عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ندوة مجلة التبيان .. النفقة على التعليم صدقة جارية للمعلم والمتعلم
نشر في المصريون يوم 27 - 09 - 2010

تواجه المنظومة التعليمية منذ عقود قليلة مضت تحديات جمة ألقت بظلالها على كثير من مناحى الحياة وأفرزت العديد من السلبيات والسلوكيات‮ غير المعهودة فى مجتمعنا،‮ واختلفت الآراء وتباينت حول المسئول عن هذا التدهور والتدنى التعليمى والعلمى بهذه الصورة المؤسفة؛ فحمل البعض المؤسسة التعليمية المسئولية وحمل البعض الآخر الأسرة باعتبارها نواة التربية والتنشئة،‮ فى حين ألقى الكثيرون باللوم على المعلم باعتباره أساس وعصب هذه المنظومة‮.‬
وإيماناً‮ منها بدور المعلم فى العملية التعليمية كان‮ "‬دور المعلم فى تربية النشء‮" هو عنوان ندوة مجلة التبيان والتى حاضر فيها كل من‮ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدى‮ الرئيس العام للجمعية الشرعية،‮ والأستاذ الدكتور سالم عبد الجليل‮ وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة،‮ والأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس‮ رئيس تحرير‮ "‬التبيان‮"‬،‮ وأدار الندوة‮ الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة‮ الوكيل العلمى للجمعية الشرعية‮. والذى أكد فى تقديمه للندوة الدور العظيم للمعلم والذى لا‮ يقل أهمية عن دور الأسرة فى التربية والتنشئة،‮ وأن المؤسسة التعليمية سواء كانت المدرسة أم المسجد تتحمل مع الأسرة مسئولية تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق،‮ بل قد‮ يتعدى دور المعلم القدوة ليصبح مكملاً‮ لدور الأب ومعوضاً‮ لغيابه أو لتقصير الأسرة تجاه أبنائها،‮ هذه القدوة التى تجعل الطالب أكثر استجابة وتأثراً‮ بمعلمه فى كثير من الأحيان عن والده‮.‬
النبى‮ ‮[‬‮ المعلم
فى مستهل حديثه أوضح فضيلة الإمام أن التعليم هو رسالة الأنبياء وأن الأنبياء جميعهم كانوا معلمين وجاء قوله تعالى فى تشخيص مهمة النبى‮ ‮[‬‮: ‮{‬هُوَ‮ الَّذِى بَعَثَ‮ فِى الأُمِّيِّينَ‮ رَسُولاً‮ مِنْهُم‮ يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاتِهِ‮ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ‮ وَالْحِكْمَةَ‮ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ‮ لَفِى ضَلالٍ‮ مُبِينٍ‮}‬‮ (‬الجمعة‮: 2).‬
ويشير فضيلة الإمام إلى أن رب العزة سبحانه وتعالى كان هو أول معلم تحدث عنه القرآن الكريم حيث هو الذى علم أدم الأسماء كلها وبعد أن تعلمها آدم عليه السلام كان عليه أن‮ يكون معلماً‮ وذلك حين استوعب ما تعلمه من الله سبحانه وتعالى وعلمه لغيره من الملائكة فكان آدم معلماً‮ قال تعالى‮: ‮{‬قَالَ‮ يَا آدَمُ‮ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِم فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم قَالَ‮ أَلَم أَقُل لَكُمْ‮ إِنِّى أَعْلَمُ‮ غَيْبَ‮ السَّمَوَاتِ‮ وَالأَرْضِ‮ وَأَعْلَمُ‮ مَا تُبْدُونَ‮ وَمَا كُنتُم تَكْتُمُونَ‮}‬‮ (‬البقرة‮: 33‮)‬،‮ فكان استيعاب آدم لما تعلمه سبباً‮ لتكريم الله له فأسجد له ملائكته وأسكنه جنته وبهذا التعليم استحق الجنس البشرى أن‮ يكون مؤهلاً‮ لخلافة الأرض‮.‬
يضيف فضيلة الإمام أن القرآن الكريم ضرب مثلاً‮ للمعلم الناجح ليس فقط من الأنبياء ولكن من البشر وكان مثال القرآن فى ذلك العبد الصالح وقصته مع سيدنا موسى عليه السلام والذى رغم كونه نبى الله وكليمه إلا أنه أصر على أن‮ يبلغ‮ مجمع البحرين عندما علم أن هناك من‮ يعرف من العلم ما لا‮ يعرفه وقال العبد الصالح لسيدنا موسى‮ ‮{‬إِنَّكَ‮ لَن تَسْتَطِيعَ‮ مَعِى صَبْراً‮}‬‮ (‬الكهف‮: 67‮)‬،‮ فقال له سيدنا موسى‮ ‮{‬سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ‮ اللَّهُ‮ صَابِراً‮ وَلا أَعْصِى لَكَ‮ أَمْراً‮}‬‮ (‬الكهف‮: 69‮) وهو تقدير واحترام من سيدنا موسى طالب العلم لمعلمه العبد الصالح من أجل بلوغ‮ هدفه والذى تحمل من أجله المشقات والإصرار على تحقيقه‮.‬
رفق النبى‮ ‮[‬‮ وحكمته
وتحدث القرآن الكريم عن حكمة النبى‮ ‮[‬‮ وتسامحه ورفقه كمعلم فى تعامله مع أصحابه فيشير فضيلة الإمام فى هذا الصدد لقوله تعالى‮: ‮{‬فَبِمَا رَحْمَةٍ‮ مِنَ‮ اللَّهِ‮ لِنتَ‮ لَهُم وَلَو كُنتَ‮ فَظّاً‮ غَلِيظَ‮ الْقَلْبِ‮ لانفَضُّوا مِن حَوْلِكَ‮ فَاعْفُ‮ عَنْهُم وَاسْتَغْفِر لَهُم وَشَاوِرْهُم فِى الأَمْرِ‮ فَإِذَا عَزَمْتَ‮ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ‮ إِنَّ‮ اللَّهَ‮ يُحِبُّ‮ الْمُتَوَكِّلِينَ‮} ‮(‬آل عمران‮: 159‮)‬،‮ ضارباً‮ المثل برأفة النبى بجاهل بدينه حين وجد‮ ‮[‬‮ الرجل الذى بال فى المسجد،‮ فقال لأصحابه صبوا على بوله سجلاً‮ من ماء،‮ فتلطف معه النبى‮ ‮[‬‮ وعلمه عدم جواز هذا التصرف‮.‬
هذه الحكمة واللين فى معاملة الناس لتعليمهم وإرشادهم استفادها الحسن والحسين من جدهما‮ ‮[‬‮ كما‮ يوضح فضيلة الإمام فحينما رأى سيدنا الحسن والحسين رجلاً‮ كبيراً‮ لا‮ يحسن الوضوء ذهبا لهذا الرجل وقالا له‮: أنا وأخى مختلفان فى كيفية الوضوء فنريد أن نتوضأ أمامك لتحكم على أحدنا بأنه صحيح أو‮ غير صحيح،‮ فلما رأى الرجل كيفية الوضوء عند الحسن والحسين،‮ قال‮: "‬أنتما على صواب وأنا على خطأ،‮ وهكذا كان الأسلوب الحكيم فى تصحيح الخطأ دون تجريح أو عصبية‮.‬
مشكلات المعلم
وبعد أن تناول فضيلة الإمام مكانة المعلم وصفاته كما جاءت فى القرآن والسيرة شدد فضيلته على أن المعلم هو عصب العملية التعليمية فى كل وقت ومكان وأن على المعلم أن‮ يأخذ من صفات الأنبياء باعتبارهم معلمين ويترجم ذلك على أرض الواقع وذلك‮ يحقق له الاحترام والتقدير الذى‮ يجب أن‮ يناله من الآخرين كما‮ يحقق معاملة تلاميذه بالرفق واللين،‮ وعلى المعلم أن‮ يدرك أنه سيناله من وراء هذا العلم أجر وثواب فى الدنيا والآخرة فقد قال النبى‮ ‮[‬‮: "‬إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‮ "‬ومنها‮" علم‮ ينتفع به وولد صالح‮ يدعو له‮" وبالطبع ليس شرطاً‮ أن‮ يكون‮ "‬الولد‮" هو ولد من صلبه ولكن قد‮ يكون طالباً‮ تعلم من أستاذه وتربى على‮ يديه فيضاف جزاء هذا الطالب لأستاذه كما قال تعالى‮: ‮{‬وَنَكْتُبُ‮ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُم وَكُلَّ‮ شَيْءٍ‮ أحْصَيْنَاهُ‮ فِى إِمَامٍ‮ مُبِينٍ‮}‬‮ (‬يس‮: 12‮).‬
وفى هذا الإطار حدد فضيلة الإمام المشكلات التى تواجه المعلم وذكر منها‮:‬
‮1- عدم احترام المعلم مادياً‮ وأدبياً‮ من حيث الراتب الذى‮ يحصل عليه ومن حيث الإعداد للتعليم التربوى الحقيقى الذى‮ يساعد فى توصيل المعلومة إلى الطلاب،‮ وكذلك عدم وجود الجو الملائم فى المدرسة من حيث احترام الأبناء والطلاب لمعلمهم‮.‬
وعلى الجانب الآخر كما‮ يشير فضيلة الإمام تتركز شكاوى الطلاب فى أن المدرسين‮ يعاملونهم كفريسة،‮ يدخلون المدرسة من أجل اصطياد هم للدروس الخصوصية فى الوقت الذى لا‮ يهتمون فيه بشرح المنهج بجدية واهتمام داخل الفصل‮.‬
وفى هذا الصدد‮ يحذر فضيلة الإمام مثل هذا المعلم الذى طرح ضميره ودينه جانباً‮ من أجل تحصيل الأموال وأكد أن راتبه حرام وأن المعلم الذى ارتضى أن‮ يكون معلماً‮ منذ البداية بهذا الأجر عليه أن‮ يعامل ضميره ويعلم أن الله تعالى سيحاسبه على مهمته بحسب ما ارتضى من راتب‮.‬
أمانة فى الأعناق
وأكد فضيلة الإمام أن النشء أمانة فى أعناق المعلمين أكثر من الآباء خاصة فى هذه المرحلة،‮ لأن الطالب لا‮ يجلس مع أبيه وأمه أكثر من جلوسه مع معلمه ولأنه‮ يتلقى نصائح الأب من موقع الإلزام والفرض،‮ بينما‮ يقبل الطالب من معلمه‮- خاصة إذا كان المعلم أباً‮ حكيما وقدوة‮- ما لا‮ يتقبلونه من آبائهم فى البيت‮.‬
وفى ختام كلمته اعتبر فضيلة الإمام أن عدم تدريس مادة الدين فى المدارس كان عاملاً‮ من العوامل التى أوجدت فجوة وفراغاً‮ فى أذهان الطلاب وأذهان المدرسين الذين تخرجوا على هذا النظام الذى أرساه وخطط له كرومر المحتل البريطانى منذ عهد بعيد‮.‬
وناشد فضيلة الإمام بضرورة ملء هذا الفراغ‮ لدى الأبناء بالخير المتمثل فى تربيتهم التربية الدينية الصحيحة بدلاً‮ من ملئه بالشر الذى‮ يعم بالعاقبة الفاسدة على الأمة كلها‮.‬
فتدريس مادة الدين هى الحصن الذى‮ يتحصن به الشاب ضد هذه الهجمات المتتالية من هنا وهناك‮.‬
شرف وقيمة
ومن جهته تحدث الدكتور سالم عبد الجليل عن فوائد العلم والتعلم واعتبر أن التعليم رسالة سامية وشرف عظيم عنى به الأنبياء واهتموا به،‮ ووضعوا قيمة الإنسان فى تعلمه،‮ حتى إن‮ "‬الكلب المعلم‮" عند الفقهاء له قيمة ويجوز بيعه،‮ وبالتالى فإن الإنسان وهو المكرم من الله عز وجل الذى سخر له ما فى السماوات وما في‮ الأرض وما بينهما،‮ لاشك أن هذا الإنسان‮ يكون شرفه وقيمته ورسالته فى تعلمه وتعليمه‮.‬
جهاد وصدقة
ويتفق الدكتور سالم عبد الجليل مع فضيلة الإمام على أن التعليم‮ يكون صدقة عن المعلم إذا ابتغى الجزاء من رب العالمين،‮ يقول معاذ بن جبل‮: "‬تعلموا العلم فإن تعلمه لله صدقة والبحث عنه جهاد‮"‬،‮ وبالتالى فرسالة التعليم رسالة سامية وشرف عظيم والنفقة عليه من أعظم النفقات‮.‬
وفى هذا الصدد‮ يستنكر فضيلته بعض السلوكيات التى قد تؤدى بالبعض إلى الانتحار لكثرة المصاريف والإنفاق على تعليم الأبناء مؤكدا فى هذا الصدد أن الإنفاق على تعليم الأبناء أفضل من النفقة على الشراب والغذاء والكساء إذا عرف الناس أنها صدقة جارية إلى أن‮ يلقوا الله سبحانه وتعالى فتطمئن قلوبهم وتطمئن ضمائرهم وعقولهم،‮ وهى من جانب آخر صدقة جارية لكل معلم‮ يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى ويعلم‮ غيره العلم أياً‮ كان هذا العلم سواء العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة والتفسير والفقه وغيره أم المتعلقة بالعلوم الأخرى الضرورية لبناء الحضارة وبناء الإنسان كالكيمياء والفيزياء والهندسة والطب وغيرها والتى تجعل الإنسان‮ يكتفى بذاته لا‮ يترك نفسه عالة على‮ غيره‮ يتاجر بقوته وحياته‮.‬
معالم التربية
وركز الدكتور سالم عبد الجليل خلال كلمته على المعالم أو المطالب اللازمة لتربية جيل متعلم‮ يتربى تربية صحيحة على‮ يد معلم واع لدوره فذكر أن‮ أول واجب نطالب به المدرس والداعية‮ أيضاً‮ هو أن‮ يربى أبناءه وأتباعه على طلب العلم لله وأن‮ يعرف المتعلم أنه صاحب رسالة وأن ذهاب التلميذ للمدرسة لا‮ يقل فى الثواب عن ذهابه للمسجد إذا سبقته نية أنه‮ يرغب من تعلمه فى تحصيل مرضاة الله سبحانه وتعالى‮.‬
وبين أن القدوة والسلوك هو المطلب الثانى‮ الذى‮ يجب أن‮ يتميز به المعلم لأن المدرس لا‮ يستطيع أن‮ يعلم الأبناء ويربيهم بمجرد الكلمة لأن الكلمة تذهب أدراج الرياح إذا لم تكن مفعلة ومترجمة بالفعل والسلوك،‮ قال تعالى‮: ‮{‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‮ آَمَنُوا لِمَ‮ تَقُولُونَ‮ مَا لا تَفْعَلُونَ‮}‬‮ (‬الصف‮: 2).‬
وينصح الدكتور سالم كل مدرس أن‮ يحترم ذاته قبل مطالبة التلميذ باحترامه،‮ بل‮ يسعى كل مدرس ويبذل جهداً‮ لنيل هذا الاحترام الذاتى‮.‬
وفى هذا الإطار‮ يرفض الدكتور سالم تحميل المنظومة التعليمية برمتها أو الحكومة كل المسئولية عن هذا التدهور فى المدارس وما تعانيه العملية التعليمية بل‮ يرى أن المناهج التى تدرس اليوم للطلبة هى نفسها التى تخرج عليها كثير من العلماء والأساتذة الكبار منذ عشرات السنين ولكن ترجع المشكلة أساساً‮ إلى المجهود الفردى الذى‮ يميز فرداً‮ عن آخر مشيراً‮ إلى أن العملية التعليمية حتى وإن أصابها الخلل فعلى الأفراد بذل الجهد للارتقاء بدلاً‮ من تعليق التقصير على شماعة الحكومة والمؤسسات التعليمية،‮ لأن مثل هذه الشماعات لن تخلق إلا مزيداً‮ من الكسالى لا أصحاب رسالة؛ وصاحب الرسالة عليه أن‮ يبذل وعليه أن‮ يعطى‮ ‮{‬وَالَّذِينَ‮ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا‮}‬‮ (‬العنكبوت‮: 69‮) وعلى قدر بذل الجهد سيعطىه الله سبحانه وتعالى التوفيق والإحسان‮.‬
شجاعة المعلم
والمطلب الثالث الذى‮ يشىر إليه الدكتور سالم هو الصدق ويقصد به الصدق العملى لا صدق الكلمة وذلك من خلال تحضير المدرس للدرس الذى سيلقيه على طلابه تحضيراً‮ جيداً‮ وهذا‮ يعتبر صدقا فى المعاملة وصدقا فى التحضير والأداء وإن لم‮ يفعل المدرس هذا فهو‮ يعلم التلاميذ الكذب والكسل‮.‬
أما رابع هذه المطالب فهى الشجاعة،‮ فعلى المعلم أن‮ يربى أبناءه على الشجاعة،‮ والشجاعة لا تعنى حمل السلاح والوقوف فى وجه العدو فحسب،‮ ولكن الأمر‮ يتعدى إلى شجاعة المعلم واعترافه بالتلميذ النابغ‮ وتشجيعه على هذا النبوغ،‮ كما أن شجاعة المدرس تكون فى الاعتراف بخطئه عندما‮ يخطئ أو‮ يصحح له تلميذ مسألة بل‮ يجب عليه أن‮ يشكر التلميذ على ذلك‮.‬
وفى نهاية تلك المطالب التربوية التى ذكرها الدكتور سالم عبد الجليل شدد على أن مهمة المعلم لا تقف عند حد تعليم الطلاب المعادلات الرياضية والقواعد النحوية واللغوية بل عليه أن‮ يعلمهم الأخلاق والسلوكيات وينمى فيهم هذا الشعور ويزكى أنفسهم،‮ لأن التربية تعنى التزكية التى هى فى الأصل من مهام النبوة‮.‬
ويناشد فضيلته كل معلم فى أى ميدان من ميادين العلم أن‮ يستغل فرصة احترام التلاميذ وأن‮ يعلمهم وأن‮ يرفق بهم بحيث‮ يكون كل مدرس معلماً‮ وداعية فى نفس الوقت‮.‬
التعليم الدولى
وخلال محاضرته طرح الدكتور سالم عبد الجليل سؤالاً‮ يشغل فكر الكثير من الناس اليوم وهو‮: لماذا نجح التعليم الدولى وتفوق على التعليم الحكومى حتى أصبحت سوق العمل لا تبحث إلا عن هؤلاء الطلاب والتلاميذ الذين تخرجوا فى الجامعات الخاصة والدولية تاركين أبناء البلد الذين تعلموا فى التعليم الحكومى؟‮!‬
ويرى الدكتور سالم أن من مميزات التعليم الدولى أنه‮ يعنى بالتلميذ بقلبه وعقله وفكره لا‮ يهمه كم حفظ من نصوص بقدر ما‮ يهمه كم عملية‮ يستطيع أن‮ يفكر فيها فى وقت واحد‮! وكم تجربة‮ يحاول إجراءها وإن فشل فيها،‮ فى حين‮ يركز التعليم العام على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل،‮ وهناك نصوص جامدة منذ عشرات بل مئات السنين‮ يتناولها المعلم من المعلم والشيخ عن الشيخ دون فهم أو إعمال العقل لاستيعابها وإدراكها وإعادة شرحها بفهم وتعمق‮.‬
من ناحية أخرى‮ يرى الدكتور سالم أن تنحية مادة الدين له أضرار كثيرة على الطالب مشيراً‮ إلى أن العناية بتدريس الأخلاق لن تكون بديلا بأى حال من الأحوال عن مادة الدين التى ترسخ أصول الدين والعقيدة وتربى الأبناء وتهذب سلوكياتهم وأخلاقهم‮.‬
وهو‮ يطالب فى هذا الصدد بضرورة تولى مدرس تخرج فى الأزهر الشريف مسئولية تدريس مادة الدين وأيضاً‮ يتولى تدريس هذه المادة عند الأخوة المسيحيين قسيس،‮ وذلك لإزاحة الشبهات عن أذهان الأبناء ونبذ الفرقة والتعصب‮.‬
التجربة اليابانية
من جانبه أكد الدكتور عبد الحليم عويس أن التراث الإسلامى هو تراث زاخر وملىء بكل ما‮ يخدم الأمة الإسلامية ويرفع شأنها ويجعلها فى المقدمة مشيراً‮ إلى أن الأمة الإسلامية هى أمة معلم وأمة علم وقوة وبناء وحضارة ولكن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة ويصبح لها كلمة إلا إذا اقترنت هذه الحضارة بالتجارب وتم فرض قيمتها على أرض الواقع‮.‬
وفى هذا الصدد أشار الدكتور عبد الحليم عويس إلى التجربة اليابانية تلك الدولة التى كانت قد دمرت تقريباً‮ فى عام‮ 1945م إلا أنها قامت ووضعت شروطاً‮ ثلاثة لبث الحياة فيها مرة أخرى،‮ وكان من هذه الشروط‮: عدم الاقتراب من العقيدة اليابانية والمتمثلة فى تولى إمبراطورها‮ "‬هيراقليطو‮" الحكم،‮ وأن تكون اللغة اليابانية هى اللغة الأم وبالفعل كان‮ يدرس الطلبة فى اليابان الطب والهندسة باللغة اليابانية،‮ رغم صعوبتها البالغة،‮ ورفضت اليابان أن تتنازل عن التربية كعنصر ثالث ورفضت أن تتدخل أمريكا فى وضع مناهجها العلمية فكانت اليابان كما نراها اليوم من أفضل النظم التربوية على مستوى العالم‮.‬
على هامش الندوة
وفى تعقيبه على ما‮ يتعلق بالدروس الخصوصية وتمسك المدرسين بها واعتبارها جزءاً‮ من حياتهم أعرب فضيلة الإمام عن أسفه من طغيان المادة بهذا الشكل الكبير،‮ فى المجتمع بصفة عامة ومجتمع المعلمين بصفة خاصة مشيراً‮ إلى‮ غياب نقطة مهمة فى هذا الصدد وهى اليقين من قوله تعالى‮: ‮{‬وَمَن‮ يَتَّقِ‮ اللَّهَ‮ يَجْعَل لَهُ‮ مَخْرَجاً‮ وَيَرْزُقْهُ‮ مِنْ‮ حَيْثُ‮ لا‮ يَحْتَسِبُ‮ وَمَن‮ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ‮ فَهُوَ‮ حَسْبُهُ‮ إِنَّ‮ اللَّهَ‮ بَالِغُ‮ أَمْرِهِ‮ قَد جَعَلَ‮ اللَّهُ‮ لِكُلِّ‮ شَيْءٍ‮ قَدْراً‮}‬‮ (‬الطلاق‮: 2‬،‮ 3)‬،‮ ومن ثم فإذا اتقى المعلم ربه فى عمله واجتهد فى توصيل ما‮ يقوله للطلبة،‮ فإن الحياة الطيبة الهنيئة السعيدة مع راحة البال جزاؤه فى الدنيا كما قال الله عز وجل‮: ‮{‬‮ مَنْ‮ عَمِلَ‮ صَالِحاً‮ مِن ذَكَرٍ‮ أَو أُنثَى وَهُوَ‮ مُؤْمِنٌ‮ فَلَنُحْيِيَنَّهُ‮ حَيَاةً‮ طَيِّبَةً‮ وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ‮ مَا كَانُوا‮ يَعْمَلُونَ‮}‬‮ (‬النحل‮: 97‮)‬،‮ وهذا الجزاء الدنيوى كما‮ يوضح فضيلة الإمام هو‮ (‬عربون‮) يقبضه الإنسان قبل أن‮ يبيع نفسه لله عز وجل،‮ وفى الآخرة‮ يكون جزاؤه مشكوراً‮.‬
وفيما‮ يتعلق بمسألة العلم النافع وقول البعض بأن الإسلام حصر العلم فى العلوم الشرعية أوضح فضيلة الإمام هذه المسألة من خلال قول الله تعالى‮: ‮{‬أَلَم تَرَ‮ أَنَّ‮ اللَّهَ‮ أَنزَلَ‮ مِن السَّمَاءِ‮ مَاءً‮ فَأَخْرَجْنَا بِهِ‮ ثَمَرَاتٍ‮ مُخْتَلِفاً‮ أَلْوَانُهَا وَمِنَ‮ الْجِبَالِ‮ جُدَدٌ‮ بِيضٌ‮ وَحُمْرٌ‮ مُّخْتَلِفٌ‮ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ‮ سُودٌ‮ وَمِن النَّاسِ‮ وَالدَّوَابِّ‮ وَالأَنْعَامِ‮ مُخْتَلِفٌ‮ أَلْوَانُهُ‮ كَذَلِكَ‮}‬‮ (‬فاطر‮: 27،‮ 28‮) ثم رتب على البحث في‮ هذه الظواهر الكونية الخشية من الله حيث قال عقبها‮ ‮{‬إِنَّمَا‮ يَخْشَى اللَّهَ‮ مِن عِبَادِهِ‮ الْعُلَمَاءُ‮}‬‮ (‬فاطر‮: 28‮) مشيراً‮ إلى أن كل هذه المسائل من نزول الماء من السماء،‮ والنبات والصخور واختلاف الألوان والثمرات لا تدخل فى مجال العلم الدينى،‮ وكلها علوم نافعة لابد من الاجتهاد فى معرفتها ودراستها وتعلمها ودراسة هذه العلوم‮- من كيمياء وفيزياء ونحو ذلك‮- تُعد من فروض الكفاية على الأمة ككل لأن الدين الإسلامى دين عالمى‮.‬
ولكن فى الوقت ذاته‮ ينادى فضيلة الإمام كل معلم ومربٍ‮ أن‮ يكون داعية؛ فمدرس الكيمياء داعية وكذلك مدرس اللغة والفيزياء وغير ذلك‮.‬
تنفيذاً‮ للمبدأ العام الذى نزلت به أول آية من القرآن الكريم‮ ‮{‬اقْرَأ بِاسْمِ‮ رَبِّكَ‮ الَّذِي‮ خَلَقَ‮}‬‮ (‬العلق‮: 1) وما دامت القراءة باسم الله فالعلم في‮ خدمة الدين‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.