اعتاد المصريون منذ نعومة أظفارهم على سماع عبارة " حسبة برما " والتي تعرفها الموسوعة الحرة ويكيبيديا العالمية بأنها مقولة مصرية دارجة تقال عندما يحتار الأمر في حساب شيء ما. وأورد الكاتب إبراهيم خليل موضوع حسبة برما في موسوعته المقصاة إعلامياً والمتجاهلة قصداً وعمداً ثقافياً و الموسومة ب ( موسوعة حلوة بلادي ) بقوله : المقولة الشهيرة حسبة برما ترجع لإحدى القرى التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية وهي قرية ( برما ) التي تبعد عن مدينة طنطا بحوالي 12 كيلو متر ، وقد جاءت هذه المقولة (حسبة برما) عندما اصطدم أحد الأشخاص بسيدة كانت تحمل قفصا محملا بالبيض فأرادوا تعويضها عما فقدته من البيض وقالوا لها : كم بيضة كانت بالقفص ؟ فقالت : لو أحصيتم البيض بالثلاثة لتبقى بيضة ، وبالأربعة تبقى بيضة ، وبالخمسة تبقى بيضة ، وبالستة تبقى بيضة ، ولو أحصيتموه بالسبعة فلا تبقى شيئا ، وهنا عرفوا أنه كان بالقفص 301 بيضة ومن هنا جاءت المقولة ( حسبة برما ) .
وهذه القصة تختصر حالات الجدال واللغط السياسي والنقاشات المستغرقة في البنود والتفاصيل والمواد التي تعتري أعمال لجنة الخمسين المنوط بها إعداد وصياغة دستور البلاد والعباد في مصر المحروسة والتي لم تنته بعد من فعالياتها التي أصبحت إعلامية أكثر من كونها مواداً يمكن رصدها في الشارع المصري الذي صار هو الآخر محترفاً سياسياً بجدارة. كثيرون من المصريين على يقين قطعي بأن لجنة الخمسين الخاصة بتعديل أو وضع مواد الدستور لن تقدم دستوراً مصرياً يُعمل به على أرض المحروسة ، وهذا ليس من قبيل التشاؤم المذموم ، ولكن من خلال استقراء آراء كثيرة من الطلاب والأساتذة الجامعيين نظراً لأنهم تفرغوا للسياسة أكثر من عبء التدريس ووجع الأدمغة ، وبعض المواطنين وكثير من المهمشين الذين لا يزالوا رهن انتظار رئيس جديد دائم للبلاد والعباد ، ومجلس تشريعي غير مهدد بالحل أو التقويض القضائي ، وبحياة شبه مستقرة أمنياً وسياسيا واجتماعياً .
وللحق أن لجنة الخمسين والتي هربت من فخ المسميات كاللجنة التأسيسية مثلاً أو الاستشارية تعاني منذ إعلانها وتدشين أعمالها حملات من التشويه الإعلامي والتضليل الثقافي والسياسي ناهيكم عن تفاوت الكفاءات السياسية والدستورية بها وهو الأمر الذي يكاد يعصف بقراراتها وأعمالها ليل نهار . ومشكلة اللجنة أنها تعمل جاهدة على صياغة مواد دستورية أو تعديلها في الوقت الذي يصنع فيه الشارع المصري حدثه السياسي المشهود والفعلي ، أي أن هؤلاء المجتمعين لسن وصك مواد دستورية لا يعبأون بقانون ودستور الشارع الذي يصاغ بقوة غير قانونية إلا أنها تعكس رغبة شعب وإرادة فئوية أو جبهوية معينة.
وإذا كانت اللجنة كل صباح تشهد خلافاً سياسياً أو شخصياً حول مادة من مواد الدستور الذي قد لا ينتهي فهذا مرده لسببين لا ثالث لهما ؛ الأول أن اللجنة وأعضاءها يعلمون رفض الأغلبية للدستور المعطل لكنهم لا يفطنون للمواد التي لاقت رفضاً وتنديداً لذا فهم يعملون على تجميلها من وجهة نظرهم هم وليس رغبة الشارع المترقب عقاباً لدستور لا يوافق هواهم السياسي . الأمر الثاني أن اللجنة حولت أعمالها إلى جلسات استماع من غير اللائق وصفها بجلسات الحكي القصصي الشعبي للسير الشعبية الموروثة ، ولكن يمكن توصيفها بتعرف رغبات بعض الجهات والهيئات والنقابات وأحلامهم وطموحاتهم في دستور جديد . وإذا بدا هذا الأمر للبعض مرغوباً فإنه يصلح لدول غير مصر ، مصر التي قامت بصياغة أول دستور سياسي رسمي لها في السابع من فبراير سنة 1882 في عهد الخديو توفيق والذي أظن أن بعض الذين جاءوا للجنة كأعضاء أو مستمعين ومشاركين ومقترحين لم يتعرفوا على مواده التي بلغت ثلاثا وخمسين مادة . مروراً بدساتير 1923 ، و 1930 ، انتهاء بالدستور المعطل والذي أطلق عليه في وقته وأثنائه وبعده دستور الإخوان .
فيكاد يزعم الزاعمون أن ثقافة بعض أعضاء لجنة الخمسين الدستورية غائبة ، بدليل أن جلسات الاستماع التي تم تدشينها وعقدها لمدة شهر كامل كشفت عن غياب الحضور الثقافي لبعضهم بشأن لوائح وقوانين بعض النقابات والهيئات وهو الأمر الذي كان ينبغي أن يوضع في الاعتبار قبيل اختيار الأعضاء . ومن الأكثر عجباً أن تطل علينا اللجنة بتصريح مفاده الانتهاء من صياغة المواد الأساسية في الدستور ، وهي مواد قائمة قيام أهرامات مصر في دساتيرها منذ الدستور الأول التوفيقي نسبة إلى الخديو توفيق ، الأمر الذي يجعل الشارع المصري غير مهتم أو مبال بأعمال اللجنة و تحولت حالة الترقب إلى حالة صدام وعراك بها بل قد يتجاوز الأمر ليصير في الأيام المقبلة حالة ترصد تمهيداً لعقاب شديد تجاه أعمال اللجنة التي باتت بطيئة ، وكأنها تريد الفكاك من شرك الاتهام بمصطلحات مثل ( طبخ ) الدستور ، و ( سلق ) مواده ، وغير ذلك من الكلمات التي تشير إلى التعجل والسرعة . واللجنة أيضاً تواجه مشكلة أخرى قائمة ، وهي أننا لو افترضنا علم أعضائها التام والكامل بدساتير مصر السابقة وإعلاناتها الدستورية المكملة ولوائح هيئاتها ومؤسساتها ومنظماتها الرسمية وغير الرسمية وهذا محض خيال وضرب من التخييل بالتأكيد ، فهي على إصرارها أن تظل رهن أبواب الدستور القديمة ، ورهن الصياغات المكرورة والرتيبة لبعض المواد ، وكان عليها أن تدرك تغير الواقع وشدة حراكه السياسي ، الأمر الذي يجب أن يدفع أعمال اللجنة إلى إقرار حقيقة أن الإنسان صانع لدستوره وليس العكس ، ولكن رغبة البعض في السير على نهج سلف السياسيين القدامى جعلهم بمنأى عن حدث الشارع الذي أصبح متسارعاً ومتغيراً بين عشية وضحاها ، أما الأعضاء الذين باتوا حبيسين التعليم التقليدي