يعبر تصريح الدكتور محمد كمال القيادي البارز في لجنة السياسات والمقرب من السيد جمال مبارك والذي أدلى به أمس للزميلة رانده أبو العزم مراسلة قناة العربية في القاهرة عن صراع حقيقي خفي على السلطة بين الحرسين الجديد والقديم. لم تمر فترة كبيرة على تصريح الدكتور علي الدين هلال والذي أكد فيه أن الحزب الوطني حسم أمره واختار الرئيس حسني مبارك مرشحا له للانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى جاء أمس الدكتور كمال لينفي ذلك جملة وتفصيلا عقب الاجتماع المشترك للمجلس الأعلى للسياسات ولجان السياسات المتخصصة في الحزب. قال كمال: المسألة ترتبط بقواعد تنظيمية معينة، أهمها الدعوة لمؤتمر عام للحزب لفتح باب الترشيح. لا يوجد حتى الآن موقف رسمي فيما يتعلق بالموضوع، وعندما يحين الوقت المناسب سيتم إعلان المرشح. كل مسألة لها وقتها ولا يجب أن يكون هناك مجال للتكهنات الكبيرة. منذ أيام قرأت تقريرا ألمانياً عن الصراع الخفي على السلطة بين الحرسين، القديم الذي يتمترس بالرئيس مبارك ويصر على ترشيحه لست سنوات أخرى، والجديد الذي فاجأته ضربات قوية خلال الشهور الأخيرة أكثرها جاءت عن طريق الدكتور زكريا عزمي، ويريد أن يؤمن نفسه من المزيد بالاسراع في اجراءات نقل السلطة لجمال. والجديد في هذا التقرير هو بروز أحمد محمد شفيق وزير الطيران المدني كخليفة محتمل وهذا لن يتأتى إلا بفترة رئاسية جديدة لمبارك قد لا تمتد لنهايتها. يقول التقرير الذي كتبه ستيفان رول الباحث في معهد الشؤون الأمنية والدولية ببرلين إن هناك حملة توقعيات فعلية داخل مصر وخارجها لتأييد ترشيح جمال في محاولة واضحة لإجبار النخبة الحاكمة على تبني ذلك، لكن الأمر لا يبدو سهلا، لأن هناك خلافا داخل تلك النخبة على حسم الأمر لجمال، حتى لو كانت الحالة الصحية لوالده ستضطره إلى رفض ترشيح نفسه. للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث يقود نخبة رجال الأعمال ذلك الصراع، وهؤلاء ييرزون داخل الحرس الجديد ويقفون بقوة وراء ترشيح جمال، لكن لم يتضح حتى الآن ما إذا كان دورهم سيكون مؤثرا. برز حرس رجال الأعمال بقوة منذ العام 2000 داخل قيادة الحزب الوطني، وتمكن من السيطرة على حكومة الدكتور أحمد نظيف في العام 2004 ، لكنه واجه تحديات كبيرة في العامين الأخيرين تزامنت مع الأزمة المالية العالمية ورفض الرأي العام لأجندة إصلاحاته الإقتصادية الليبرالية. هناك توازن في القوى بين الحرسين القديم والجديد في الأمانة العامة، ويقف الرئيس مبارك الذي يرأس الحزب منذ العام 1981 محايدا، الأول يمثله الأمين العام صفوت الشريف ورئيس ديوان رئيس الجمهورية الدكتور زكريا عزمي، ووزير شئون مجلسي الشعب والشورى الدكتور مفيد شهاب. يقود الحرس الجديد جمال مبارك ومعه المهندس أحمد عز وأمين الإعلام علي الدين هلال. وكان الموالون "للقديم" يسيطرون على مؤتمر الحزب العام العام 2009 – الذي قال محمد كمال أمس أنه الذي سيختار مرشح الرئاسة – ولكن ازداد نفوذ "الجديد" في السنوات التي تلت ذلك. يتجلى الصراع على أشده في اختيار مرشحي الوطني لمجلسي الشعب الذي تجري انتخاباته آخر هذا الشهر، ومجلس الشورى وفي الأخير لعب الشريف الدور الأول في اختيار المرشحين. ويرى التقرير أن الحرس القديم بدأ يشترك مع الرأي العام في الانتقادات الموجهة للجديد، بل ووصلت تلك الانتقادات إلى درجة الحدة والقسوة ضد سياسات وزارة الدكتور نظيف، وهو ما يعني خوض ذلك الحرس للعبة انتقال السلطة، مظهرا الاستياء من القرارات الإقتصادية التي تفيد رجال الأعمال وتقيد دور الدولة. ويقاتل رجال الحرس القديم لوقف الصعود السياسي المستمر لطبقة رجال الأعمال المؤيدين لجمال مبارك، خصوصا أحمد عز الذي جمع ثروته الكبيرة وسيطر على صناعة الحديد بفضل السياسات الإقتصادية التي طبقتها حكومة نظيف، ومعه محمد منصور وأحمد المغربي. قاد زكريا عزمي تلك الحرب إنطلاقا من موقعه في الرئاسة وأدواره المتعددة فهو نائب الأمين العام للحزب الوطني وعضو مجلس الشعب، وتجلى ذلك خلال مواجهاته ضد رجال الأعمال في الدورة البرلمانية السابقة. ويعتقد أنه وراء النصيحة التي قيد الرئيس مبارك بموجبها مؤخرا كثيرا من صلاحيات القيادات الرئيسة في الحكومة. ويقف مع عزمي السيد جودت الملط الذي انتقد بشدة خطط الحرس الجديد، وكذلك رئيس البنك المركزي فاروق العقدة المستقل سياسيا عن جماعة جمال مبارك. أكبر الصفعات الناجحة التي وجهها زكريا عزمي للحرس الجديد هي اضعاف شلة الأسكندرية داخل الحكومة، التي تدين بالولاء لأحمد عز وجمال مبارك، والتي كانت تشمل وزير النقل محمد منصور ووزير الإسكان أحمد المغربي، والاثنان أولاد خالة، ووزير الصناعة رشيد محمد رشيد. لعب عزمي الدور المؤثر في استقالة محمد منصور كوزير للنقل في العام 2009 بعد حادث القطار الشهير. ويتردد بقوة أنه كان وراء قرار الرئيس مبارك بالغاء تخصيص أرض جزيرة آمون في أسوان لشركة بالم هيلز التي يملكها منصور والمغربي. ويرى التقرير أن المؤسسة العسكرية تقف خارج الصراع على السلطة بين الحرسين القديم والجديد داخل الحزب والحكومة، ويخدم ذلك بشكل عام "القديم" الذي يعتبره إشارة إيجابية داعمة لهم. توجد أسباب كثيرة لهذه الرؤية، أولها أن هناك ضباطا كبارا يشعرون بالقلق من أجندة رجال الأعمال النافذين. وثانيها العلاقة التي تربط الحرس القديم بالمؤسسة العسكرية فصفوت الشريف وزكريا عزمي عسكريان سابقان، بل من نفس جيل اللواء عمر سليمان وعملا معه لعقود. تواجه طموحات جمال مبارك خطرا حقيقيا وتحديات يجد صعوبة في حلها، فهو سيفقد دعم رجال الأعمال إن استسلم لخطط الحرس القديم، وإن استمر في سياسته لاطلاق يدهم تماما في إقتصاد الدولة، فسيضيق "القديم" عليه الخناق أكثر وأكثر، وقد يصل الأمر إلى تدخل المؤسسة العسكرية لمنعه من الوصول إلى كرسي الحكم. ويتوقع التقرير أن يتحالف الحرس القديم والمؤسسة العسكرية ليخلف أحد العسكر الرئيس مبارك، وما زال عمر سليمان المرشح بقوة حتى الآن لشعبيته الكبيرة باعتباره نقيا تماما من أجواء الفساد. محمد كمال قال لرانده أبو العزم إن مرشح الرئاسة بعيد تماما عن اهتمام الحزب الوطني في الفترة الحالية واهتمامه يتركز على انتخابات مجلس الشعب لأهميتها بالنسبة له. التقرير الألماني الذي اتناوله يؤكد هذه الأهمية قائلا إن نتيجتها ستكون إشارة إلى قوة التيار المستقبلي داخل الحزب الوطني، هل سيكون لصالح رجال الأعمال أم لصالح الحرس القديم، وسيكون المؤثر بلا شك على المؤتمر العام القادم للحزب الوطني وفي النهاية على قرار ترشيح جمال أو والده للانتخابات الرئاسية. [email protected]