البريطانيين ، وانتهزت بريطانيا هذه الفرصة باستغلال عامل الديانة في شق وحدة الصف الفلسطيني لصالح الدولة اليهودية المزمع إنشاؤها بعد ذلك .
وهذا الأمر هو الذي دفع وزير الخاريجية البريطاني إرنست بيفن إلى إطلاق مقولته الشهيرة " ربما يتم التبادل السكاني في المناطق المخصصة للعرب واليهود " وهو نفس المعنى الذي أشار إليه مهندس الدولة الصهيونية تيودور هرتزل بمصطلح الإبعاد الجماعي اللطيف للعرب . وامتداد لذلك وجدنا الأمم المتحدة منذ أبريل 1947 وهي تدرس الموقف وتوحي باستحياء إلى إنشاء دولتين ، عربية ويهودية ، غير مشيرة إلى كلمة دولة فلسطينية . حتى كان القرار في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين .
ومنذ ذلك التاريخ والجهود العربية إزاء قضية التقسيم خائبة وباهتة ، حتى عمليات السلام التي لا تزال تجري يمكن توصيفها بسلام الخائب الذي فقد كل ما يملكه ، واليوم حينما نرى هجوم بعض الدول العربية على بعضها البعض واستمرار التراشق اللفظي وحالات الانقسام السياسي بشأن بعض الأوضاع الداخلية الأكثر خصوصية ندرك على الفور غياب العرب التام عن المشهد الفلسطيني.

يمكننا أن ندرك ذلك من خلال اهتمام دولة قطر على سبيل المثال بشأن مصر الداخلي ، وكذلك ليبيا وسوريا وتونس ، رغم أن الجهود لابد وأن تتضافر لصالح قضية فلسطين ، لكن مشكلة الحكومات العربية أنها تتعامل مع هذا الملف على شكل مساعدات مالية وتعزيزات غذائية وتقديم خدمات تعليمية في دولها دون التفكير الحقيقي في الاستثمار البشري هناك ، فكنت أطمح وغيري أن تقوم دولة كقطر مثلاً التي تتفاخر ودما باستثماراتها المذهلة في باريس ولندن وسويسرا وربما تسعى مستقبلاً لشراء الفيفا ، أن تستهدف إعمار المناطق العربية الخالصة في فلسطين دون تقديم مساعدات لترويج سمعتها في العالم بل إقامة مدارس وجامعات ومتاجر فاخرة وإنشاء مصانع للسيارات .

إن تفكك القيادة العربية و جموح الربيع الثوري ببعض بلدانها وشيوع حالات الهياج الإعلامي والاستثماري لبعضها أيضاً عوامل تساعد ربما بشكل مقصود غي ضياع قضية أمة وليست قضية وطن فحسب ، وبدلاً من أن تهرع بعض القنوات الفضائية الموجهة إلى تقويض الأمن والاستقرار في الشأن الداخلي للدول المجاورة عليها أن تخصص مساحات كبيرة للتأكيد على عروبة هذه القضية المهمة .
إن مشكلات الشأن الداخلي بمصر وسوريا وليبيا وتونس واليمن وأخيراً البحرين والكويت ستحل قريباً ، لاسيما وأن المواطنين هناك ألفوا حياة الاستقرار ، ونعموا طويلاً بحالات من الرفاهية والضبط الأمني ، لكن فلسطين التي من قدرها أن تعاني التهميش العربي والتجاهل العالمي على مستوى المؤسسات الرسمية هي بحق أولى وأهم من إلقاء الضوء على حقها التاريخي في أراضيها ، وإذا كان اليهود في شتى بقاع الأرض ينقبون هنا ويفتشون هناك ويزيفون حقيقة ويشوهون معلماً من أجل بقاء لن يدوم على أرض فلسطين ، فإن حالات الغياب العلمي عند العربي مؤسفة ومحزنة ، ومن المحزن حقاً انفراد جامعاتنا العربية ببحوث مستهلكة ودراسات تفتقر إلى الصدق والمنهجية العلمية من أجل اللهاث وراء شهرة أو مال أن تغيب عن المشهد الفلسطيني ، فأين بحوثهم المدعمة وأين الاكتشافات الجيولوجية والجغرافية التي تدحض مزاعم هؤلاء اليهود.

ثمة أمر آخر يدعو إلى الدهشة ، وهو أمر الجغرافيين العرب المعاصرين ، فيبدو أنهم اكتفوا بدراساتهم التنظيرية التي تعد الأكثر مللاً والأقل اهتماماً وإعلاماً عنها ، وهم بحق يساهمون في تكريس جريمة بحق الشعب الفلسطيني بل والأرض الفلسطينية نفسها ، فمتى يأتي اليوم على أولئك الجغرافيين فيخصصون عاماً للجغرافية الفلسطينية والمرابطة للزعم الصهيوني بحق هو مغتصب من الأساس من أجل بناء دولة يهودية . وإذا كان من قدر إسرائيل أن تغتصب وطناً عربياً وسط تجاهل وغياب عربي ، فإن من قدرها أيضاً أن من بين العرب الغافلين أناساً مهمومين بتقويض الكيان الصهيوني الخبيث ، وحلم استرداد المسجد الأقصى بغير رجعة لليهود ، وللأيادي الملطخة بدماء الخيانة والتقاعس.
الدكتور بليغ حمدي إسماعيل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.