قد تبدو الواقعة صغيرة وقد تكون قد مرت مرور الكرام على الإعلام الرسمي والخاص ، ولكنها ذات دلالة مهمة ، وأعتقد أنه سيكون من الضروري على فضيلة الدكتور أحمد الطيب أن يراجع المتسبب فيها حتى لا يعرض المؤسسة الدينية الأهم في مصر للحرج والإهانة مجددا ، الواقعة تتعلق بزيارة وزيرة الخارجية الدينماركية " ليني اسبرسن" للقاهرة مؤخرا ، وقيامها بزيارة شيخ الأزهر في مكتبه ، وهي مبادر لها طابع رمزي يحمل أسفا أو اعتذارا ضمنيا أو رغبة في إزالة أي شعور بالإهانة لدى المسلمين ، هذا كله يمكن فهمه بسهولة من زيارة الوزير الدينماركية لشيخ الأزهر ، وكان بمقدور الأزهر أن يصوغ الرسالة الإعلامية الصادرة عنه والمتعلقة بالواقعة في هذا الإطار . ولكن "غشومية" بعض المساعدين لفضيلة الشيخ ، وغياب الحساسية الإعلامية لديهم ، جعلهم يورطون الأزهر في ما يشبه الاتهام بالكذب ، حيث وزعوا خبرا يقول أن الوزيرة الدينماركية قدمت اعتذار بلادها عن الإساءات التي سببتها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان نص البيان أو التقرير الذي تم توزيعه يقول على لسان الوزيرة الدينماركية : "إنني أقدم اعتذاري للعالم الإسلامي من مشيخة الأزهر على الرسوم المسيئة للنبي محمد والدين الإسلامي. وشدّدت وزيرة الخارجية على أن اعتذارها عن الرسوم المسيئة ليس نابعاً من تعرّض الرسام الذي رسم هذه الصور لتهديدات بالقتل، بل من حرصها على أن ما حدث لا يعبّر عن الحكومة الدنماركية، مؤكدة أن حكومتها لن تسمح بتكرار مثل هذه الإساءات للدين الإسلامي أو رموزه" ، وقامت صحف ووكالات وفضائيات بنشر ما أذاعه مسؤولو الأزهر بوصفه حدثا استثنائيا ومثيرا بالفعل ، لكن المفاجأة أتت في اليوم التالي مباشرة عندما نفت الوزيرة الدينماركية أن تكون قد قدمت أي اعتذار إلى الأزهر أو أن تكون قد تكلمت بهذا الذي نسب إليها ، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن القناة الثانية في التليفزيون الدينماركي نفي الوزيرة القاطع للاعتذار وقولها : «يمكنني أن أنفي تماما وبوضوح أنني قدمت اعتذارا , لكنني قلت : إن حرية التعبير ليست مطلقة وليست بلا حدود" ، وبطبيعة الحال لم يعقب أي مسؤول في الأزهر ، كما تعرضت الصحف والفضائيات العربية التي نشرت الخبر للحرج ، وأصبحت التصريحات التي تخرج من مسؤولي الأزهر مستقبلا موضع شك وتحتاج إلى التحقق من مصداقيتها . أقول ذلك لعلمي أن شيخ الأزهر الجديد معني بإعادة هيكلة الكثير من قطاعات المؤسسة الدينية العريقة وتصحيح مساراتها وإعادة الهيبة لها علميا وأدبيا ، محليا وإقليميا وعالميا ، وهو طموح يحتاج إلى صبر عليه ، لكنه يحتاج إلى مناصحة مخلصة ، ولو كانت مرة ، وفي ما نحن بصدده لا يليق أن نكون كمن يستجدي الاعتذار بتلك الطريقة المهينة من أي شخصية غربية كما أشار بعض من علقوا على الواقعة ، والأولى من مثل هذه الاهتمامات الإعلامية غير الحكيمة أن يهتم الأزهر في الفترة المقبلة بالدعوة لدراسة مثل هذه الظواهر الغربية التي تتكرر في السنوات الأخيرة ، وتبصير ملايين المسلمين بالموقف الأصوب والأحكم تجاهها بحيث لا تعطى أكثر من حجمها ولا تمنح أصحابها أي مكافأة على بذاءاتهم من شهرة أو أهمية ، وأن تكون هناك أدوات ردع سلمية أكثر نجاعة على المستوى المؤسسي والرسمي من خلال الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي ، لأن ترك المشاعر العفوية للمسلمين تفرغ طاقات الغضب في تظاهرات أو احتجاجات على كل تافه في عاصمة غربية يبحث عن الشهرة أو حتى تصفية أحقاده بالتطاول على رسول الإسلام أو مقدسات المسلمين ، يجعلنا نهدر طاقات الغضب النبيل في هدر حقيقي . [email protected]