هل تحتاج مصر إلى "الخيال" أم إلى "الإرادة" أم إلى "الإخلاص".. أم إلى كل ذلك مجتمعين؟!المشهد المصري شديد الارتباك، ولا يكاد يعرف أحد، من أين بدأت الأزمة، وإلى متى ستستمر، وما هي سبل المتاحة للخروج منها؟! ربما تكون النخبة المتصدرة المشهد مشغولة بنصيبها من "الكعكة".. وربما تكون خائفة من انكسار الجيش وعودة الإخوان.. وربما تفتقر إلى الإخلاص وإعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة.. ربما يكون ذلك كله، سببا في صناعة الأزمة الحالية. وأيا ما كان الأمر، فإن النخبة التي نتحدث عنها هي سليلة النظام القديم، الذي حكم مصر طوال ستين عاما الماضية، وكان من المفترض أن تؤسس ثورة 25 يناير لقطيعة جذرية معه.. غير أن قدرته على التلون والتعايش والقفز على أكتاف أي تحول جديد، وحاجة أي نظام حتى لو كان ثوريا إلى خبراته، كتب له "طول العمر" والحضور والسيطرة وتوظيف النظام الجديد لمصالحه. أزمة مصر الحالية، هي صناعة نفس الجيل من السياسيين الانتهازيين الذين اقتاتوا من النظام الملكي والنظام الجمهوري من بعده.. ولعل الاطلاع على المقالات التي كتبها الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل في الثناء على الملك فاروق وإنزاله منزلة "الملك الأسطورة"الذي تتحدث عنه كل العواصمالغربية بإعجاب وإبهار في نهاية أربعينيات القرن الماضي خير دليل على "الانتهازية" المتوارثة والتي ما انفكت تتلاعب ب"مصر الثورة" حاليا. لماذا انكسرت ثورة يناير؟!.. أو على الأقل: كيف هُزمت بعد 30 يونيو؟!.. الإجابة التلقائية ستقول في توها بسبب عودة الفلول!والفلول هنا ليسوا رجال مبارك..لأن اختزالها على هذا النحو سيخل، بأي اجتهاد رصين وجاد، يبحث عن التوصيف الأقرب إلى ملامسة الحقيقة، وما يقتضيه من حلول وتصورات لتحويل الانكسار والهزيمة إلى نصر. في تصوري، أن نظام يوليو 53 هو الذي انتصر على 25 يناير.. هو الذي عاد بعدها.. وهو نظام ممتد من "ناصر" إلى "مبارك".. ولا يجوز القبول بالتأويلات الناصرية التي تقول إن الناصرية انقطعت مع اتفاقية "كامب ديفيد".. فالسادات ومبارك حكما البلاد بشرعية انقلاب يوليو 52. النظام الناصري بمفهومه الممتد من يوليو 52 إلى 11 فبراير لا يزال يمثل عبئا على التغيير والتحول الديمقراطي وتفكيك الدولة القمعية الأمنية وإعلاء حقوق الإنسان ودولة التعايش..ولا ننسى بأن "هيكل" ما كان يستطيع إقناع جنرالات الجيش باستلهام النموذج الناصري، لولا وجود رأي عام داخل المؤسسة العسكرية، لا يزال يعتقد بمركز ثقل الجيش ومحوريته في الإدارة السياسية للبلاد، وتأسيس الدولة على التحالف بين المؤسستين العسكرية والبيروقراطية، كما أبدعها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. ما يجعل من 3 يوليو 2013 عودة إلى المسار الناصري واستعادة رؤيته للدولة من يد ثوار 25 يناير. فإلى أي مدى يمكن أن يستمر مثل هذا التصور.. وهل ستتحمل مصر أن تعيش عقودا أخرى تحت مظلته؟!.. هذا ما سنجيب عليه في مقال لاحق إن شاء الله تعالى.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.