حسبة برما الدستورية

«برما» قرية من قرى مركز «طنطا» بمحافظة الغربية، وحدث أن اصطدم أحد سكانها بامرأة تحمل مشنة - أى قفصاً - من البيض فتكسر، ولما سئلت عن عدد ما كانت تحمله ليكون أساساً لتعويضها، قالت إنها لا تتذكر إلا أنها حين كانت تقسمه إلى كومين أو ثلاثة.. حتى ستة أكوام، كان يتبقى معها بيضة واحدة، أما إذا قسمته إلى سبعة أكوام، فلا يتبقى معها شىء.. وهكذا أصبحت «حسبة برما» إشارة إلى العمليات الحسابية التى تتعقد لمجرد أن أحد الأطراف يجد متعة فى هرش مخ الآخرين.
والحقيقة أننى أمضيت الساعات التى انقضت منذ أعلن المشير «حسين طنطاوى» - بناء على طلب وإلحاح مليونية مولانا الشيخ حازم «أبوإسماعيل» ومن انضموا إليه من قوى الثورة فى ميدان التحرير خلال الأسبوع الماضى - أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سوف يسلم السلطة للرئيس المدنى المنتخب فى 30 يونيو من العام القادم، أحاول أن أحل «حسبة برما» التى يستند إليها هذا القرار، إلى أن عرفت من الصحف أن الجدول الزمنى لذلك قد تم التوصل إليه فى الاجتماع الذى ضم الفريق «سامى عنان»، رئيس الأركان، وعدداً من ممثلى القوى السياسية، وانتهى قبل لحظات من إلقاء المشير بيانه.
وطبقاً لهذا الجدول، فإن المراحل الثلاث لانتخابات مجلس الشعب، سوف تجرى فى مواعيدها المحددة لذلك، وهى 28 نوفمبر و14 ديسمبر 2011، و3 يناير 2012، لتنتهى فى 10 يناير، وأن انتخابات مجلس الشورى تنتهى فى 10 مارس، وأن الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى، سوف ينعقد فى 27 مارس، حيث تفتتح الدورة البرلمانية، ويتلقى النواب من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة تكليفاً بتشكيل الهيئة التأسيسية التى ستضع الدستور، وبعد أسبوعين فقط وفى 10 أبريل ينتخب البرلمان أعضاء هيئة المائة، وبعد شهر واحد وفى 10 مايو 2012، تنتهى الهيئة من صياغة الدستور، ليطرح للاستفتاء بعد عشرين يوماً فقط فى 30 مايو 2012!.
وبالتوازى مع كتابة الدستور، تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية، بفتح باب الترشح لمدة أربعة أيام فقط، بين 16 و20 أبريل، وبعد شهرين وفى 20 يونيو 2012 تجرى الانتخابات، ليؤدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية، ويبدأ فى ممارسة سلطته فى 30 يونيو 2012!
وبهذا الجدول البسيط تحل المعضلة التى أضاعت عشرة أشهر من عمر المصريين، وأضاعت أعمار مئات منهم استشهدوا، وعوقت أعضاء آلاف أصيبوا، وأهدرت مئات المليارات من الدولارات من الثروة القومية، ورفعت نسبة البطالة إلى 13٪ وخفضت نسبة النمو إلى 1.5٪، وهبطت بالاحتياطى النقدى من 36 إلى 22 مليار دولار، وثبت أن ذلك كله لم يكن له ما يبرره، وأن تشكيل هيئة المائة التى ستكتب الدستور، لم يكن يتطلب كل هذا الوقت الذى أهدرناه فى عقد اجتماعات، وفى تشكيل لجان للحوار والوفاق الوطنى، وفى إقامة مليونيات، ومناقشة وثائق لأن اختيار أعضاء اللجنة مهمة سهلة مثل شكلة الدبوس، لا تتطلب طبقاً لجدول حسبة برما، سوى عشرة أيام فقط.
بل إن كتابة الدستور بجلالة قدره لا تتطلب سوى شهر واحد، بين 10 أبريل و10 مايو 2012 إذ هو أمر لا يعسر إتمامه على مائة شخصية فذة من النوع الذى دهن الهوا دوكو وخرم التعريفة وهشتك الفيل وسلم ع البدنجان!
والمطلوب منا نحن المصريين طبقاً لجدول برما المذكور أعلاه، أن نناقش هذا الدستور، ونستفتى عليه فى الوقت الذى نتابع فيه برامج المرشحين للرئاسة، والمطلوب من هؤلاء المرشحين أن يتقدموا للترشيح قبل أن تخط لجنة المائة سطراً واحداً فى كتابته، ومن دون أن يعرفوا طبيعة النظام الجمهورى الذى تقوم على أساسه الدولة التى يرشحون أنفسهم لكى يحكموها، ومن دون أن يعرفوا اختصاصات وسلطات المنصب الذى يتنافسون عليه!
ثم.. ما الذى سوف يفعله مجلس الشعب منذ انتخابه فى 10 يناير 2012 وحتى تولى الرئيس الجديد سلطته فى 30 يونيو 2012.. هل يمارس السلطة التشريعية كما أعلن من قبل.. أم يقتصر دوره على انتخاب هيئة المائة.. وأى سلطة يمارسها وليس فى الإعلان الدستورى حول سلطاته سوى مادة واحدة هى المادة 33؟
هذه هى الحسبة التى أحاول أن أبحث لها عن حل، لأعرف بالضبط عدد البيض الذى كان فى مشنة فلاحة برما، فلا أجد إجابة..
فإذا وجدت فمن فضلك أرسل بها إلىّ.