«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ندوة مجلة التبيان .. النفقة على التعليم صدقة جارية للمعلم والمتعلم
نشر في المصريون يوم 27 - 09 - 2010

تواجه المنظومة التعليمية منذ عقود قليلة مضت تحديات جمة ألقت بظلالها على كثير من مناحى الحياة وأفرزت العديد من السلبيات والسلوكيات‮ غير المعهودة فى مجتمعنا،‮ واختلفت الآراء وتباينت حول المسئول عن هذا التدهور والتدنى التعليمى والعلمى بهذه الصورة المؤسفة؛ فحمل البعض المؤسسة التعليمية المسئولية وحمل البعض الآخر الأسرة باعتبارها نواة التربية والتنشئة،‮ فى حين ألقى الكثيرون باللوم على المعلم باعتباره أساس وعصب هذه المنظومة‮.‬
وإيماناً‮ منها بدور المعلم فى العملية التعليمية كان‮ "‬دور المعلم فى تربية النشء‮" هو عنوان ندوة مجلة التبيان والتى حاضر فيها كل من‮ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدى‮ الرئيس العام للجمعية الشرعية،‮ والأستاذ الدكتور سالم عبد الجليل‮ وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة،‮ والأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس‮ رئيس تحرير‮ "‬التبيان‮"‬،‮ وأدار الندوة‮ الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة‮ الوكيل العلمى للجمعية الشرعية‮. والذى أكد فى تقديمه للندوة الدور العظيم للمعلم والذى لا‮ يقل أهمية عن دور الأسرة فى التربية والتنشئة،‮ وأن المؤسسة التعليمية سواء كانت المدرسة أم المسجد تتحمل مع الأسرة مسئولية تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق،‮ بل قد‮ يتعدى دور المعلم القدوة ليصبح مكملاً‮ لدور الأب ومعوضاً‮ لغيابه أو لتقصير الأسرة تجاه أبنائها،‮ هذه القدوة التى تجعل الطالب أكثر استجابة وتأثراً‮ بمعلمه فى كثير من الأحيان عن والده‮.‬
النبى‮ ‮[‬‮ المعلم
فى مستهل حديثه أوضح فضيلة الإمام أن التعليم هو رسالة الأنبياء وأن الأنبياء جميعهم كانوا معلمين وجاء قوله تعالى فى تشخيص مهمة النبى‮ ‮[‬‮: ‮{‬هُوَ‮ الَّذِى بَعَثَ‮ فِى الأُمِّيِّينَ‮ رَسُولاً‮ مِنْهُم‮ يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاتِهِ‮ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ‮ وَالْحِكْمَةَ‮ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ‮ لَفِى ضَلالٍ‮ مُبِينٍ‮}‬‮ (‬الجمعة‮: 2).‬
ويشير فضيلة الإمام إلى أن رب العزة سبحانه وتعالى كان هو أول معلم تحدث عنه القرآن الكريم حيث هو الذى علم أدم الأسماء كلها وبعد أن تعلمها آدم عليه السلام كان عليه أن‮ يكون معلماً‮ وذلك حين استوعب ما تعلمه من الله سبحانه وتعالى وعلمه لغيره من الملائكة فكان آدم معلماً‮ قال تعالى‮: ‮{‬قَالَ‮ يَا آدَمُ‮ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِم فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم قَالَ‮ أَلَم أَقُل لَكُمْ‮ إِنِّى أَعْلَمُ‮ غَيْبَ‮ السَّمَوَاتِ‮ وَالأَرْضِ‮ وَأَعْلَمُ‮ مَا تُبْدُونَ‮ وَمَا كُنتُم تَكْتُمُونَ‮}‬‮ (‬البقرة‮: 33‮)‬،‮ فكان استيعاب آدم لما تعلمه سبباً‮ لتكريم الله له فأسجد له ملائكته وأسكنه جنته وبهذا التعليم استحق الجنس البشرى أن‮ يكون مؤهلاً‮ لخلافة الأرض‮.‬
يضيف فضيلة الإمام أن القرآن الكريم ضرب مثلاً‮ للمعلم الناجح ليس فقط من الأنبياء ولكن من البشر وكان مثال القرآن فى ذلك العبد الصالح وقصته مع سيدنا موسى عليه السلام والذى رغم كونه نبى الله وكليمه إلا أنه أصر على أن‮ يبلغ‮ مجمع البحرين عندما علم أن هناك من‮ يعرف من العلم ما لا‮ يعرفه وقال العبد الصالح لسيدنا موسى‮ ‮{‬إِنَّكَ‮ لَن تَسْتَطِيعَ‮ مَعِى صَبْراً‮}‬‮ (‬الكهف‮: 67‮)‬،‮ فقال له سيدنا موسى‮ ‮{‬سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ‮ اللَّهُ‮ صَابِراً‮ وَلا أَعْصِى لَكَ‮ أَمْراً‮}‬‮ (‬الكهف‮: 69‮) وهو تقدير واحترام من سيدنا موسى طالب العلم لمعلمه العبد الصالح من أجل بلوغ‮ هدفه والذى تحمل من أجله المشقات والإصرار على تحقيقه‮.‬
رفق النبى‮ ‮[‬‮ وحكمته
وتحدث القرآن الكريم عن حكمة النبى‮ ‮[‬‮ وتسامحه ورفقه كمعلم فى تعامله مع أصحابه فيشير فضيلة الإمام فى هذا الصدد لقوله تعالى‮: ‮{‬فَبِمَا رَحْمَةٍ‮ مِنَ‮ اللَّهِ‮ لِنتَ‮ لَهُم وَلَو كُنتَ‮ فَظّاً‮ غَلِيظَ‮ الْقَلْبِ‮ لانفَضُّوا مِن حَوْلِكَ‮ فَاعْفُ‮ عَنْهُم وَاسْتَغْفِر لَهُم وَشَاوِرْهُم فِى الأَمْرِ‮ فَإِذَا عَزَمْتَ‮ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ‮ إِنَّ‮ اللَّهَ‮ يُحِبُّ‮ الْمُتَوَكِّلِينَ‮} ‮(‬آل عمران‮: 159‮)‬،‮ ضارباً‮ المثل برأفة النبى بجاهل بدينه حين وجد‮ ‮[‬‮ الرجل الذى بال فى المسجد،‮ فقال لأصحابه صبوا على بوله سجلاً‮ من ماء،‮ فتلطف معه النبى‮ ‮[‬‮ وعلمه عدم جواز هذا التصرف‮.‬
هذه الحكمة واللين فى معاملة الناس لتعليمهم وإرشادهم استفادها الحسن والحسين من جدهما‮ ‮[‬‮ كما‮ يوضح فضيلة الإمام فحينما رأى سيدنا الحسن والحسين رجلاً‮ كبيراً‮ لا‮ يحسن الوضوء ذهبا لهذا الرجل وقالا له‮: أنا وأخى مختلفان فى كيفية الوضوء فنريد أن نتوضأ أمامك لتحكم على أحدنا بأنه صحيح أو‮ غير صحيح،‮ فلما رأى الرجل كيفية الوضوء عند الحسن والحسين،‮ قال‮: "‬أنتما على صواب وأنا على خطأ،‮ وهكذا كان الأسلوب الحكيم فى تصحيح الخطأ دون تجريح أو عصبية‮.‬
مشكلات المعلم
وبعد أن تناول فضيلة الإمام مكانة المعلم وصفاته كما جاءت فى القرآن والسيرة شدد فضيلته على أن المعلم هو عصب العملية التعليمية فى كل وقت ومكان وأن على المعلم أن‮ يأخذ من صفات الأنبياء باعتبارهم معلمين ويترجم ذلك على أرض الواقع وذلك‮ يحقق له الاحترام والتقدير الذى‮ يجب أن‮ يناله من الآخرين كما‮ يحقق معاملة تلاميذه بالرفق واللين،‮ وعلى المعلم أن‮ يدرك أنه سيناله من وراء هذا العلم أجر وثواب فى الدنيا والآخرة فقد قال النبى‮ ‮[‬‮: "‬إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‮ "‬ومنها‮" علم‮ ينتفع به وولد صالح‮ يدعو له‮" وبالطبع ليس شرطاً‮ أن‮ يكون‮ "‬الولد‮" هو ولد من صلبه ولكن قد‮ يكون طالباً‮ تعلم من أستاذه وتربى على‮ يديه فيضاف جزاء هذا الطالب لأستاذه كما قال تعالى‮: ‮{‬وَنَكْتُبُ‮ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُم وَكُلَّ‮ شَيْءٍ‮ أحْصَيْنَاهُ‮ فِى إِمَامٍ‮ مُبِينٍ‮}‬‮ (‬يس‮: 12‮).‬
وفى هذا الإطار حدد فضيلة الإمام المشكلات التى تواجه المعلم وذكر منها‮:‬
‮1- عدم احترام المعلم مادياً‮ وأدبياً‮ من حيث الراتب الذى‮ يحصل عليه ومن حيث الإعداد للتعليم التربوى الحقيقى الذى‮ يساعد فى توصيل المعلومة إلى الطلاب،‮ وكذلك عدم وجود الجو الملائم فى المدرسة من حيث احترام الأبناء والطلاب لمعلمهم‮.‬
وعلى الجانب الآخر كما‮ يشير فضيلة الإمام تتركز شكاوى الطلاب فى أن المدرسين‮ يعاملونهم كفريسة،‮ يدخلون المدرسة من أجل اصطياد هم للدروس الخصوصية فى الوقت الذى لا‮ يهتمون فيه بشرح المنهج بجدية واهتمام داخل الفصل‮.‬
وفى هذا الصدد‮ يحذر فضيلة الإمام مثل هذا المعلم الذى طرح ضميره ودينه جانباً‮ من أجل تحصيل الأموال وأكد أن راتبه حرام وأن المعلم الذى ارتضى أن‮ يكون معلماً‮ منذ البداية بهذا الأجر عليه أن‮ يعامل ضميره ويعلم أن الله تعالى سيحاسبه على مهمته بحسب ما ارتضى من راتب‮.‬
أمانة فى الأعناق
وأكد فضيلة الإمام أن النشء أمانة فى أعناق المعلمين أكثر من الآباء خاصة فى هذه المرحلة،‮ لأن الطالب لا‮ يجلس مع أبيه وأمه أكثر من جلوسه مع معلمه ولأنه‮ يتلقى نصائح الأب من موقع الإلزام والفرض،‮ بينما‮ يقبل الطالب من معلمه‮- خاصة إذا كان المعلم أباً‮ حكيما وقدوة‮- ما لا‮ يتقبلونه من آبائهم فى البيت‮.‬
وفى ختام كلمته اعتبر فضيلة الإمام أن عدم تدريس مادة الدين فى المدارس كان عاملاً‮ من العوامل التى أوجدت فجوة وفراغاً‮ فى أذهان الطلاب وأذهان المدرسين الذين تخرجوا على هذا النظام الذى أرساه وخطط له كرومر المحتل البريطانى منذ عهد بعيد‮.‬
وناشد فضيلة الإمام بضرورة ملء هذا الفراغ‮ لدى الأبناء بالخير المتمثل فى تربيتهم التربية الدينية الصحيحة بدلاً‮ من ملئه بالشر الذى‮ يعم بالعاقبة الفاسدة على الأمة كلها‮.‬
فتدريس مادة الدين هى الحصن الذى‮ يتحصن به الشاب ضد هذه الهجمات المتتالية من هنا وهناك‮.‬
شرف وقيمة
ومن جهته تحدث الدكتور سالم عبد الجليل عن فوائد العلم والتعلم واعتبر أن التعليم رسالة سامية وشرف عظيم عنى به الأنبياء واهتموا به،‮ ووضعوا قيمة الإنسان فى تعلمه،‮ حتى إن‮ "‬الكلب المعلم‮" عند الفقهاء له قيمة ويجوز بيعه،‮ وبالتالى فإن الإنسان وهو المكرم من الله عز وجل الذى سخر له ما فى السماوات وما في‮ الأرض وما بينهما،‮ لاشك أن هذا الإنسان‮ يكون شرفه وقيمته ورسالته فى تعلمه وتعليمه‮.‬
جهاد وصدقة
ويتفق الدكتور سالم عبد الجليل مع فضيلة الإمام على أن التعليم‮ يكون صدقة عن المعلم إذا ابتغى الجزاء من رب العالمين،‮ يقول معاذ بن جبل‮: "‬تعلموا العلم فإن تعلمه لله صدقة والبحث عنه جهاد‮"‬،‮ وبالتالى فرسالة التعليم رسالة سامية وشرف عظيم والنفقة عليه من أعظم النفقات‮.‬
وفى هذا الصدد‮ يستنكر فضيلته بعض السلوكيات التى قد تؤدى بالبعض إلى الانتحار لكثرة المصاريف والإنفاق على تعليم الأبناء مؤكدا فى هذا الصدد أن الإنفاق على تعليم الأبناء أفضل من النفقة على الشراب والغذاء والكساء إذا عرف الناس أنها صدقة جارية إلى أن‮ يلقوا الله سبحانه وتعالى فتطمئن قلوبهم وتطمئن ضمائرهم وعقولهم،‮ وهى من جانب آخر صدقة جارية لكل معلم‮ يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى ويعلم‮ غيره العلم أياً‮ كان هذا العلم سواء العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة والتفسير والفقه وغيره أم المتعلقة بالعلوم الأخرى الضرورية لبناء الحضارة وبناء الإنسان كالكيمياء والفيزياء والهندسة والطب وغيرها والتى تجعل الإنسان‮ يكتفى بذاته لا‮ يترك نفسه عالة على‮ غيره‮ يتاجر بقوته وحياته‮.‬
معالم التربية
وركز الدكتور سالم عبد الجليل خلال كلمته على المعالم أو المطالب اللازمة لتربية جيل متعلم‮ يتربى تربية صحيحة على‮ يد معلم واع لدوره فذكر أن‮ أول واجب نطالب به المدرس والداعية‮ أيضاً‮ هو أن‮ يربى أبناءه وأتباعه على طلب العلم لله وأن‮ يعرف المتعلم أنه صاحب رسالة وأن ذهاب التلميذ للمدرسة لا‮ يقل فى الثواب عن ذهابه للمسجد إذا سبقته نية أنه‮ يرغب من تعلمه فى تحصيل مرضاة الله سبحانه وتعالى‮.‬
وبين أن القدوة والسلوك هو المطلب الثانى‮ الذى‮ يجب أن‮ يتميز به المعلم لأن المدرس لا‮ يستطيع أن‮ يعلم الأبناء ويربيهم بمجرد الكلمة لأن الكلمة تذهب أدراج الرياح إذا لم تكن مفعلة ومترجمة بالفعل والسلوك،‮ قال تعالى‮: ‮{‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‮ آَمَنُوا لِمَ‮ تَقُولُونَ‮ مَا لا تَفْعَلُونَ‮}‬‮ (‬الصف‮: 2).‬
وينصح الدكتور سالم كل مدرس أن‮ يحترم ذاته قبل مطالبة التلميذ باحترامه،‮ بل‮ يسعى كل مدرس ويبذل جهداً‮ لنيل هذا الاحترام الذاتى‮.‬
وفى هذا الإطار‮ يرفض الدكتور سالم تحميل المنظومة التعليمية برمتها أو الحكومة كل المسئولية عن هذا التدهور فى المدارس وما تعانيه العملية التعليمية بل‮ يرى أن المناهج التى تدرس اليوم للطلبة هى نفسها التى تخرج عليها كثير من العلماء والأساتذة الكبار منذ عشرات السنين ولكن ترجع المشكلة أساساً‮ إلى المجهود الفردى الذى‮ يميز فرداً‮ عن آخر مشيراً‮ إلى أن العملية التعليمية حتى وإن أصابها الخلل فعلى الأفراد بذل الجهد للارتقاء بدلاً‮ من تعليق التقصير على شماعة الحكومة والمؤسسات التعليمية،‮ لأن مثل هذه الشماعات لن تخلق إلا مزيداً‮ من الكسالى لا أصحاب رسالة؛ وصاحب الرسالة عليه أن‮ يبذل وعليه أن‮ يعطى‮ ‮{‬وَالَّذِينَ‮ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا‮}‬‮ (‬العنكبوت‮: 69‮) وعلى قدر بذل الجهد سيعطىه الله سبحانه وتعالى التوفيق والإحسان‮.‬
شجاعة المعلم
والمطلب الثالث الذى‮ يشىر إليه الدكتور سالم هو الصدق ويقصد به الصدق العملى لا صدق الكلمة وذلك من خلال تحضير المدرس للدرس الذى سيلقيه على طلابه تحضيراً‮ جيداً‮ وهذا‮ يعتبر صدقا فى المعاملة وصدقا فى التحضير والأداء وإن لم‮ يفعل المدرس هذا فهو‮ يعلم التلاميذ الكذب والكسل‮.‬
أما رابع هذه المطالب فهى الشجاعة،‮ فعلى المعلم أن‮ يربى أبناءه على الشجاعة،‮ والشجاعة لا تعنى حمل السلاح والوقوف فى وجه العدو فحسب،‮ ولكن الأمر‮ يتعدى إلى شجاعة المعلم واعترافه بالتلميذ النابغ‮ وتشجيعه على هذا النبوغ،‮ كما أن شجاعة المدرس تكون فى الاعتراف بخطئه عندما‮ يخطئ أو‮ يصحح له تلميذ مسألة بل‮ يجب عليه أن‮ يشكر التلميذ على ذلك‮.‬
وفى نهاية تلك المطالب التربوية التى ذكرها الدكتور سالم عبد الجليل شدد على أن مهمة المعلم لا تقف عند حد تعليم الطلاب المعادلات الرياضية والقواعد النحوية واللغوية بل عليه أن‮ يعلمهم الأخلاق والسلوكيات وينمى فيهم هذا الشعور ويزكى أنفسهم،‮ لأن التربية تعنى التزكية التى هى فى الأصل من مهام النبوة‮.‬
ويناشد فضيلته كل معلم فى أى ميدان من ميادين العلم أن‮ يستغل فرصة احترام التلاميذ وأن‮ يعلمهم وأن‮ يرفق بهم بحيث‮ يكون كل مدرس معلماً‮ وداعية فى نفس الوقت‮.‬
التعليم الدولى
وخلال محاضرته طرح الدكتور سالم عبد الجليل سؤالاً‮ يشغل فكر الكثير من الناس اليوم وهو‮: لماذا نجح التعليم الدولى وتفوق على التعليم الحكومى حتى أصبحت سوق العمل لا تبحث إلا عن هؤلاء الطلاب والتلاميذ الذين تخرجوا فى الجامعات الخاصة والدولية تاركين أبناء البلد الذين تعلموا فى التعليم الحكومى؟‮!‬
ويرى الدكتور سالم أن من مميزات التعليم الدولى أنه‮ يعنى بالتلميذ بقلبه وعقله وفكره لا‮ يهمه كم حفظ من نصوص بقدر ما‮ يهمه كم عملية‮ يستطيع أن‮ يفكر فيها فى وقت واحد‮! وكم تجربة‮ يحاول إجراءها وإن فشل فيها،‮ فى حين‮ يركز التعليم العام على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل،‮ وهناك نصوص جامدة منذ عشرات بل مئات السنين‮ يتناولها المعلم من المعلم والشيخ عن الشيخ دون فهم أو إعمال العقل لاستيعابها وإدراكها وإعادة شرحها بفهم وتعمق‮.‬
من ناحية أخرى‮ يرى الدكتور سالم أن تنحية مادة الدين له أضرار كثيرة على الطالب مشيراً‮ إلى أن العناية بتدريس الأخلاق لن تكون بديلا بأى حال من الأحوال عن مادة الدين التى ترسخ أصول الدين والعقيدة وتربى الأبناء وتهذب سلوكياتهم وأخلاقهم‮.‬
وهو‮ يطالب فى هذا الصدد بضرورة تولى مدرس تخرج فى الأزهر الشريف مسئولية تدريس مادة الدين وأيضاً‮ يتولى تدريس هذه المادة عند الأخوة المسيحيين قسيس،‮ وذلك لإزاحة الشبهات عن أذهان الأبناء ونبذ الفرقة والتعصب‮.‬
التجربة اليابانية
من جانبه أكد الدكتور عبد الحليم عويس أن التراث الإسلامى هو تراث زاخر وملىء بكل ما‮ يخدم الأمة الإسلامية ويرفع شأنها ويجعلها فى المقدمة مشيراً‮ إلى أن الأمة الإسلامية هى أمة معلم وأمة علم وقوة وبناء وحضارة ولكن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة ويصبح لها كلمة إلا إذا اقترنت هذه الحضارة بالتجارب وتم فرض قيمتها على أرض الواقع‮.‬
وفى هذا الصدد أشار الدكتور عبد الحليم عويس إلى التجربة اليابانية تلك الدولة التى كانت قد دمرت تقريباً‮ فى عام‮ 1945م إلا أنها قامت ووضعت شروطاً‮ ثلاثة لبث الحياة فيها مرة أخرى،‮ وكان من هذه الشروط‮: عدم الاقتراب من العقيدة اليابانية والمتمثلة فى تولى إمبراطورها‮ "‬هيراقليطو‮" الحكم،‮ وأن تكون اللغة اليابانية هى اللغة الأم وبالفعل كان‮ يدرس الطلبة فى اليابان الطب والهندسة باللغة اليابانية،‮ رغم صعوبتها البالغة،‮ ورفضت اليابان أن تتنازل عن التربية كعنصر ثالث ورفضت أن تتدخل أمريكا فى وضع مناهجها العلمية فكانت اليابان كما نراها اليوم من أفضل النظم التربوية على مستوى العالم‮.‬
على هامش الندوة
وفى تعقيبه على ما‮ يتعلق بالدروس الخصوصية وتمسك المدرسين بها واعتبارها جزءاً‮ من حياتهم أعرب فضيلة الإمام عن أسفه من طغيان المادة بهذا الشكل الكبير،‮ فى المجتمع بصفة عامة ومجتمع المعلمين بصفة خاصة مشيراً‮ إلى‮ غياب نقطة مهمة فى هذا الصدد وهى اليقين من قوله تعالى‮: ‮{‬وَمَن‮ يَتَّقِ‮ اللَّهَ‮ يَجْعَل لَهُ‮ مَخْرَجاً‮ وَيَرْزُقْهُ‮ مِنْ‮ حَيْثُ‮ لا‮ يَحْتَسِبُ‮ وَمَن‮ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ‮ فَهُوَ‮ حَسْبُهُ‮ إِنَّ‮ اللَّهَ‮ بَالِغُ‮ أَمْرِهِ‮ قَد جَعَلَ‮ اللَّهُ‮ لِكُلِّ‮ شَيْءٍ‮ قَدْراً‮}‬‮ (‬الطلاق‮: 2‬،‮ 3)‬،‮ ومن ثم فإذا اتقى المعلم ربه فى عمله واجتهد فى توصيل ما‮ يقوله للطلبة،‮ فإن الحياة الطيبة الهنيئة السعيدة مع راحة البال جزاؤه فى الدنيا كما قال الله عز وجل‮: ‮{‬‮ مَنْ‮ عَمِلَ‮ صَالِحاً‮ مِن ذَكَرٍ‮ أَو أُنثَى وَهُوَ‮ مُؤْمِنٌ‮ فَلَنُحْيِيَنَّهُ‮ حَيَاةً‮ طَيِّبَةً‮ وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ‮ مَا كَانُوا‮ يَعْمَلُونَ‮}‬‮ (‬النحل‮: 97‮)‬،‮ وهذا الجزاء الدنيوى كما‮ يوضح فضيلة الإمام هو‮ (‬عربون‮) يقبضه الإنسان قبل أن‮ يبيع نفسه لله عز وجل،‮ وفى الآخرة‮ يكون جزاؤه مشكوراً‮.‬
وفيما‮ يتعلق بمسألة العلم النافع وقول البعض بأن الإسلام حصر العلم فى العلوم الشرعية أوضح فضيلة الإمام هذه المسألة من خلال قول الله تعالى‮: ‮{‬أَلَم تَرَ‮ أَنَّ‮ اللَّهَ‮ أَنزَلَ‮ مِن السَّمَاءِ‮ مَاءً‮ فَأَخْرَجْنَا بِهِ‮ ثَمَرَاتٍ‮ مُخْتَلِفاً‮ أَلْوَانُهَا وَمِنَ‮ الْجِبَالِ‮ جُدَدٌ‮ بِيضٌ‮ وَحُمْرٌ‮ مُّخْتَلِفٌ‮ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ‮ سُودٌ‮ وَمِن النَّاسِ‮ وَالدَّوَابِّ‮ وَالأَنْعَامِ‮ مُخْتَلِفٌ‮ أَلْوَانُهُ‮ كَذَلِكَ‮}‬‮ (‬فاطر‮: 27،‮ 28‮) ثم رتب على البحث في‮ هذه الظواهر الكونية الخشية من الله حيث قال عقبها‮ ‮{‬إِنَّمَا‮ يَخْشَى اللَّهَ‮ مِن عِبَادِهِ‮ الْعُلَمَاءُ‮}‬‮ (‬فاطر‮: 28‮) مشيراً‮ إلى أن كل هذه المسائل من نزول الماء من السماء،‮ والنبات والصخور واختلاف الألوان والثمرات لا تدخل فى مجال العلم الدينى،‮ وكلها علوم نافعة لابد من الاجتهاد فى معرفتها ودراستها وتعلمها ودراسة هذه العلوم‮- من كيمياء وفيزياء ونحو ذلك‮- تُعد من فروض الكفاية على الأمة ككل لأن الدين الإسلامى دين عالمى‮.‬
ولكن فى الوقت ذاته‮ ينادى فضيلة الإمام كل معلم ومربٍ‮ أن‮ يكون داعية؛ فمدرس الكيمياء داعية وكذلك مدرس اللغة والفيزياء وغير ذلك‮.‬
تنفيذاً‮ للمبدأ العام الذى نزلت به أول آية من القرآن الكريم‮ ‮{‬اقْرَأ بِاسْمِ‮ رَبِّكَ‮ الَّذِي‮ خَلَقَ‮}‬‮ (‬العلق‮: 1) وما دامت القراءة باسم الله فالعلم في‮ خدمة الدين‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.