سيدي العزيز ... لا ترهق نفسك في إجابة سؤال : لماذا اخترت هذه الطريقة لمخاطبتك على صفحات صحيفة مقروءة بدل أن أتقدم إليك في مكتبك الفخم الوثير بما أريد أن أقوله لك . فالحق أن عندي أسبابا كثيرة لهذا التصرف لا قيمة ولا وقت لتفصيلها هنا ، وقد تجمعنا جلسة قادمة لأشرحها لك . معاليك تعرف حتما أنك قزم صغير تبتل ملابسك حين يأتيك هاتفُ من أسيادك بأنك أخطأت في كذا وكذا ، وتعرف حتما أنهم سيلفظونك غدا أو بعد غد ، وأن من طبائع الأشياء التغيير بالعزل أو التقاعد أو الموت ، وأن هذا المقعد الوثير الذي تغوص فيه غاص فيه قبلك كثيرون ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، و تعرف حتما بعض هؤلاء الذين مازالوا ينتظرون ولما يقضوا نحبهم بعد ، وكيف يعيشون حياتهم الآن بعيدا عن هذا المقعد الوثير وما كان يحيطه من جلبة ، وضوضاء ، وبهرجة إعلامية ، وانحناءات ، وابتسامات وضحكات وجه النهار ، وما كان يفيض به هذا المقعد الوثير من مظاريف مغلقة آناء الليل من مكافآت وهدايا و" نفحات " (مسلفنة) بالأيمان التي تفلق الحجر، أن هذا الخير كله ليس إلا حباٌّ خاصا لوجهك الكريم ، وتعبيرا رمزيا عن محبة جارفة تتأجج نيرانها في مصارين صاحب تينك اليدين المرتعشتين اللتين تمتدان بالهدية ( الرمزية ) ، أو مسلفنة بتلك الابتسامة الصفراء الفاقع لونها المرتسمة على وجه موظفك ذلك البائس الذي يقف بين يديك مرتعشا ذليلا مبررا توقيعك الكريم على تلك المكافآت السخية لجنابك ، أن هذا لا يوازي (ذرة ) من تعب جنابك وإرهاقك في هذا العمل المضني [ الذي أداه فعلا صغار الصغار من موظفيك ولا علاقة لك به !! ] سيدي العزيز ... هذا مال عام ، ملك الشعب كله ، كل يتيم من أقصى الشمال لأقصى الجنوب له فيه ولو مثقال ذرة ، سيقف في مواجهتك بين يدي حاكم عدل وأنت عارٍ من الحاشية عارٍ من الجاه ، يفر منك أخوك ، وأمك وأبوك ، وزوجك وبنوك ، وصحبك وموظفوك ، يتقاضاك يتيم من الشمال حقه وأرملة من الجنوب حقها ، وعاجز من نجع بعيد عاش ومات منسيا من الجميع ، له - فيما تمتعت به - حق لا يضيع عند المالك الديَّان الذي سمَّى نفسه الحكم العدْل ، وسمى نفسه السميع البصير ، ووصف نفسه بأنه لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم . تأكد أن مقعدك سيدور بك وثيرا طريا فخما منعشا عاما آخر أو عامين آخرين أو حتى عشرة أعوام .. لكنك مآلك في النهاية هو مآل سين وصاد ممن تعرفهم ونعرفهم حق المعرفة . انظر إليهم كيف يتجرعون الذلَّ الآن وهم في بيوتهم قابعون ، وانظر إلى وجوههم الذميمة كيف تنقبض حين تتعالى في الصحف صيحات تنادي بفتح ملفات اللصوص والمفسدين في الأرض ؟ وبعد سنوات سترى مصير ذرياتهم وكيف سيتمنون تغيير أسمائهم ليحذفوا منها اسما ألحق بهم بُصاق الناس حيثما حلُّوا ...!! سيدي العزيز ... اعذرني فللحديث شجون ، ولن يقف اقتضاء الناس حقوقهم منك عند حدود ما لهفت من أموال وأراضٍ وسيارات وهدايا ثمينة .. بل سيطالبك آخرون بسبب قرارات اتخذتها ضدهم ظلما وعدوانا وبغياً بغير حق لمجرد أن كلبا من كلابك المسعورة أراد ذلك فجاملته ونسيت الذي خلقك من ماء مهين . أسألك بالله ... هل تصلي؟ وهل تصوم ؟ وهل حججت أو اعتمرت ؟ لو كنت تصلي فهل تظن أن لصلاتك أي معنى أو قيمة ؟ وضحاياك يصرخون : اللهم انتقم من الظالم !! وهل تظن أن لعباداتك أي معنى أو قيمة وفي كرشك أموال اليتامى وحقوق الأرامل وهم لا يجدون الدواء ولا الطعام ؟ يا شيخ ... رُوحْ !!!!! والله أنت بتصعب عليَّ لما أبص في عينيك وأنت من غير النضاَّرة اللي بتستر بيها ضعفك وجوعك !! بتضحك على نفسك ؟ [email protected]