خدعوك فقالوا إن بمصر حياة حزبية وبأن هناك أحزاب، وهذا يجافي الواقع وينافي الحقيقة التي نعيشها، فالحقيقة الأكيدة والمُرة أنه لا توجد في مصر أحزاب حقيقية ولا يوجد عمل حزبي جاد وإن بدا الأمر غير ذلك، وكل ما هنالك أنه يوجد مجموعة من المنتفعين وأصحاب المصالح الذين يكونون كيانا ما بغرض تحقيق مصالحهم الخاصة دون الإيمان إيمانا حقيقيا بالعمل الحزبي الذي يقوم علي الإقتناع بأيديولوجية معينة والإيمان بمجموعة من القيم والمبادئ وحزمة من الإجراءات والآليات التي تعمل علي الارتقاء بالمستهدف من العمل الحزبي وهو المواطن، عندها ينال هذا الحزب أو ذاك ثقة المواطن وصوته الذي يمنحه الأغلبية أو الأكثرية في مجلس النواب بما يمكنه من تشكيل الحكومة وتطبيق أفكاره وتقديم المزيد من الخدمات للمواطنين كي ينال ثقتهم مرة أخري، ولكن العمل الحزبي في مصر قبل الثورة وبعدها يظل بعيدا كل البعد عن هذه المفاهيم، فلشديد الأسى والأسف والحزن تقوم الأحزاب علي مفهوم الاستفادة الشخصية أو العائلية القصوي من الانضمام لهذا الحزب أو ذاك، فتجد أن الغالبية الساحقة من الذين ينضمون إلي الأحزاب يضعون نصب أعينهم مصلحتهم المباشرة التي تحقق لهم نهم السلطة أو التسلط مثل الحصول علي أمانة الحزب أو رئاسة لجنة ما من لجان الحزب أو ترشيح الحزب لهم في انتخابات المجالس المحلية أو مجلس الشعب أو الشورى، فإن انضم أي فرد إلي أي حزب ولم يجد أي من الغنائم – من وجهة نظره- التي ذكرتها تجده وقد بدأ المعارضة الداخلية فإن نال ووصل إلي ما يصبو إليه يهدأ ويستمر في الحزب، ويخفف من غلوائه ويرضي بما قُدم إليه، وإن يأس من الصوت العالي والمعارضة ولم ينل مراده تجده وقد انسحب من الحزب رويدا رويدا ويبدأ في رحلة البحث عن حزب جديد يحقق له أحلامه. ولا أخفيك سرا عزيزي القارئ بأنه كان لدي تجربتين مريرتين في العمل الحزبي ووصلت بعدهما للقناعة التامة التي أقدمها إليك الآن وأنا متجرد تماما عن الهوى الشخصي، بأنه لا توجد أحزاب في مصر ولا يوجد عمل حزبي، ويخطئ من يقول بأن الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة ما زالت في طور النمو وبأنها بعد فترة وجيزة سوف تتطور ويشتد عودها وسيكون لها دور فاعل وحقيقي في الممارسة الديمقراطية، فهذا حلم بعيد المنال، وإن شئت فقل بأن هذا هذيان أو هُراء لن يتحقق طالما أن المدخلات واحده إذ أنه ليس من العقل أن تصدق بأن المخرجات تختلف عن المدخلات، والمدخلات المقدمة والمتاحة لقيام أحزاب ليست سوي عصبة من المنتفعين الذين لديهم المال ويبحثون عن المزيد منه أو يبحثون عن الوجاهة لإكمال مركبات ناقصة لديهم، فإذا كان هو مدخل المعادلة فماذا تنتظر كمنتج نهائي سوي كيانات مهترءة قائمة علي الانتهازية والوصول للهدف بأي وسيلة ممكنة ولا يهم إذا كانت هذه الوسيلة أخلاقية أم لا، أما الشباب الذي يرغب في العمل الحزبي الجاد فسرعان ما يصاب بالإحباط جراء ما يقوم به المحترفون من القفز علي مقاليد الأمور في أي حزب، فعادة لا تُدار الأمور داخل كافة الأحزاب بطريقة ديمقراطية كما يتخيل أو يتشدق البعض ولكنها تُُدار بمراكز القوي في أغلب الأحيان وبالصوت العالي أو المكائد والحيل في أحيان أخري. كانت أول تجاربي الحزبية حين انضممت إلي حزب يُقال عنه بأنه حزب تاريخي ولكن حين إنخرطت في العمل به وجدت أنه حزب هش وأجوف (مخوخ من الداخل) كعسران في فيلم الهلفوت، فلا رؤية ولا خطط ولا انشطة ولا شباب ولا وجود في الشارع ولا أمل في التغيير أيضا، فإنسحبت من الحزب غير آسف عليه ولكني كنت نادما علي الوهم الذي كنت احياه وعلي الوقت الذي قضيته بينهم بلا عمل، وبعد هذه التجربة الفاشلة أردت أن أكررها آملا ان تكون التجربة افضل من سابقتها، وكانت هذه المرة مع حزب من أحزاب الثورة الذي يعج بالشخصيات السامقة وبالشباب المفعم بالثورة والحماسة والحيوية والرغبة الصادقة في التغيير، فكنت عضوا مؤسسا، وكانت الآمال المعقودة علي هذا الحزب كبيرة جدا، أكبر من الممكن والواقع والإمكانات التي تحقق هذه الأحلام والآمال، ونظرا لعدم وجود خبرات وكوادر تنظيمية ذو كفاءة عالية بالإضافة للامراض التي ذكرتها آنفا أخذ نجم الحزب في الأفول رويدا رويدا حتي أصبح كسابقه ولاحقه من الاحزاب التي يمكن أن تتكون في المستقبل. ومن خلال تجاربي السابقة، وأيضا من خلال قراءة وتحليل الواقع الذي نعيشه أستطيع أن اؤكد وأُجزم بأنه حتي الآن لا توجد أحزاب حقيقية في مصر وأن الموجود منها الآن ما هو إلا دخان أو فقاقيع في الهواء، وأظن انه لن يكون هناك أحزاب قوية في المنظور القريب.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية د منتصر دويدار عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.