ما الذي نتوقعه من كاتب علماني أو طائفي أو يجمع بين الأمرين تجاه الإخوان؟ّ طبعا لا شيء غير الكراهية العمياء، وترديد الشائعات والإدعاءات سابقة التجهيز لتشويه صورتهم وإلصاق كل نقيصة بهم خدمة لمشروعه الطائفي البغيض، وماذا تقول في شخص آخر كان حريصا على حضورحفل الإفطار الرمضاني السنوي لمرشد الإخوان في أحد الفنادق قبل أن يمنع الأمن هذا الإفطار ثم يستقيل هذا الشخص من الحزب الذي إنضم إليه مؤخرا بحجة أن رئيس الحزب إستقبل مرشد الإخوان، ويؤسس حركة ضد ما أسماه إرتداد الوفد عن العلمانية؟وماذا تتوقع ممن نصبوا أنفسهم متحدثين بإسم الأقباط في بلاد اليورو والدولار والجنيه الإسترليني غير تقديم كشوف إنتاج لمن يوظفونهم تتضمن مجهوداتهم وكتاباتهم ضد الإخوان وغيرهم من رموز التيار الإسلامي بل حتى من غير التيار الإسلامي حتى يحصلوا على المقابل المالي لهذه الخدمات؟. مع عرض مسلسل الجماعة لكاتبه وحيد حامد وجدت الأقلام العلمانية والطائفية فرصتها لتنقض على الفريسة وتجهز عليها ظنا منها أن المسلسل قام بعملية التمهيد النيراني المطلوب، وراح أولئك الكتاب الطائفيون في الصحف ومواقع الإنترنت المرتبطة باقباط المهجر يفرغون سمومهم، ويعيدون إتهامات عفا عليها الزمن، منها ما هو صحيح ولكنه مبرر بظروف زمانه، وأغلبها غير صحيح من واقع التحقيقات الرسمية، راح أولئك الكتاب يلقون بكل نقيصة على الإخوان، وينتهون بأن مصر ستكون جنة الله في الأرض بدونهم!!. حسنا نحن جميعا نتمنى أن تكون مصر جنة الله على الأرض، لكن هل يتم ذلك بغياب العناصر الوطنية الصالحة وانتشار الطائفيين والملحدين واللصوص والمستبدين؟! لقد أعاد أولئك الكتاب نشر الإتهامات المكررة ضد الإخوان التي تضمنها المسلسل، ونسبوا إليهم قتل العديد من الشخصيات الكبرى سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري أو حتى الجملوكي الحالي (الذي يجمع بين النظامين الملكي والجمهوري)،رغم أن الكثير من الحوادث التي ذكروها تخص آخرين إعترفوا بها وعوقبوا بسببها، كما نسبوا للإخوان الاعتداء على الفنادق والملاهي الليلية وبعض المحال التجارية الكبرى مثل شيكوريل وجاتينو وداوود عدس قبل الثورة متجاهلين أن تلك النوادي والمحال كانت إما مملوكة ليهود يؤيدون الإحتلال الإنجليزي لمصر والإسرائيلي لفلسطين أو أنها تؤوي جنود الإحتلال ، وأن الإعتداء عليها لم يكن من الإخوان فقط بل شاركت فيه كل الحركات الوطنية المصرية، كما أن قتل بعض الشخصيات كان يعود للسبب ذاته وهو موالاتهم للإنجليز، وهو أيضا عمل لم يكن مقصورا على الإخوان بل شاركت فيه العديد من القوى الوطنية الحية آنذاك، ولعل من المهم التذكير في هذا الشأن بمقتل رئيس الوزراء المصري بطرس غالي باشا على يد الشاب الوطني غير الإخواني إبراهيم الورداني وكذا مقتل الوزير العميل أمين عثمان على يد الرئيس أنور السادات( قبل أن يكون رئيسا بالطبع)، كما أن العديد من الوزراء والمسئولين الآخرين تعرضوا للقتل أو لمحاولة الإغتيال على أيدي شباب الحركة الوطنية، فقد كان الإحتلال مستفزا للمشاعر الوطنية، وكانت مصر تموج بعمليات مقاومة تستهدف الإحتلال وأعوان الإحتلال كما يحدث اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان، والغريب أننا نجد اليوم وبعد أكثر من نصف قرن على جلاء الإنجليز من يدافع عن هذا الإحتلال ويسفه من كانوا يقاومونه، ويظهر عمليات المقاومة التي إستهدفت منشآت تابعة له وكأنها موجهة ضد المصريين فقط رغم أنهم من وقع ضحية لتلك العمليات وقع بطريق الخطأ غير المقصود تماما كما يحدث في عمليات المقاومة الفلسطينية والعراقية التي تستهدف الإحتلالين الإسرائيلي والأمريكي فتصيب أحيانا بعض الفلسطينيين أو العراقيين، ولكم أن تقارنوا بين طريقة تعامل وزارتي الداخلية في حكومة رام الله وفي حكومة بغداد حاليا مع المقاومين وبين تعامل حكومة النقراشي باشا ووكيل داخليته عبد الرحمن عمار مع عمليات الإخوان والقوى الوطنية الأخرى ضد الإنجليز واليهود قبل 1952فما أشبه الليلة بالبارحة!! . دعنا من القضايا التاريخية التي أكل عليها الدهر وشرب، وإمتلأت بدعاياتها والرد عليها مئات الكتب والمراجع، ولنقترب أكثر من الواقع وما يوجهه الكتاب الطائفيون ضد الإخوان من إتهامات مثل إفساد الحياة السياسية والحزبية والنقابية، ومعاداة الأقباط ونشر الفتن الطائفية، واستخدام التقية للوصول إلى الحكم. ينطلق الكتاب الطائفيون والعلمانيون من قاعدة خاطئة بأن الإخوان يريدون التسلل للسياسة والحكم وكأن هذا شيئا مشينا لمن يفعله، وكأن السياسة والحكم حكر على الفاسدين والمستبدين، وكأنه ليس من حق أصحاب المشروع الإسلامي أن يسعوا لعرض مشروعهم على الشعب بالطرق الديمقراطية إحتكاما لصناديق الإنتخابات ونصوص الدستور، وليس إستنادا لقوة عسكرية غاشمة أوحماية أجنبية مرفوضة. هل أفسد الإخوان الحياة السياسية والحزبية كما يدعي أولئك الكتاب؟ أرد هنا على السؤال بسؤال وأين هي الحياة السياسية والحزبية بدون الإخوان؟!، كم مقعد للأحزاب المصرية جميعها في البرلمان الحالي رغم أن السلطة لم تزور الإنتخابات في دوائر مرشحي الأحزاب باستثناءات قليلة؟ ما هي الفعاليات والأنشطة المؤثرة التي تقوم بها تلك الأحزاب سوى الإجتماعات في الغرف المغلقة المكيفة والتناحر على مناصب حزبية هزيلة والتنافس على إغتنام حصة بعدد من النواب تعينهم السلطة سواء بطريق مباشر أو عبر صفقة إنتخابية؟، وأريد أن أسال مرة أخرى من الذي أعطى للحياة السياسية مذاقا وطعما بعد أن كانت عديمة الطعم والمذاق؟ أليسو هم الإخوان الذين كانوا ولايزالون حجر العثرة الرئيسي أمام الحزب الوطني؟ أليسو هم من ترتعد فرائص الحزب الوطني منهم؟ أليسو هم من تسن القوانين ويعدل الدستور وتستخدم قوى الأمن والإعلام والثقافة لمنعهم من التقدم؟ أليسو هم من أحيا النقابات المهنية بعد موات ظل يلازمها عشرات السنين كانت خلالها نسيا منسيا؟ألم يكونوا هم رواد مشاريع العلاج والسكن والتكافل ومعارض التقسيط في تلك النقابات، ناهيك عن مواقفهم الصلبة في حماية المهن وأعضائها مما قد يطالهم من عسف؟ ولنقارن وضع النقابات المهنية التي أدارها الإخوان بنظيرتها العمالية التي ظلت تحت سيطرة الحكومة منذ تأسيسها حتى الآن، ماذا فعلت للعمال الذين تمثلهم حين حدثت هوجة بيع شركات القطاع العام وتصفية العاملين فيه؟ وماذا فعلت للعمال المعتصمين والمضربين على أرصفة الشوارع وامام مجلس الشعب، بل وحتى داخل جدران الإتحاد العام للعمال طلبا لحقوق مشروعة؟. إن الإخوان ومنذ قرروا خوض الإنتخابات البرلمانية منذ منتصف الثمانينات لم يبطنوا خلاف ما أظهروه، لقد أعلنوا بوضوح أن هدفهم الحصول على تمثيل برلماني، يسمح لهم بالمشاركة الفعالة في صياغة السياسات العامة وسن التشريعات التي تنظم حياة الناس، وأنهم في سبيل ذلك مستعدون للتعاون مع كل القوى الوطنية المخلصة، ولكن الكثير من تلك القوى لاتقوى على غضب السلطة ولاتريد المغامرة بمكاتبها وألقابها، وببعض الفتات الذي تجود به السلطة عليها. لقد تحمل نواب الإخوان الأمانة بشرف ونزاهة، وتبنوا قضايا الشعب تحت القبة، وقدموا آلاف فرص العمل وقرارات العلاج المشروعة على نفقة الدولة لأبناء دوائرهم، وإستخدموا كل الأدوات الرقابية المتاحة أمامهم، ونجحوا في تعديل بعض التشريعات ومواجهة العديد من حالات الفساد الكبرى، لكن الأغلبية الميكانيكية للحزب الحاكم حالت دون تحقيق المزيد من تلك النجاحات حين كان رئيس المجلس يطلب التصويت على الإنتقال إلى جدول الأعمال عقب كل إستجواب يقدمه أحد نواب الإخوان أو غير الإخوان، أو حتى يعاقب أي نائب إخواني يحاول تسجيل أهداف في مرمى الحكومة المثقوب. ماذا إذن عن الإدعاء بمعاداة المسيحيين وتزكية الفتن الطائفية؟ لعل الكتاب الطائفيين لم يطلعوا جيدا على تاريخ الإخوان مع المسيحيين، ولعلهم لا يعلمون أن أول لجنة سياسية للإخوان في عهد البنا ضمت بعضا من المسيحيين، ولعلهم نسوا أن الإخوان هم أول من أوصل نائب مسيحي عبر الإنتخابات إلى قبة البرلمان عام 1987 وهو النائب جمال أسعد عبد الملاك على رأس قائمة التحالف الإسلامي، وقد سافر المرشد العام حينها حامد أبو النصر إلى أسيوط ليتولى بنفسه الدعاية لجمال أسعد، وقبل ذلك وقف سلفه المرشد الراحل عمر التلمساني موقفا قويا مطالبا برفع الإقامة الجبرية عن البابا شنودة ، ولا أنسى تصريحه الشهير للإذاعة المصرية عام 1982 أنه مستعد لصعود أعلى مئذنة للمطالبة بفك عزلة البابا. لقد حافظ الإخوان على علاقة طيبة بالكنيسة المصرية، وحرصوا على إيفاد ممثل أو أكثر لهم لمشاركة الأقباط إحتفالاتهم وموائدهم الرمضانية، كما أنهم حرصوا على دعوة ممثلين لكل الطوائف المسيحية الكبرى ولرموزهم المدنية والدينية لمشاركتهم حفلات الإفطار التي كان يقيمها المرشد العام طوال السنوات الماضية، وظل الحال كذلك حتى توقفت الكنيسة عن توجيه الدعوة للإخوان من ناحية ومنع الأمن لحفلات إفطار الإخوان من ناحية أخرى. أما على صعيد الفتن الطائفية فقد حرص الإخوان على تهدئة ما يستطيعون منها، ويشهد على ذلك عقلاء المسيحيين الذين لجأوا للإخوان في مناطقهم للجم الغوغاء كما حدث في الأسكندرية قبل ثلاث سنوات، ويدعو الإخوان دائما إلى وأد الفتن التي لن يستفيد منها إلا أعداء الوطن المتربصين به، ولم يثبت أنهم وقفوا موقفا مناهضا للوحدة الوطنية. نصيحة لهؤلاء الكتاب إن كنتم فعلا حريصين على الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي فلا مناص من الحوار مع الإخوان لا إستعدائهم، ساعتها يمكن أن تجد مشاكل الأقباط طريقا إلى الحل بقبول شعبي لا بإملاءات خارجية.