قولا واحدا أنا شخصيا لا أتعاطف ولا أؤيد ترشح أي عسكري لرئاسة مصر ، لا السيسي ولا عنان ولا طنطاوي ولا موافي ولا أي شخص ينتمي إلى المؤسسة العسكرية ، لأسباب متعددة ، منها وأهمها ما هو مرحلي ، نريد أن نفصل بشكل نهائي ارتباط العسكر بالسياسة ، نريد أن نؤسس لدولة مدنية ، ونرسخ تلك الثقافة في مؤسسات الدولة لعشر سنوات على الأقل ، لأن الثورة المصرية قامت بالأساس في وجه حكم عسكري بلباس مدني مزور ، ومصر ظلت محكومة طوال ستين عاما أو أكثر قليلا بمنظومة عسكرية وأذرعها الأمنية والاستخبارية التي هيمنت على كل شيء في البلد وسيطرة بشكل مطلق فأضاعت البلد ، وكل الهياكل التي تم تصنيعها من دستور وبرلمان وحكومات وأحزاب وغير ذلك كان مجرد ديكور لتجميل البيت من الخارج ، فقط لا غير ، وهذا ما أضر بمسار مصر ونهضتها كثيرا ، سواء على المستوى السياسي حيث ظلت مصر تقبع في قعر النظم السياسية في العالم الثالث ، حتى أن بعض دول أفريقيا التي كان زعماؤها وقادتها يدرسون ويتعلمون في مصر تطورت وأسست لكيانات ديمقراطية معقولة ، بينما مصر ما زالت دولة الأجهزة والقمع والخوف والأسرار ، وأيضا على الصعيد الاقتصادي حيث بسهولة يمكن ملاحظة حجم التفاوت عند المقارنة بين مصر وبين دول أخرى كانت قريبة منا أو متخلفة عنا ، مثل كوريا وماليزيا ، والطفرات التي تحققت هناك خلال الستين عاما التي هيمن فيها الجيش على القرار السياسي المصري حتى الآن ، ما زالت مصر دولة ريعية يعيش اقتصادها على دخل قناة السويس ودخل السياحة وعائد العاملين في الخارج ، وعلى مستوى كرامة الإنسان ، أصبحت كرامة المصري في الداخل والخارج مضرب الأمثال في الهوان وانعدام القيمة ، سواء مع دولته ومؤسساتها أو عند الآخرين بالتبعية ، لأن كرامة المواطن تنشأ من كرامته في وطنه أولا . فهذا رأيي أولا لأقطع أي تأويلات أو تفسيرات ظلامية ، ولكني أعلق على الجدل والهوس الذي نشأ في بعض المؤسسات الرفيعة وفي الإعلام الموالي للفريق السيسي وأجهزته الأمنية ، بعد إعلان الفريق سامي عنان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية ، وبدأت حرب شعواء على الرجل ، تندد بخطوته ، وكأنه ارتكب جريمة خيانة عظمى ، وبدأت بعض الأجهزة تلاعبه بتسريبات هي في النهاية تهين المؤسسة كلها وليس شخص الفريق عنان وحده ، إذا صحت وقائعها ، كما اتصلت أجهزة أمنية رفيعة بصحف نشرت فصلا من مذكراته ووجهت إليها أمرا مباشرا ، وأنا أعني ما أقول ، أمرا مباشرا ، بالتوقف عن نشر المذكرات ، وكانت الحجة دائما بأنها تهدد الأمن القومي ولا بد من تصريح بنشرها ، رغم أنها لا تختلف عن طبيعة الحواديت التي قالها الفريق السيسي لياسر رزق في وقائع ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي ، لم أفهم أي منطق للهوجة التي قامت ضد الفريق عنان ، البعض قال أنه لا يجوز أن يكون للمؤسسة العسكرية مرشحان ، باعتبار أن ترشح السيسي مفروغ منه ، ولا أعرف هل هذا نص غير مكتوب في الدستور الجديد ، أنه إذا ترشح السيسي امتنع الآخرون عن الترشح ، أم أنه سيكون من المبادئ فوق الدستورية ، وأيضا هؤلاء الذين تحدثوا عن حق السيسي كمواطن مصري أن يترشح لرئاسة الجمهورية ، لماذا انحسر عندهم هذا الحق عن المواطن المصري سامي عنان ، بل إنه في تقديري أن عنان هو الأكثر معقولية للترشح ، باعتبار أنه انفصل عن المؤسسة العسكرية منذ قرابة عام ونصف ، وإذا ترشح سيكون قد ترك المؤسسة منذ عامين ، وبالتالي يصعب وصفه بمرشح الجيش ، بينما السيسي إذا ترشح الآن ، حتى لو استقال من منصبه العسكري ، فإنه حتما سيكون مرشح الجيش ، لأنه يأتي مباشرة بعد ترتيب الأمور ، ولو أراد السيسي اختبار شعبيته وحضوره بشكل مشروع وديمقراطي فعلا ، لتقدم للرئاسة بعد تركه للمؤسسة بعامين على الأقل ، وإبعاد يده عن أجهزتها وأذرعها ، وأنا واثق أنه لن يجد ثلاثة مواطنين فقط يومها يصوتون له ، لأن مصر كلها تعرف الآن أن تلك الأذرع تدير المنظومة الإعلامية بكاملها تقريبا وتخضع أغلب حيتان الفساد ورجال الأعمال لأوامرها ، وتروض أغلب الأحزاب والقوى السياسية ورموزها وخاصة أولئك المتحدرين من عصر مبارك . بأمانة شديدة ، لا أعرف سببا واحدا أخلاقيا ووطنيا للهجوم على عنان لمجرد تفكيره في الرئاسة ، وأنا شخصيا إذا خيرت اضطرارا بين عنان والسيسي للرئاسة فسوف أعطي صوتي حتما لعنان ، وأعصر الليمون من جديد ، لأن عنان نصف مدني ، أما السيسي فهو عسكري صرف ، والله أعلم .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1